الهديل

عون خارج القصر..المسيح قام، حقاً قام

كتب ساطع نور الدين في المدن:

نُقل عن الرئيس السابق ميشال عون، قوله مرة، رداً على سؤال عما سيتركه خلفه لتياره السياسي: “المسيح بنى كنيسة وها هي مستمرة من بعده”.

وحسب الراوي الموثوق، لم يكن عون يقرب من إدعاء النبوة ولا كان يقصد التمثل بالمسيح، لكنه كان يؤشر الى ثقته المطلقة بأن التيار ، الذي لم يتحول الى حزب ولا الى حركة، باقٍ من بعده، وسيكمل المسيرة، بقيادته الحالية، المعقودة لصهره ووريثه الشرعي جبران باسيل، الذي يؤمن إيماناً جازماً، بأنه سيكون خليفة الرئيس السابق، إن لم يكن في الدورة الحالية ففي إحدى الدورات الانتخابية المقبلة. وهو إيمان يختلف عما يجول في عقل كل ماروني يشتغل في السياسة!

عندما خرج عون من القصر الجمهوري بالأمس، تحدث عن مرحلة انتقالية، عن ما يشبه “قيامة مسيحية”. أوحى بأنه لم يمت في السياسة، ولم ينته من المناورة.  كان حريصاً على ألا يخلف وراءه سوى الفراغ المطلق في المكان “المقدس”، أو على الأقل أن يلمح الى أنه سيظل يحتفظ بمفاتيح بوابات المقر الرئاسي في جيبه، ولن يسلمها إلا الى من يثبت إيمانه، بالعقيدة  العونية المنزلة من السماء، والتي لا تزال عالقة في السماء.

لم ولن يسمح عون لمسلم بأن يتسلم المفاتيح، حتى ولو اقتضى الأمر توجيه رسالة رسمية الى مجلس النواب، أثارت الاستغراب لكونها بلا أي اساس دستوري او قانوني او سياسي. لا شيء سوى أنها تعبر عن إرادة “مسيحية”، بأن القصر كان وسيبقى حكراً على الرسالة العونية السماوية.. حتى ولو ثبت، وبإعتراف الرئيس السابق أنها باتت محدودة الصلاحيات، وفق اتفاق وقف الحرب الاهلية، الذي لم يحتمله عون يوماً، برغم أنه دخل الى الرئاسة تحت رايته.

بلا شك، قدم الرئيس في حفل الوداع وخطابه وصوره، دليلا على صلابة استثنائية، فولاذية، لرجلٍ هرمٍ، لم يكن متمكناً من السير الواثق، ومن حفظ نطق الجمل والكلمات القليلة، التي أرفقها بدمعة صادقة، فرّت من عينيه، وكادت تسقط على خدّيه..عندما كان يعلن ان المعركة ما زالت مستمرة، مع حاكم مصرف لبنان ومع احد القضاة، ومع أحد رموز الطبقة السياسية، التي كان عون وسيظل من صلبها، على الرغم من أنها نبذته وحاربته وطردته من جنة السلطة، على هذا النحو المهين، بإعترافه هو، حسب عبارته الخالدة عن “الدولة المهترئة” التي أورثها الى من بعده.

هل يكفي عون فخراً أنه أصبح رئيساً سابقاً، وهو الذي ظل يلوح طوال الاشهر الماضية، أنه لا يثق بتلك الطبقة، التي يعرفها وينتمي اليها، وإن كان وسيبقى أقل رموزها فساداً، وظل يلمح الى أنه لن يغادر قصر بعبداً، إلا بعد ان يشهد انتخاب رئيس يستحق بركته ومفاتيحه وإرثه. بالتأكيد، لا بد من الاعتراف ان مغادرته القصر، قبل يوم من انتهاء ولايته، وحسب عرف ساد مع عدد من الرؤساء السابقين، هي خطوة تسجل لعون وتضاف الى رصيده المتواضع، بل تتوج هذا الرصيد. بدليل ما كان يمكن ان يحصل في البلد من اضطراب وخراب، لو رفض الخروج، واعتصم العونيون في محيط القصر، واستنفرت الطوائف والمذاهب والاحزاب والتيارات.. وأعلن الجيش حالة الطوارىء، والتخطيط لعملية عسكرية لتحرير المقر الرئاسي من مغتصبه، في سيناريو مشابه لما جرى قبل نحو ثلاثين عاماً.

يُشكر عون فعلا على هذا الموقف الجريء، المتعارض أصلاً مع تاريخه الشخصي، والمعبر عن الاقرار بالهزيمة، التي سعى الى تمويهها بنقل المعركة الى مستويات أدنى وأبعد عن الرئاسة الاولى، التي يجوز لصهره ان يترشح لها، حتى ولو “كان من بعدي الطوفان”.

المسيح قام ، حقاً قام. أما “الكنيسة” العونية، فهذا شأن آخر، خارج المعتقد المسيحي.

Exit mobile version