الهديل

خاص الهديل : نموذج لبنان بعد اتفاق هوكشتاين: “سلطة أحزاب غنية” تتحكم “بدولة فاشلة”!!  

خاص الهديل:

كان يفترض؛ و لا يزال يفترض، أن يؤدي اتفاق هوكشتاين إلى فتح باب التسويات الخارجية والداخلية على مصراعيه مع لبنان وداخل لبنان .. لكن الغريب أن مناخ الاتفاق البحري والغاز بين لبنان وإسرائيل، لم يؤد إلى حدوث مناخ تسويات خارجية تجاه لبنان، أو مناخ تسويات داخلي في لبنان.

..وأكثر من ذلك، يلاحظ أن تسوية هوكشتاين في البحر بين لبنان وإسرائيل، فتحت الباب أمام حدوث تسويات في بلد آخر غير لبنان، وبخصوص ملفات أخرى ليست لبنانية.. ولذلك شاعت مقولة تفيد أن اتفاق هوكشتاين ينحصر في لبنان ضمن نطاق البحر وما تحته، ولن تصل أصداؤه العملية إلى اليابسة وما فوقها.

والواقع أن هناك أمران إثنان ملتبسان في اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، ويحتاجان إلى توضيح وتصويب:

الأمر الأول هو عن الطبيعة السياسية لهذا الاتفاق؛ بمعنى ضمن أية أجندة سياسية دولية وإقليمية حصل؟؟ وما هو المناخ السياسي الدولي والاقليمي الذي يعبر عنه؟؟

ليس مقنعاً القول أن اتفاق هوكشتاين هو حالة معزولة عن أحداث المنطقة ومجرياتها السياسية، فلا لبنان جزيرة منعزلة عن العالم، ولا إسرائيل كوكباً ليس له مدار سياسي عالمي واقليمي؛ وعليه؛ فإنه من المهم السؤال عن المناخ السياسي الذي جرى في إطاره هذا الاتفاق (؟؟): فهل هو نوع من “اتفاقات ابراهام” التي بدأت على عهد ترامب وصهره كوشنير ؟؟.. بمعنى أن اتفاق هوكشتاين يكمل استراتيجياً هذا المشروع الهادف لجعل إسرائيل دولة طبيعية في المنطقة(؟؟).. أم هل هو اتفاق شكل – بالاضافة للهدف الاستراتيجي المذكور – فرصة لبايدن كي يضع بصمته على السجل الذهبي الأميركي-الإسرائيلي الخاص بجهد واشنطن لتطبيع وجود إسرائيل على مراحل  في الشرق الأوسط، وبذلك لا يعود ترامب الجمهوري البطل الوحيد في أميركا الصانع لهذه الاتفاقات التي يحتاجها مستقبل إسرائيل الساعية كي تصبح دولة طبيعية في المنطقة، تعترف الدول المجاورة لها بثرواتها في البحر وبحدودها في البر، وبأنها جزء من نظام حياة المنطقة اليومي، ومن اقتصاده المشترك وثرواته المتداخلة.

ويمكن تلمس مدى اهتمام بايدن بالإفادة شخصياً من هذا الاتفاق، من خلال واقعة اتصاله بالرئيس عون.. فهذا الاتصال الهاتفي بين البيت الأبيض وقصر بعبدا، يشبه طائرة أميركية ضخمة اخترقت بقوة فائقة جدار الصوت فوق مناخ لبنان السياسي الدولي!!.. وكان واضحاً أنه لولا اتفاق هوكشتاين، ورغبة بايدن بالقول للإسرائيليين وللناخبين الأميركيين ولروسيا ولأوروبا الخائفة من البرد، أنه هو صانع هذا الاتفاق وانه هو حاضن هذا الإنجاز، لما كان يمكن توقع أن يرن هاتف قصر بعبدا، وأن يسمع عون على الطرف الآخر من الخط صوت رئيس الولايات المتحدة الأميركية التي فرضت قبل فترة قصيرة عقوبات على صهره. 

