الهديل

من مزارع شبعا الى ترسيم الحدود مع أطيب التمنيات

 

كتب عوني الكعكي:

قضية نزاع الحدود بين معظم دول العالم موجودة وبالأخص الدول التي وقعت تحت احتلال الاستعمار، إذ ترك الأخير نزاعاً حدودياً بينها لأن مصلحته تقضي أن يترك مشاكل من بعد انسحابه القسري، لأن المستعمر كان لا يرغب في ترك أي دولة احتلها خاصة الدول التي استغل ثرواتها الطبيعية والبشرية.

من هنا نشأت عدّة خلافات حدودية بين لبنان وسوريا لا سيما أنّ البلدين كانا تحت الاحتلال العثماني، ثم الاحتلال الفرنسي. لذلك من الطبيعي أن تنشأ بينهما خلافات حدودية، برية وبحرية على حدّ سواء.

أقول هذا الكلام بعد الاتصال الهاتفي الذي قيل بأنه تمّ بين الرئيس ميشال عون والرئيس بشار الأسد، ومطالبة الأول بتحديد مواعيد لبدء مباحثات الترسيم بين البلدين، مؤجّلاً أو مستبعداً ترسيم الحدود البحرية التي «تعقد» على بحر من التساؤلات والخلافات الجوهرية. وقبل الخوض بالخلافات الحدودية: البرية منها والبحرية، أقول: حتى بعد «خبر» الاتصال بين الرئيسين عون والأسد بشأن الحدود البحرية وتعيين الاربعاء موعداً للقاء بين الجانبين اللبناني والسوري، فوجئ الجميع بخبر إلغاء الموعد… فنزل الخبر كالصاعقة على متابعي قضية الترسيم، ولم يخفف من وقع هذه الصدمة، ما أقدم عليه سفير سوريا في لبنان بعد زيارته لعون، من تبرير بدا غير منطقي من خلال كلامه المتلعثم، لأنه لم يَبُحْ بالسبب الحقيقي لإلغاء الموعد.

أعود الى قضايا الحدود بين البلدين، وأبدأ بالمسألة المشكلة العالقة، والتي أثارت موجة من التساؤلات الكثيرة… إنها مزارع شبعا المحتلة حالياً من قِبَل العدو الاسرائيلي.

تقع مزارع شبعا المحتلة على الحدود بين لبنان والجزء المحتل من الجولان السوري، تتبع لمنطقة العرقوب وتمتاز بموقع جغرافي استراتيجي باعتبارها حلقة وصل مع المستوطنات الاسرائيلية الشمالية والجولان المحتل.

النطاق الجغرافي لمنطقة مزارع شبعا غير محدد بدقة. مع ذلك يمكن القول إنها تمتد طولياً بحدود 24 كلم، ويراوح عرضها بين 13 و14 كلم. تقع المنطقة على منحدرات وتلال وبعض السهول والهضاب، وترتفع 1200 متر عن سطح البحر.

ولعل أبرز ما يدلل على استراتيجية المزارع هو العدد الكبير من المراصد العسكرية الاسرائيلية منذ عام 1967 حتى الآن، أبرزها مرصد الفوار الذي يعد من أضخم المراصد العسكرية بمنطقة الشرق الأوسط.

وتشرف المزارع على جبل عامل والجليل الأعلى والجزء الجنوبي من سلسلة جبال لبنان الغربية وهضبة الجولان وسهول البقاع وحوران والحولة.

ويمكن القول إنّ المزارع الـ14 هي «أمّات المزارع»، لكن العدد الحقيقي يصل الى أكثر من مائة، إذا تم احتساب المزارع الصغيرة. والمزارع المتعارف عليها هي: مُغُر شبعا – زبدين – قفوة – رمتا – برختا التحتا – برختا الفوقا – مراح الملوك – فشكول – خلة غزاله – رويسة القرن – جورة العقاب – الربقه – بيت البراق وضهر البيدر.

فمنذ عام 1967 بدأت الاعتداءات الاسرائيلية على المزارع وأهلها من أجل تهجيرهم، واستمرت سياسة القضم الاسرائيلية لأراضي المزارع عام 1989، حيث وضعت أسلاكاً شائكة حول المزارع وأقامت المراكز العسكرية في داخلها.

في أيار عام 2000 انسحبت اسرائيل بطريقة أحادية من جنوب لبنان وبلدة شبعا، وأبقت على احتلالها للمزارع.. وعقب الانسحاب رسم فريق أممي خط الانسحاب الذي سمّي بالخط الأزرق، وأعلن ان اسرائيل أتمّت انسحابها من كامل الأراضي اللبنانية وفقاً للقرار الدولي رقم 425.

في 22 أيار عام 2000 تلقت الأمم المتحدة خريطة مؤرخة عام 1966 من حكومة لبنان تعكس موقف الحكومة بأنّ هذه المزارع هي لبنانية… لكن الأمم المتحدة أفادت بأنّ هناك خرائط من سوريا، تضع المزارع داخل الجمهورية العربية السورية.

