قد يكون احتمال الحرب النووية في كوريا أكبر من أي وقت مضى، بعد تبادل شطري الجزيرة التراشق بالصواريخ، فيما دوت صفارات الإنذار بكوريا الجنوبية بشكل خلق أجواء حرب حقيقية، وسط مخاوف من تصاعد الأوضاع، إثر تهديدات نووية من بيونغ يانغ لكوريا الجنوبية وأمريكا على السواء.
وسجلت شبه الجزيرة الكورية تراشقاً للصواريخ بطريقة غير مسبوقة بين البلدين منذ نهاية الحرب الكورية.
إذ أطلقت كوريا الجنوبية نحو 23 صاروخاً صوب كوريا الشمالية، في أكبر عدد من الصواريخ تطلقه بيونغ يانغ في يوم واحد.
وبدأت الأحداث بإطلاق كوريا وابلاً من الصواريخ يقدر بنحو 17 صاروخاً من بينها صاروخ كوري شمالي واحد عبر الحدود البحرية، وهو أول صاروخ يسقط منذ نهاية الحرب الكورية 1950-1953 جنوب خط الحدود بين الكوريتين بالقرب من المياه الإقليمية لكوريا الجنوبية، حسبما قال مسؤولون كوريون جنوبيون.
كما سقط صاروخ على بعد أقل من 60 كيلومتراً من مدينة سوكشو بكوريا الجنوبية.
وردت سيول بإطلاق طائراتها الحربية ثلاثة صواريخ جو – أرض فوق خط ترسيم الحدود البحري المتنازع عليه، حسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية “BBC”.
وفي وقت لاحق أطلقت بيونغ يانغ ستة صواريخ أخرى وابل من 100 قذيفة مدفعية.
لماذا غضبت كوريا الشمالية من المناورات الأمريكية لهذا الحد؟
جاء الهجوم الغاضب من كوريا الشمالية رداً على استئناف التدريبات العسكرية واسعة النطاق من قبل القوات العسكرية الكورية الجنوبية والأمريكية التي أوقفها الرئيس السابق دونالد ترامب قبل خمس سنوات في محاولة لإقناع كيم جونغ أون رئيس كوريا الشمالية بالتخلي عن برنامجه للأسلحة النووية، حسبما ورد في تقرير لموقع Washington Examiner.
وهددت كوريا الشمالية كلاً من كوريا الجنوبية والولايات المتحدة بدفع أفظع ثمن في التاريخ، فيما فهم منه أنه تلويح باستخدام الأسلحة النووية ضد التدريبات المشتركة بين سيول وواشنطن، اعتبرتها كوريا الشمالية تدريباً على غزوها.
وشارك في هذه التدريبات غير المسبوقة ما يقرب من 240 طائرة وآلاف من أفراد الخدمة من القوات الجوية لجمهورية كوريا، والقوات الجوية الأمريكية، ومشاة البحرية الأمريكية، والبحرية الأمريكية، والجيش الأمريكي وتضمنت التدريب على عمليات الدعم الجوي القريب، والدفاع الجوي المضاد، وعمليات الطوارئ الجوية.
كما تضمن التدريب الأمريكي الكوري الجنوبي 1600 طلعة جوية، وهو أكبر عدد على الإطلاق لهذا الحدث السنوي.
وقبل ذلك، تصاعدت التوترات في شبه الجزيرة الكورية مع تجربة بيونغ يانغ لصواريخ ذات قدرات نووية، إضافة لتبنيها قانوناً جديداً يتيح الاستخدام الوقائي للأسلحة النووية في عدد كبير من الحالات، وسط تقارير عن استعدادها لتجربة نووية.
وأكد البيت الأبيض أن الولايات المتحدة ليس لديها نية عدائية تجاه كوريا الشمالية ولكن تعهد بالعمل مع الحلفاء لكبح طموحات كوريا الشمالية النووية.
صافرات الإنذار تدوي في كوريا الجنوبية
ودقت صافرات الإنذار في جزيرة كورية جنوبية وتم إجلاء السكان هناك إلى ملاجئ تحت الأرض بعد أن أطلقت كوريا الشمالية صواريخها؛ حيث هبط أحدها على الأقل في اتجاه الجزيرة بالقرب من الحدود البحرية المتوترة للمنافسين.
وقال وزير الدفاع الياباني للصحفيين إن صاروخين باليستيين على الأقل أطلقتهما كوريا الشمالية يظهران مساراً “غير منتظم” محتمل، ويشير هذا إلى أن الصاروخين من ضمن صواريخ كوريا الشمالية ذات القدرة العالية على المناورة وحمل رؤوس النووية، والتي تم تصميمها على غرار صاروخ إسكندر الروسي.
وتمتلك كوريا الشمالية حوالي 20 سلاحاً نووياً، وطورت صواريخ عابرة للقارات قادرة على حمل أسلحة نووية قادرة على الوصول لأمريكا، بما في ذلك صواريخ فرط صوتية، إضافة لامتلاكها واحداً من أكبر الجيوش البرية في العالم.