..وبالعودة للبحث عن السياق السياسي الدولي والاقليمي الذي جرى ضمنه اتفاق هوكشتاين، يجدر السؤال عما إذا كان هذا الاتفاق يمثل هدية انتصار لبايدن جاءت في توقيت الانتخابات الاميركية النصفية، وفي توقيت سعيه لمحاصرة الغاز الروسي في اوروبا(؟؟)

لا يمكن إيجاد تفسير سياسي لاتفاق هوكشتاين، خارج هذه العناوين المدرجه أعلاه، لأنه ببساطة لا يمكن القول ان هذا الاتفاق لن يكون له مسار تفاعلي بين الأطراف التي وقعت عليه، أو القول أن هذا الاتفاق وُلد على سرير تم اسقاطه على الناقورة من السماء، ومن مجرد أحداث هامشية سبقته وقادت اليه!!. 

الأمر الثاني الغريب في اتفاق هوكشتاين يمكن تفهمه من خلال العودة لحقيقة أنه تاريخياً كان مجرد القيام بتسوية مع إسرائيل بغض النظر عن ماهيتها، تعتبر أصعب عمل يمكن لعربي أن يفعله، سواء كان هذا العربي محسوباً على الممانعة أو على الخط المعتدل، الخ…

..وعليه يبدو مستغرباً أن ينجح لبنان، أو بالأحرى أن تنجح القوى المتحكمة بالسلطة في لبنان، في تجاوز كل تعقيداتها الداخلية التي بالعادة تمنعها من الاتفاق على توظيف موظفي الأحراش، وتستطيع بسهولة، وبغضون أسابيع قليلة، إظهار حالة استثنائية من التوافق الداخلي و”وحدة الحكم” والوحدة الوطنية، وذلك حيال عنوان يتعلق بإبرام تسوية واتفاق مع إسرائيل!!..

..وهنا يمكن القول أن اتفاق هوكشتاين أوضح أمرين اثنين هامين: الأول أن كل التعقيدات الداخلية يصبح ملمسها ناعماً، حينما يكون الموضوع المطروح على رقعة شطرنج الخلافات الداخلية اللبنانية، هو تنفيذ الرغبة الاميركية، وخاصة إذا كانت هذه الرغبة الأميركية تتعلق بمصالح أميركا وبأمن ومصالح إسرائيل.

والأمر الثاني يستند إلى الأمر الأول الذي يفسر لماذا لا يتوافق الداخل اللبناني على أصغر الأمور الداخلية، بينما يتوافق صاغراً على الملف المفترض أنه الأصعب، وعلى الملف الموجود داخل منطقة الخطوط الحمر، أي ملف التوصل لاتفاق مع إسرائيل بغض النظر عن موضوعه..

إن ما تقدم يوضح أن القوى اللبنانية الداخلية لا تستطيع ابرام تسويات داخلية لأنها من ناحية إستنزفت كل رصيد الثقة فيما بينها، وأيضاً فيما بينها وبين الرأي العام الوطني، وليس الرأي العام الإنتخابي الممكن تخديره بقانون انتخابي مدروس، أو بِرشاوي موسمية انتخابية، ومن ناحية ثانية أصبحت هذه القوى السياسية رهينة الفساد الذي لا يسمح لها بالعودة إلى الوراء في مجال نهب الدولة.

إن واقع الحال الذي لا يمكن إنكاره يفيد بأن اتفاق هوكشتاين منح أحزاب وشخصيات السلطة المتهمة بالفساد، حبل نجاة للخروج من عزلتها الدولية. وأيضاً للهروب من الإصلاحات التي يطلبها صندوق النقد الدولي كشرط للبدء بتقديم دوائه للأزمة الاقتصادية اللبنانية..

..فمع اتفاق هوكشتاين باتت تشعر أحزاب السلطة الآن أنها خرجت أقله من العزلة الدولية وليس بالضرورة من دائرة الحصار الدولي، لأنها دفعت لبايدن الثمن الذي يريده، وباتت تستطيع التلطي وراء أرقام مليارات الدولار المدفونة أسفل مياه لبنان على شكل غاز غير أكيد، لتشعر أنها بات يمكنها التحرر من شروط صندوق النقد الدولي الإصلاحية فهذه القوى ستماطل بعد اتفاق هوكشتاين، أكثر بالتفاوض مع الصندوق بغية تفشيل التوصل لاتفاق معه، وستتعايش مع “نموذج” أنها “سلطة غنية جراء ما لديها تحت الأرض من غاز، تحكم دولة فاشلة”!!

Exit mobile version