الهديل

خاص الهديل: ألم يحن الوقت كي تتحرك الجهات المعنية لدعم ميقاتي في معركته من أجل الطائف؟؟

خاص الهديل:

 

وحده جبران باسيل يستطيع تفسير “الكلام الانفعالي” – كما وصفه الرئيس نجيب ميقاتي بحق – الذي صدر عنه أمس، والذي اعتبر فيه أن محاولة تسليم صلاحيات رئيس الجمهورية المنتهية ولايته لحكومة تصريف الأعمال هي عملية سطو على الدستور وعلى الموقع الأول في الدولة، الخ..!!

كان يمكن للرئيس المكلف ولرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إهمال كلام باسيل، وعدم الرد عليه، واعتباره ببساطة “كلاماً باسيلياً” شبع اللبنانيون منه على مدار السنوات الست الماضية. ولكن دولة الرئيس ميقاتي رد من باب أنه لا يجب على موقع الرئاسة الثالثة إهمال صوت موجود في مجلس النواب، حتى لو كان صاحب هذا الصوت هو باسيل المثقل بالملاحظات عليه، والمثقل بالسوابق التي تبرر عدم الرد عليه.

..وبكل الأحوال فإن توقيت كلام باسيل؛ كعادته ينم عن إعطاء الأولوية في سلوكه السياسي “للكيدية” على حساب “ابداء المسؤولية الوطنية”.. ومرة أخرى أصاب بيان المكتب الاعلامي للرئيس ميقاتي حينما قال في رده على كلام باسيل، أنه كان يجدر به (أي بباسيل) في هذا الوقت الصعب (…) التعاون لانتخاب رئيس للجمهورية، “ليس إلا”… 

ويجب وضع خطين تحت عبارة “ليس إلا” التي ختم فيها المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة رده المقتضب على باسيل، ذلك أن هذه العبارة “ليس إلا” هي الرسالة الواضحة التي يتعين على صهر الرئيس المنتهية ولايته بعد أيام، أن يقف عندها ويتمعن بمعناها اللغوي والسياسي.

..وبكلام أوضح، فإن ميقاتي، ومن موقعه المسؤول والوطني في هذه المرحلة – أي مرحلة الخروج بالبلد من عهد الانهيار الى رحاب أفق جديد لا يزال طي التحديات الصعبة – يريد القول ان البلد يحتاج الى تحييد الطاقات السلبية والتي ثبت انها هدامة والتي يعتبر باسيل أحدها وأبرزها، وذلك عبر اعلام باسيل ونماذجه أن لديهم متسعاً واحداً “ليس إلا” كي يعملوا في فضائه، وهو التعاون في مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية. أما إذا أراد باسيل الخروج من نطاق حيثية “ليس إلا” المتاحة له والتي هي حيثية دستورية مجدية للبلد، والتظاهر بدل ذلك بأنه يتفوه بالحلول والعفة الدستورية؛ فان الجواب عليه هو “فات الوقت؛ حيث ان نتائج اعمالك الكارثية ظهرت.. وكان حرياً بك ان تقول نصائحك لنفسك ولعمك حينما كنت مؤتمناً على قيادة قطاعات مهمة في الدولة، وعلى مراحل دستورية هامة في البلد!.

والحق يقال ان باسيل لم يعد يشكل تهديداً لمهام المرحلة الصعبة المقبلة التي سينهض بها الرئيس ميقاتي وحكومته؛ بقدر ما هو يمثل صوت يدعو للشؤم..

 

 ولكن في جانب آخر وهام يحب التوقف عند حقيقة ان البلد – كما قال بيان المكتب الاعلامي لرئيس الحكومة – يمر في ظرف عصيب، والمطلوب التعاضد والتعاون لانتخاب رئيس جمهورية. ولكن ما يجب ان يقال أيضاً في هذه “اللحظة العصيبة” هو ثلاثة أمور غاية في الاهمية:

الأمر الأول على شكل سؤال كان يجب طرحه منذ فترة، وهو هل يجب اعتبار كلام باسيل مجرد نعيق يعبر عن محاولته شراء وقت لإطالة حياته السياسية بعد النهاية الكارثية لعهد عمه، أم أن كلامه يعبر عن مشروع سياسي موجود، وليس باسيل إلا جهة فيه. أو ربما واجهته. والمقصود بهذا المشروع هو استهداف الطائف من خلال ضرب موقع رئاسة الحكومة، وصلاحيات رئاسة الحكومة ومجلس الوزراء مجتمعاً.