وجاء وابل الاختبارات الصاروخية في كوريا الشمالية في الوقت الذي تركز فيه اهتمام العالم على كوريا الجنوبية بعد مأساة عيد الهالوين في عطلة نهاية الأسبوع والتي شهدت مقتل أكثر من 150 شخصاً في حشد كبير في سيول، فيما كان أكبر كارثة تشهدها البلاد منذ سنوات، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
وقال جيش كوريا الجنوبية إن الصواريخ التي أطلقتها بيونغ يانغ كلها صواريخ باليستية قصيرة المدى أو صواريخ أرض جو مشتبه بها.
وصُممت أسلحة كوريا الشمالية قصيرة المدى التي استخدمت لضرب المنشآت الرئيسية في كوريا الجنوبية، بما في ذلك القواعد العسكرية الأمريكية هناك.
كما أطلقت كوريا الشمالية اليوم الأربعاء حوالي 100 قذيفة مدفعية على المنطقة البحرية العازلة الشرقية التي أنشأتها الكوريتان في عام 2018 للحد من التوترات، وفقاً للجيش الكوري الجنوبي.
كان أحد الصواريخ الباليستية يطير باتجاه جزيرة أولونغ في كوريا الجنوبية قبل أن يهبط في النهاية على بعد 167 كيلومتراً شمال غرب الجزيرة.
ونشرت وسائل إعلام كورية جنوبية صوراً تظهر سكان الجزيرة ينتقلون إلى ملاجئ تحت الأرض.
وقال جيش كوريا الجنوبية إنه رفع حالة التأهب من الغارة الجوية على الجزيرة، فيما قالت وزارة النقل في كوريا الجنوبية إنها أغلقت بعض الممرات الجوية فوق المياه الشرقية للبلاد حتى صباح الخميس في أعقاب عمليات الإطلاق الكورية الشمالية.
وسقط صاروخ آخر على بعد 26 كيلومتراً من الحدود البحرية المتلامسة للبلدين؛ حيث هبط في المياه الدولية ولكن في أقصى الجنوب من حدود البلدين، قبالة الساحل الشرقي لكوريا الجنوبية.
وقالت هيئة الأركان المشتركة لكوريا الجنوبية في بيان: “هذا أمر غير مسبوق للغاية ولن نتسامح معه أبداً”.
في عام 2010، قصفت كوريا الشمالية جزيرة في خط المواجهة في كوريا الجنوبية قبالة الساحل الغربي لشبه الجزيرة؛ ما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص. لكن الأسلحة المستخدمة كانت صواريخ مدفعية وليست صواريخ باليستية؛ حيث يحظر العديد من قرارات مجلس الأمن الدولي إطلاقها أو تجربتها.
كوريا الجنوبية ترد بنفس الطريقة
في وقت لاحق من يوم الأربعاء، أطلقت طائرات مقاتلة كورية جنوبية ثلاثة صواريخ جو – أرض دقيقة التوجيه بالقرب من الحدود البحرية الشرقية لإظهار عزمها على اتخاذ إجراءات صارمة بشأن ما تصفه بأنه استفزازات من قبل كوريا الشمالية.
وقال جيش كوريا الجنوبية إن الصواريخ التي أطلقها سقطت في المياه الدولية على نفس المسافة البالغة 26 كيلومتراً (16 ميلاً) شمال الحدود البحرية عندما سقط الصاروخ الكوري الشمالي في وقت سابق الأربعاء.
وقال ليف إيريك إيسلي، الأستاذ في جامعة إيها في سيول: “يبدو أن إطلاق كوريا الشمالية صواريخها بهذه الطريقة التي اضطرت سيول لإطلاق صافرات الإنذار يهدف إلى تهديد الكوريين الجنوبيين ودفعهم للضغط على حكومتهم لتغيير سياستها الحالية التي تعتبرها بيونغ يانغ عدوانية”.
وأضاف قائلاً: “توسيع قدرات واختبارات كوريا الشمالية العسكرية أمر مقلق، لكن تقديم تنازلات بشأن تعاون التحالف أو الاعتراف النووي بكوريا الشمالية سيجعل الأمور أسوأ”.
في اجتماع طارئ مع كبار المسؤولين الأمنيين، أمر الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول المسؤولين باتخاذ خطوات سريعة لم يعلن عنها لجعل كوريا الشمالية تواجه عواقب استفزازها. وقال إنه سيعتبر هبوط الصاروخ الكوري الشمالي بالقرب من الحدود “انتهاكًا فعلياً لمياه بلاده الإقليمية”.
