خاص الهديل:
في الإنتخابات الماضية لم تستطع ابيليت شاكيد (حزب البيت اليهودي) بلوغ نسبة الحسم، ولم تنل أي مقعد في الكنسيت الإسرائيلي.
.. آنذاك لم ينل هذا الخبر أي اهتمام من قبل صناع السياسة الإسرائيلية.. ولكن هذه الأيام يتم تركيز أنظار مستطلعي الرأي على كل نقطة انتخابية إضافية تحصل عليها شاكيد في الاستطلاعات.. والسبب في ذلك، لا يعود لأهمية شاكيد؛ بل لكونها تمثل داخل لعبة سباق الإنتخابات التي ستُعقد بعد أيام، ما يشبه “البحصة التي تستطيع إسناد الخابية”.
وكل القصة التي هي الآن محل اهتمام كبير في إسرائيل، تتعلق بأمرين إثنين باتا مترابطين، وهما “شاكيد” و”بيبي” (إسم الدلع لنتنياهو). فنتنياهو بحسب الاستطلاعات سيحصد ستين مقعداً من أصل المقاعد ال١٢٠ التي يتشكل منها الكنيست. وهذا يعني أن نتنياهو لا يزال بحاجة لمقعد واحد حتى ينال الأغلبية الضئيلة من مقاعد الكنيست (نصف المقاعد زائد واحد) التي تمكنه من تشكيل حكومة بزعامته، والتي تجعله قادراً رغم “أنف بايدن” على العودة إلى الحكم في إسرائيل. واللافت أن مصير فوز نتنياهو مرهون بتحقيق ما تقوله الاستطلاعات عن أن شعبية حزب شاكيد “البيت اليهودي” تحقق نقاطاً ضئيلة؛ تمكنها من بلوغ نسبة الحسم، ونيل مقعداً نيابياً واحداً تكمن أهميته في أن نتنياهو يحتاجه لبلوغ نسبة حسم الأغلبية الضئيلة والعودة الى الحكم..
وهكذا يصبح السيناريو المنتظر لجماعة نتنياهو والمقلق لجماعة لابيد وغايتس وحتى لبايدن، هو ما إذا كانت ستصدق إستطلاعات الرأي التلفزيونية الإسرائيلية وتحصل ابيليت شاكيد على مقعد واحد في الكنيست، ما سيسبب حدوث ما يشبه “الانقلاب السياسي الابيض” غير المسبوق في اسرائيل، المتمثل بنجاح نتنياهو بالثأر من بايدن الذي استغل وجوده في البيت الأبيض لإخراجه من الحكم قبل نحو عام، وذلك عبر عودته إلى الحكم رغم أن بايدن لا يزال موجوداً في البيت الابيض.
.. ولكن يجدر توخي الحذر، بالنظر لأن استطلاعات الرأي التلفزيونية الإسرائيلية قلما تصدق؛ وحتى “معدو هذه الاستطلاعات”، يقولون ان نسبة الخطأ فيها هو ٤.٤ بالمئة، ولكن الحقيقة تظهر أن نسبة الخطأ هي أكبر بكثير من ذلك.. ومع ذلك فإن صانعي الاستطلاعات في إسرائيل هم الذين حالياً يوجهون السياسيين لجهة كيفية ترتيب أسماء مرشحي لوائحهم الانتخابية، وكيفية بناء تحالفاتهم.
غير ان قصة شاكيد لا تتعدى كونها مسألة “مونتاج حسابي”، قد يصدق وقد يخطأ؛ فيما نتائج الإنتخابات الإسرائيلية تصنعها بالعادة عوامل أخرى سياسية عميقة؛ بعضها يكون مرئياً، وبعضها مستتراً. ونتنياهو أمس كشف عن عامل مهم من العوامل المستترة التي تتحكم بمسار الإنتخابات الإسرائيلية الحالية وذلك عندما اتهم بايدن بأنه يتدخل بالشؤون الإنتخابية الداخلية الإسرائيلية، وحينما غمز من قناة أن الضغوط التي مارسها لتوقيع اتفاق الترسيم البحري الإسرائيلي اللبناني، أسبابها انتخابية وتهدف للتأثير على نتائج الإنتخابات الاسرائيلية..
ومنذ البداية أبدى نتنياهو خشية من أن يستثمر لابيد في “اتفاق هوكشتاين” لصالحه في صندوق الانتخابات؛ ولكن استطلاعات الرأي التلفزيونية أظهرت ان الجمهور الإسرائيلي، قدم دعماً فاتراً للاتفاق البحري الإسرائيلي مع لبنان: أربعون بالمئة قالوا ان الاتفاق جيد، والآخرون توزعوا بين “رافضين للاتفاق”، وبين “غير مبالين”، وبين فئة ثالثة هي النسبة الأكبر بين غير الموافقين على الاتفاق، قالت انها تنتظر اطلاعها على مضمون الاتفاق، حتى تقرر موقفها.