وكان القرار الأممي رقم 1860 الذي صدر في أيار عام 2006، شجّع في أحد بنوده الحكومة السورية على التجاوب مع مطلب الحكومة اللبنانية الداعي لترسيم الحدود المشتركة بين البلدين لا سيما في المناطق ذات الحدود المتنازع عليها… ولكن لا حياة لمن تنادي.

وفي تقرير لمجلس الأمن يوم 12 أيلول 2006 بشأن تطبيق القرار 1701، أكد الامين العام أن حلّ قضية مزارع شبعا يلزم التوصّل لاتفاق لبناني – سوري بشأن ترسيم الحدود الدولية بينهما.

وفي تقرير أممي آخر يوم 30 تشرين الأول 2007 ذكر الامين العام ان الخبير الخاص برسم الخرائط توصّل لنتيجة أولية تفيد «ان استعراض الأدلة الأخيرة وتحليلها يمكن أن يشكّل أساساً لوضع تحديد موقت للنطاق الجغرافي لنقطة مزارع شبعا».

باختصار، ادّعت اسرائيل أنّ قرار الامم المتحدة رقم 425 لا يشمل الانسحاب من مزارع شبعا التي هي ليست من الأراضي اللبنانية حسب ادعاءاته.. ورغم كل ذلك كله واعتراف فاروق الشرع النائب السابق للرئيس بشار الأسد في أيار 2000 بلبنانية مزارع شبعا، إلاّ أنّ سوريا رفضت الاعتراف خطياً بذلك من خلال إرسال رسالة للأمم المتحدة.. وهنا أيضاً… لا حياة لمن تنادي، وأذكّر هنا أنّ قصة مزارع شبعا تعود الى تاريخ إنشاء الكيان اللبناني… يومذاك أُلحقت المزارع بلبنان لكن سوريا دخلتها تدريجياً منذ عام 1958 بحجة ضبط عمليات التهريب.. وظلّت هناك عند دخول اسرائيل إليها… وظلّت محتلة ما بعد الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب اللبناني عام 2000 بذريعة أنّ المزارع تابعة للجولان وليس للبنان.

فلماذا لم تقدّم سوريا اعترافاً خطيّاً وترسّم الحدود مع لبنان لإثبات أنّ المزارع لبنانية؟

وتذكيراً بالعلاقات اللبنانية – السورية أقول: إنّ علاقة الرؤساء اللبنانيين بدمشق مرّت بمراحل متقلبة، وكان أكثر الرؤساء اللبنانيين وضوحاً في هذه العلاقة: بشارة الخوري وفؤاد شهاب. فقد خبر الشيخ بشارة تجربة متكافئة مع الرئيس شكري القوتلي عام 1948… كما ان الرئيس اللبناني فؤاد شهاب خبر هو الآخر تجربة مماثلة مع الرئيس جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية العربية المتحدة (يعني رئيس سوريا أيضاً) وقد اقتصر لقاء الرئيسين شهاب وعبدالناصر على قمة واحدة هي «اجتماع الخيمة» عند الحدود اللبنانية السورية في 25 آذار 1959.

هذا عن ترسيم الحدود البرية.. فماذا عن ترسيم الحدود البحرية؟

بحث الرئيس عون ورئيس النظام السوري بشار الأسد قبل أسبوع في اتصال هاتفي قضية ترسيم الحدود البحرية المشتركة بين بلديهما.

وكان قد ثار نزاع على الحدود البحرية المشتركة بين البلدين العام الماضي، بعدما منحت سوريا ترخيصاً لشركة روسية لبدء عمليات تنقيب بحري في منطقة يؤكد لبنان أنها تابعة له.. وذكر عون أنّ ترسيم الحدود سيكون بعد اتفاق لبنان على حدوده البحرية الجنوبية مع إسرائيل، عقب محادثات غير مباشرة بوساطة أميركية.

وكلّف عون نائب رئيس مجلس النواب بترؤس وفد يذهب (اليوم الأربعاء) الى دمشق، ويضم الوفد وزيري الخارجية والنقل اللبنانيين الى جانب المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم.

لكن الحكومة السورية ألغت الزيارة التي كانت مقرّرة «اليوم»، وبعثت الحكومة السورية برسالة الى وزارة الخارجية اللبنانية تقول إنّ الوقت غير مناسب لمثل هذه الزيارة، ولم تؤخذ كلمات سفير سوريا في لبنان علي عبد الكريم علي جدّياً حين أشار بعد زيارته عون الى أنّ مواعيد الوزراء السوريين كانت «مزدحمة» يوم الأربعاء، وأنّ الزيارة لم يتم إلغاؤها بل هي تأجلت الى موعد آخر.

كلام بكلام… فإنّ الترسيم البحري، كما الترسيم البرّي مع سوريا… سيظل كلاماً بكلام وهنا أقول:

من مزارع شبعا الى ترسيم الحدود البحرية السورية – اللبنانية مع أطيب التمنيات.

 

*المقالات والآراء التي تنشر تعبّر عن رأي كاتبها*

Exit mobile version