وأعرب المسؤولون الجنوبيون أيضاً عن أسفهم لأن إطلاق الصواريخ الكورية الشمالية جاء في الوقت الذي تعيش فيه كوريا الجنوبية في فترة حداد على الحشد. وأشاروا إلى أن هذا “يظهر بوضوح طبيعة حكومة كوريا الشمالية”، وفقاً للمكتب الرئاسي في كوريا الجنوبية.
خطر الحرب النووية في كوريا آخذ في التزايد
في بيان صدر في وقت مبكر من يوم الأربعاء، وصف باك جونغ تشون، سكرتير حزب العمال الحاكم، والذي يعتبر من المقربين من الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، ما يسمى بالتدريبات الجوية الأمريكية الكورية الجنوبية التي يطلق عليها عاصفة اليقظة بأنها “عدوانية واستفزازية”.
وقال باك: “إذا حاولت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية استخدام القوات المسلحة ضد كوريا الشمالية، فإن الوسائل الخاصة للقوات المسلحة لبلاده ستنفذ مهمتها الاستراتيجية دون تأخير”، في إشارة واضحة إلى أسلحة بلاده النووية.
وقال: “سيتعين على الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وضع مروع ودفع أبشع ثمن في التاريخ”.
ويبدو أن خطر الاشتباكات المسلحة بين الكوريتين آخذ في الازدياد، حسبما نقلت صحيفة The Washington Post عن المحلل تشيونغ سيونغ تشانغ في معهد سيجونغ الخاص في كوريا الجنوبية.
فمع تصاعد حدة مواقف كوريا الشمالية وانتقاداتها لواشنطن وسيول، تتزايد المخاوف من أن كل هذا تمهيد لأن تجري بيونغ يانغ قريباً تجربة نووية، والتي ستكون الأولى منذ خمس سنوات؛ مما يزيد بشكل كبير من المخاطر في التوتر طويل الأمد بين البلدين.
في الأسبوع الماضي في نيويورك، قال رافائيل جروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، للصحفيين في الأمم المتحدة: “نأمل ألا يحدث ذلك، لكن المؤشرات للأسف تسير في اتجاه آخر.
وأضاف غروسي: تجربة نووية أخرى ستكون تأكيداً آخر لبرنامج يتحرك بكامل قوته إلى الأمام، بطريقة مثيرة للقلق بشكل لا يصدق”. “مزيد من الاختبارات، بالطبع، تعني أنهم يقومون بصقل الاستعدادات وبناء ترسانتهم النووية”.
قد يكون هدف كوريا الشمالية الرد على استئناف أمريكا لتدريباتها مع الشطر الجنوبي، وخلق أجواء تصعيد لردع الولايات المتحدة عن الرد إذا أجريت تجربة نووية، بحيث تتخلى واشنطن عن تنفيذ مزيد من التصعيد.
ولكن هذا التصعيد المتبادل الذي يبدو محسوباً حتى الآن قد يخرج عن السيطرة، بعد أن تحول لتراشق بالصواريخ، حيث إن إصرار كل طرف على الرد، وإبراز صلابته، قد يخرج عن السيطرة.
ويمكن لخطأ في الحسابات أن يدفع أي طرف لمحاولة استباق هجوم من الآخر يظنه محتملاً، بشن هجوم استباقي واسع النطاق، بما فيه هجوم نووي.
وقد تؤدي حرب برية محدودة تتعرض فيها بيونغ يانغ لهزيمة محرجة إلى دفعها للتصعيد، يؤدي تزايد خطر الحرب النووية في كوريا.
وقال المحلل الكوري الجنوبي المحلل تشيونغ سيونغ تشانغ إن سيول بحاجة إلى اتخاذ “ردود متناسبة” على استفزازات كوريا الشمالية، وليس “ردود فعل ساحقة” لمنع التوترات من الخروج عن نطاق السيطرة وربما دفع كوريا الشمالية إلى استخدام أسلحتها النووية التكتيكية.
ولا يزال بعض الخبراء يشككون في أن كوريا الشمالية ستستخدم الأسلحة النووية أولاً في مواجهة القوات الأمريكية والكورية الجنوبية.
وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض أدريان واتسون، في وقت متأخر من يوم الثلاثاء: “لقد أوضحنا أنه ليس لدينا نية عدائية تجاه (كوريا الشمالية) وندعوها إلى الانخراط في دبلوماسية جادة ومستمرة، ولا نعتبر التدريبات الأمريكية الكورية الجنوبية تمثل أي نوع من الاستفزاز”.
وسبق أن كشفت دراسة أن صراعاً نووياً يشمل أقل من 3٪ من مخزونات العالم من الرؤوس النووية يمكن أن يقتل ثلث سكان العالم في غضون عامين، وفقاً للدراسة الدولية التي قادها علماء في جامعة روتجرز، ونشرت في مجلة Nature Food، فيما سيؤدي نزاع نووي أكبر بين روسيا والولايات المتحدة إلى قتل ثلاثة أرباع سكان العالم في نفس الإطار الزمني.