وفي هذا المجال يجب العودة بالذاكرة الى ان انتقال صلاحيات من رئيس الجمهورية لمجلس الوزراء مجتمعاً، حسبما قرر الطائف، لم يكن الهدف منه السطو على موقع الرئاسة الأولى؛ بل كان الهدف منه تصحيح توزع الصلاحيات وفق دستور جديد ارتضى به ممثلو الشعب اللبناني الذين كانوا في مؤتمر الطائف. 

ويجب في هذا المجال أيضاً عدم إغفال انه في لحظات عقد مؤتمر الطائف، والعمل حينها على ولادة دستور الطائف، كان هناك فوق الساحة اللبنانية، انقلابيون يخططون لضرب هذا الدستور، ويحاولون قتله وهو في مهده. صحيح ان ثمة أطراف عادت وراجعت موقفها بإخلاص وارتضت بالطائف دستوراً، ولكن ثمة أطراف أخرى اضطرت للتراجع عن رفضها لدستور الطائف، وقررت بدل مواجهته بشكل علني، قتله بخنجر من الخلف، وتشويهه من داخله عبر تجويفه وتدميره بالممارسة السياسية.. والواقع ان تصريح جبران باسيل أمس ليس إلا أحد النماذج العملية على طريقة عمل هذه الأطراف التي تريد تدمير الطائف من داخله وعبر قتل قدرته على الحكم.

الأمر الثاني الذي يجب أن يعيه من يهمهم الأمر. يتمثل بأن استهداف ميقاتي في الفترات الماضية ربما في أحايين كثيرة كان أمراً مفهوماً، كون الرجل يعد احد أبرز الشخصيات السنية والوطنية التي تهتم بالشأن العام، وتتنافس داخل اللعبة الديمقراطية. ولكن ميقاتي خلال ترؤسه للحكومة الحالية سواء كانت بصيغة انها حكومة اصيلة أو بصيغة تصريف الاعمال، لم يعد استهدافه أمرا طبيعياً او مفهوماً، بل هو استهداف يريد اسقاط المعنى الوطني والرسمي والدستوري الذي يمثله ميقاتي داخل نظام الطائف. بمعنى آخر فإن صمود ميقاتي خلال رحلة تكليفه بتشكيل حكومته الحالية. لم يكن مجرد صمود لحساب رصيده السياسي الشخصي – بل هو ربما ضد رصيده الشخصي – بل كان صموداً بوجه مؤامرة تسفيه وتفشيل موقع الرئاسة الثالثة، وذلك توصلاً للإيحاء بأن الدينامية التي يعتمدها الطائف لتسيير أمور الحكم في البلد فاشلة، واستنزفت اهليتها للاستمرار… والواقع ان ميقاتي من خلال صموده في معركة التكليف ونجاحه بالتأليف، رغم نوايا العرقلة المقصودة بهدف النيل من أهلية الطائف، نجح في قطع الطريق على مؤامرة النهش في دستور الطائف وفي منظومة الصلاحيات كما يوزعها دستور الطائف.

..ثم نجح ميقاتي أيضاً في جعل حكومته تنجز الانتخابات النيابية وتكون عنوانا سياديا حيويا – رغم استمرار العراقيل – بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي، كما انه في عهد حكومة ميقاتي المعبرة عن آخر خط دفاع عن دستور الطائف، حصل اتفاق ترسيم الحدود الجنوبية البحرية، ودخول لبنان عهد الغاز. 

وحالياً يريد باسيل من كلامه أمس الايحاء بأن معركة ضرب ما يمثله ميقاتي من معنى عميق عن استمرار نظام الطائف، ستستمر حتى بعد نهاية العهد العوني؛ وذلك من خلال القول والزعيق بأن حكومة تصريف الأعمال ورئيس تصريف الأعمال لا يمكنهما ممارسة صلاحيات الرئاسة الأولى الشاغرة… 

الأمر الثالث المهم وهو استكمال للأمر الأول والثاني؛ مفاده انه طالما ان المعركة باتت مكشوفة وهي ضد الطائف، وانه طالما أن الرئيس ميقاتي نجح في التصدي وحيدا لثلاثة ارباع هذه المعركة عبر حمله بنجاح معنى الطائف في حكومته. فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا على القوى والجهات التي تعتبر أن التزامها بالدفاع عن الطائف، هو التزام أساسي وخط أحمر؛ هو الم يحن الوقت كي تنخرط أولاً في معركة منع الانقلابيين على الطائف من العودة إلى الساحة في مرحلة ما بعد نهاية العهد العوني، وأن تنخرط ثانياً في معركة ميقاتي وحكومته لابقاء البلد ونظام الطائف سالمين في هذه المرحلة الانتقالية الني وصفها ميقاتي بأنها ظرف عصيب.

فهل تفعلها هذه الجهات المعنية بالطائف، بعد طول تأخر؟؟

Exit mobile version