الهديل

بري سيعود إلى الحوار مجدداً… حين تحين الظروف

كتبت راكيل عتيّق في “نداء الوطن”:

لم تكن دعوة الرئيس نبيه بري الى حوار بين الكتل النيابية للوصول الى رئيس توافقي، خطوة «ارتجالية» أو من باب «رمي حجر» في المستنقع الرئاسي. فرئيس مجلس النواب لا يخطو «دعسة ناقصة» خصوصاً في استحقاق دستوري أساسي كانتخاب رئيس للجمهورية، بل يستمزج الآراء ويسأل كثيراً «هون وأبعد من هون»، قبل إقدامه على خطوة كهذه، بحسب مصادر مطّلعة على تحرُّكه. وبالتالي، أتت دعوة بري الى الحوار، قبل أن يعتذر عن السير بها نتيجة اعتراض كتلتي «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر»، بـ»مباركة» خارجية، فكلّ العواصم المؤثرة في لبنان، تدفع الى إنجاز الاستحقاق الرئاسي، والأوروبيون يهدّدون بعقوبات على معرقلي انتخاب رئيس للجمهورية.

لذلك إنّ دعوة بري الى الحوار على المستوى الرئاسي ليست لمجرد «الحوار للحوار»، بل لأنّه مقتنع بأنّ الحوار هو الطريق الصحيح الذي يوصل الى انتخاب رئيس، فما يحصل الآن، من جلسات انتخاب صوريّة وبلا تفاهم، لا يأتي برئيس، بحسب المصادر نفسها. فعملياً، تعلم الكتل النيابية الكبيرة ما الذي تريده رئاسياً، لكن أيّاً منها غير قادرة بمفردها أو بالاتفاق مع كتلة أخرى على أن توصل مرشحها. لذلك يجب الاتفاق على مخرج وإيجاد حلّ، وهذا الحلّ لا يعني الإجماع على مرشح، بحسب هذه المصادر، بل الاتفاق على طريقة الذهاب الى الانتخاب، خصوصاً أنّ الوجوه الرئاسية الحقيقية لم تظهر بعد.

وفي الحوار يجري تظهير المرشحين الفعليين، من خلال الاتفاق على المبادئ والمواصفات التي يجب أن يتمتّع بها الرئيس المقبل، والتي تكون «جامعة» أو متفقاً عليها بين الجميع، بحيث لا يكون رئيس تحدٍّ، ويعترف بـ»اتفاق الطائف» ويتمسّك بالدستور وبعلاقات لبنان التاريخية مع الدول العربية والغربية… لذلك، يدعو بري الى التفاهم حتى على الخلاف، والاتفاق على المبادئ الرئاسية وتظهير المرشح الحقيقي لكلاً من الأفرقاء والذي يحمل هذه المبادئ. وبعد الاتفاق على المبادئ والمواصفات الرئاسية، يدعو رئيس المجلس الى جلسة انتخاب و»ساعتها ليربح من يربح»، فلا يُنتخب الرئيس «على زعَل».

وتلخّص المصادر نفسها قصد بري من الحوار، بأنّه يقول: «لندخل في الجدّ». وفي حين أنّه لن يدعو الى حوار بلا مشاركة أكبر كتلتين مسيحيتين إنطلاقاً من أنّه لا يستثني أحداً وهو «أبو الحوار» في البلد، إلّا أنّه استناداً الى هدف الحوار المدعوم من الخارج ومن مرجعيات معنية في الداخل، لن يرمي هذه الورقة، وعندما يجد أنّ الأجواء مناسبة سيدعو الى الحوار مجدداً. وفي الغضون، لن يغلق أبوابه، وسيطبّق الدستور، لكنه لن يدع المسرحية الرئاسية تستمرّ من دون نتيجة، بل سيواصل عمله التشاوري – التوافقي بمعزل عن صيغته، بالتوازي مع الضغط الدولي لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، فالأوروبي والأميركي وكلّ الدول العربية يدعون الى انتخاب رئيس، بحسب المصادر المطّلعة، ويتدخلون ويسألون عن أسباب التأخير، كذلك يهدّد الأوروبيون بعقوبات.

لذلك يتحرّك بري رئاسياً إنطلاقاً من أنّ هذا الاستحقاق «ليس متروكاً لقدرنا». وتعتبر المصادر نفسها أنّ الأفرقاء الذين يعارضون الحوار، «سيأتون عاجلاً أم آجلاً». وتشدّد على أنّ بري «العين الساهرة التي لا تنام»، معتبرةً أنّ النائب ميشال معوض ليس المرشح الفعلي لمن ينتخبونه وأنّ فريق الثامن من آذار لم يتوصّل الى مرشح بعد ويعطّل نصاب الجلسات، وهذه عملية قانونية، إذ إنّ أي فريق قد يستخدم المقاطعة أو التعطيل، ففي الجلسات التشريعية ينسحب نواب اعتراضاً على اقتراح أو مشروع قانون، وبالتالي لا يُمكن إجبار أحد على المشاركة. ولوقف هذا المسار رئاسياً، لا حلّ إلّا بالحوار.

أمّا طرح «القوات» رداً على دعوة بري الى الحوار، والذي يقضي بأن يدعو بري الى جلسة مفتوحة لانتخاب رئيس ويُمكن التشاور خلالها، فغير قابل للتطبيق بحسب مصادر قريبة من بري، إذ إن هناك استحالة لمحاورة 128 نائباً، فللحوار أصوله، بحيث تتمثّل كلّ كتلة نيابية بحسب حجمها، ولا يتعدّى عدد المشاركين في الحوار الـ15 نائباً. وهذا الطرح لا يلبّي الهدف من الحوار، والذي من أسبابه «تظهير ما لم يظهر بعد». وفي حين أنّ بري «ميّال» الى انتخاب رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، إلّا أنّه «يتحدّث مع جميع الناس»، وتشير المصادر نفسها، الى أن «لا كلام رئاسياً جدّياً بعد»، ولا يزال من الباكر الوصول الى رئيس تسووي أياً كان اسمه، من فرنجية الى قائد الجيش أو غيرهما، وبلا حوار: «لا نتيجة ولا رئيس».

Exit mobile version