وهكذا يبدو ان انتخابات إسرائيل تراوح سياسياً في صحراء جدباء. فالإنتخابات لا تطرح فوق ميدان السباق التنافسي قضايا خلافية ذات وزن سياسي، بل كل ما تطرحه هو قضايا تتصل بالخلافات شخصية بين المتنافسين أو المتحالفين، كحكايا العلاقات الشخصية بين شاكيد ونتنياهو، أو بين غانتس ونتنياهو، أو حتى بين غانتس ولابيد، واستطراداً بين لابيد وحليفه بايدن او بين بايدن ونتنياهو الذي تصفه دعاية الحزب الديمقراطي في أميركا بأنه حليف بوتين.
ولكن في الأيام الأخيرة برز داخل الحملات الإنتخابية الإسرائيلية شخصيات سياسية رفعت شعار “تحقيق الأمن الشخصي”.. ويبدو هذا الشعار لافتاً من عدة زوايا، لأنه يظهر أن الأمن الشخصي في إسرائيل بات مهدداً بفعل تعاظم حالة مقاومة “عرين الأسود” التي انطلقت من الحي القديم في مدينة نابلس، وأصبحت اليوم تعم كل الأراضي المحتلة الفلسطينية. خطورة هذه المقاومة من وجهة نظر إسرائيل تكمن في أن أعضاءها ينفذون عمليات فدائية فردية، وبأسلحة خفيفة، وغالباً ما تكون أسلحة بدائية، كالدهس، والطعن بسكين المطبخ، الخ..
وهذا النوع من العمليات يجعل الفرد الإسرائيلي يشعر “بخطر وجودي” على نفسه، وبأنه غير محمي، وبأن “دولته” وجيشها الضخم وأجهزة أمنها التي تصرف مليارات الشيكلات على جمع المعلومات، لا تستطيع حمايته من “لحظة غفلة” يتسلل بها فدائي من “عرين الاسود” وينفذ “طعنة سكين” أو “عملية دهس” أو “اطلاق نار من مسدس” أو حتى “من بندقية صيد”…
إن شخصيات إسرائيلية تخوض الإنتخابات، بدأت ترفع شعار “تحقيق الأمن الفردي للإسرائيليين” وذلك بمواجهة صعود ظاهرة مقاومة “عرين الأسود”. وطرح هذا الشعار في الدورة الإنتخابية الحالية، يوضح أن “مقاومة عرين الأسود” التي لا يتجاوز عمرها الأشهر، دخلت بسرعة دائرة الاهتمام العام الاسرائيلي، وصار البحث الإسرائيلي عن الحماية من خطرها، هو “قضية شأن عام” ووسيلة حزبية لنيل صوت الناخب في إسرائيل.
.. خلال الدورات الإنتخابية الأربعة الأخيرة، كان هدف طيف واسع من الأحزاب والشخصيات والبيئات الإسرائيلية، هو إزاحة نتنياهو عن الحكم، وفي هذه الدورة صار هدفها “منع نتنياهو من العودة إلى الحكم”، وعلى هذا فإن نتنياهو لا يزال هو محور الحياة الإسرائيلية على ضفتي اليمن واليسار ووسط اليمن والناخب العربي.
هناك اليوم في إسرائيل من يعتبر ان الأحزاب الإسرائيلية لم يعد لديها من البرامج السياسية الانتخابية ما يجعل المراقب يبحث عن فوارق اقتصادية أو ايديولوجية فكرية بينها، بل صارت إسرائيل عبارة عن معسكرين قبليين؛ أحدهما مع عودة نتنياهو إلى الحكم والقبيلة الثانية مع إزاحة نتنياهو من الحكم أو منعه من العودة للحكم.
لقد استهلك نتنياهو نحو عقد ونصف من حياة إسرائيل السياسية، وصار عنوان التناقضات السياسية فيها، بدل ان يكون الصراع هو بين الأفكار والبرامج والسياسات. إن أقرب حالة لما يمثله نتنياهو من تسخيف للحالة السياسية في إسرائيل، هي حالة رونالد ترامب في الولايات المتحدة الأميركية. فالرجلان يشتركان بأنهما يطرحان نفسيهما بأنهما شخصيتان أكبر من حزبيهما، وأنهما حالة زعامة شمولية في نظامين ديمقراطيين!!.