كتبت جويل الفغالي في “نداء الوطن”:
تنهار مؤسسات الدولة الواحدة تلو الأخرى، ومعها تنهار جميع قطاعاتها الإنتاجية والخدماتية. وبدلاً من تعزيز العلاقات مع أسواق التصريف الخارجية لحماية الصادرات، بوصفها بوابة أساسية لإدخال الدولار، جرى العكس تماماً. فالدولة الملهية بالمناكفات السياسية، وحماية المصالح الشخصية للمتنفّذين من الذين عاثوا في البلد خراباً وفساداً، لم تتخذ أي خطوة جدية لغاية اليوم لإعادة فتح الأسواق أمام المنتجين اللبنانيين. وذلك بعدما أقفلتها التصريحات السياسية غير المسؤولة والإستمرار في تهريب المخدرات بالشحنات الزراعية والتجارية.
منذ أكثر من سنة، منعت السعودية دخول الخضروات والفواكه اللبنانية إلى بلادها، أو العبور عبر أراضيها، بعد أن أعلنت المديرية العامة السعودية لمكافحة المخدرات “إحباط محاولة تهريب 2.4 مليون قرص إمفيتامين مخدر من لبنان مخبّأة داخل شحنة لفاكهة الرمان”. وكان قد جاء هذا القرار في وقت يمرّ به لبنان في ظروف اقتصادية ومالية صعبة. فترك تداعيات سلبية على المزارعين الذين يواجهون صعوبات مادية ولوجستية. ما أدّى الى تكديس الإنتاج الزراعي اللبناني. لا سيّما مع الكميات الكبيرة التي تستقبلها المملكة العربية السعودية من الخضار والفواكه اللبنانية. واعتبارها نقطة عبور أساسية إلى العديد من أسواق الدول الخليجية. ومنها أسواق دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان وإمارة قطر.
على الأثر، انعقد اجتماع في مقر غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان لاحتواء تداعيات التطوّرات على الصعيدين التجاري والإنتاجي. وقد بحث المجتمعون في إجراءين أساسيين لعودة التصدير وعدم تضرر المنتجين اللبنانيين:
– الأول تمحور حول الطلب من شركة، مراقبة الحاويات وختمها. الأمر الذي يعطي مصداقية دولية بأن هذه الشحنات خالية من أي ممنوعات.
– الثاني تركيب أجهزة السكانر المتطورة في مرافئ التصدير الأساسية ولا سيما في مرفأ بيروت والتي يمكن الإستعانة بها لإتمام عمليات المراقبة لرفع مستواها وتعزيز صدقيتها، عبر استخدام التكنولوجيا المتطورة لزيادة درجات الأمان في عمليات التصدير.
إلا أن هذه الإجراءات المهمة والفعّالة “لا تزال معلّقة من وقت إقرارها وإعطاء الموافقة الرسمية عليها”، بحسب رئيس تجمّع مزارعي البقاع ابراهيم الترشيشي. و”نتيجة لذلك خسر لبنان مئة مليون دولار نتيجة استمرار إغلاق أسواق المملكة العربية السعودية أمام منتجات لبنان. أما من الناحية الكمية فقد خسر لبنان أيضاً تصدير حوالى مئة ألف طن من منتجاته الزراعية على أنواعها، و صناعته الزراعية كالكبيس والزيت والزيتون والشوكولا الى أسواق السعودية. وانخفضت نسبة الصادرات الى حوالى الـ50 في المئة. وذلك بسبب مقاطعة المملكة العربية السعودية المنتجات اللبنانية. لا سيما أن المملكة العربية السعودية تأتي في المرتبة الأولى لاستيراد المواد الغذائية والزراعية اللبنانية”. ويعتبر الترشيشي أن “المزارع اللبناني مظلوم من كل هذه الاتهامات، وأن هوية الذين افتعلوا التهريب معروفة جيداً من قبل الجميع”. والى جانب إغلاق الاسواق السعودية أبوابها أمام كل المنتوجات الزراعية اللبنانية، عرقلت أيضاً دخولها الى الأراضي الأخرى عن طريقها، أي لم يعد بإمكان الشاحنة الوصول الى الكويت وعمان ودبي وقطر.
الأمور لا تقف عند هذا الحد فقد فرضت سوريا على كل الشاحنات المحمّلة بالمنتجات اللبنانية التي تمرّ عبرها ذهاباً وإياباً ضريبة عالية تصل إلى حوالى 5000 دولار أميركي. وهي تشكّل عبئاً على المزارع اللبناني، ما يؤدي الى تدني القدرة التنافسية لهذه المنتجات في الخارج، وخاصة لأن أجرة النقل من سوريا الى الدول العربية أقل كلفة من لبنان الى الدول العربية. كل هذه العراقيل تجعل القطاع الزراعي والمزارع اللبناني بحالة يُرثى لها”، بحسب الترشيشي.
والصناعة أيضاً!
لم يكن القطاع الزراعي الوحيد الذي تضرّر من إغلاق أسواق دول الخليج وخاصة السعودية، إنما القطاع الصناعي أيضاً. وبحسب عضو مجلس إدارة جمعية الصناعيين بول أبي نصر، “كان الطموح رفع الصادرات الصناعية الى السعودية إلى 500 مليون دولار في السنة الواحدة، للإستفادة من انخفاض الكلفة في لبنان وزيادة التصدير. ولكن إغلاق الأسواق السعودية أمام المصدر اللبناني أبقت قيمة الصادرات بحدود 250 مليون دولار، لا بل توقف التصدير بشكل كامل، وخسر لبنان حوالى الـ 10 بالمئة من التصدير الصناعي الى المملكة العربية السعودية. ورغم كل الاقتراحات التي اقترحناها لاسترجاع الأسواق السعودية، ومنها تعديل طرق التصدير والتدقيق بالمنتجات المصدّرة داخل المعامل قبل أن تتجه نحو المرفأ، وكذلك وضع أجهزة السكانر على المرفأ وغيرها، فلم نرَ لغاية اليوم أي رد من قبل المسؤولين، وما زالت كل عمليات التصدير الى السعودية ممنوعة”.
وقد شكل القرار السعودي صدمة بالداخل اللبناني، ترافق توقيته مع وصول الأزمة الاقتصادية والمالية والسياسية ذروتها. وها هي الدولة اللبنانية تضيّع الفرص أمام اللبنانيين، وتغضّ النظر عن كل الجهود التي قام بها المزارعون والمصنعون لتحسين منتجاتهم وتصديرها الى الخارج، لعل هذا الأمر ينعش الاقتصاد اللبناني ويخفف من حدّة انهيار العملة الوطنية.