كتب القاضي م جمال الحلو:
يُحكى في الزمن المعاصر (حيث عقم الحال)، وفي دولة “وادي الغربال” أنّ جريمتين تزامنتا واختلفتا في المكان، إلّا أنّهما اجتمعتا تحت عنوان واحد وهو “السّرقة”.
الجريمة الأولى: بطلها موظّف بنك ويُدعى “بهرجان” قام بسرقة ثلاثة ملايين دولار من داخل “مصرف الرّاحة والأمان” الذي يعمل فيه.
أمّا الجريمة الثانية فبطلها صاحب “طنبر” لنقل خرضوات (يجرّه بغل)، ويُدعى “طرمان” حيث قام بسرقة كيس من الشّعير من إحدى الحانات لإطعام بغله.
تمّ الاتّصال بممثّل النيابة الذي أشار بتوقيف الاثنين وإحالتهما إلى قاضي التحقيق الذي أوقفهما. وبعد القيام بكلّ الإجراءات وفقًا للأصول المعتمدة جرى إحالة القضيّتين على المحاكمة أمام محكمة الجنايات وفق مضبطة الاتّهام وادّعاء النيابة العامّة حيث تمّ سوق المتّهمَين للمحاكمة بموعد واحد.
جرت المحاكمة وتمّ الاستجواب وسماع الشّهود وسماع مطالعة النيابة العامة ومرافعات وكيلي الادّعاء ومحامي الدّفاع والكلام الأخير للمتّهمَين، وأُرجئت للحكم بعد أسبوع.
وفي جلسة النطق بالحكم وبعد المداولة والمذاكرة صدر الحكم بالإجماع: إعلان براءة المتّهم “بهرجان” لعدم كفاية الدليل.
أمّا المتّهم “طرمان” فقد جرى تجريمه والحكم عليه بالسّجن لمدّة ثلاث سنوات مع الشّغل والنّفاذ.
وباستغرابٍ ساد على وجه المحكوم طرمان سأل وكيله: كيف أُحكم أنا بثلاث سنوات سجن وقد سرقت كيس شعير؟! أمّا الآخر فقد سرق الملايين وجرت تبرئته؟!
يا للعجب العجاب!
وهنا أجابه محاميه بنبرة حزن دفينة في كوامن النفس قائلًا: إنّ قضاة دولة “وادي الغربال” لا يأكلون شعير البغال!