الهديل

المشروع البديل

كتب زياد شبيب في “النهار”:

الكتابة في الشأن الوطني والبحث في النظام القائم وفي أسباب التأزّم المستمر ومكامن الخلل فيه واقتراح الحلول الجذرية اللازمة لنهوضه، يُنظَر إليها على أنها خارجة عن السياق الآني الذي تجري فيه المناقشات اليومية، وغالباً ما يُؤخذ عليها استهداف ما هو أسمى من منطلقات وأهداف تلك المناقشات.

العقم في الطرح والعجز عن الخروج منه تشترك فيه القوى المختلفة. قد لا تكون هي نفسها مدركة لهذا التشابه بسبب الخصومات في ما بينها، لكن الوقوف على طرفي نقيض السياسة المحلية والصراع الطائفي المتخذ عناوين وطنية أحياناً، لا ينفي التشابه في التكوين ووحدة النموذج، واكتشافُ ذلك يكون بالوقوف بعيداً من الجميع وإعمال الموضوعية والتجرّد منهجاً في البحث.

النموذج الحزبي واحد في #لبنان. فالقوى السياسية المسيطرة على المشهد يتكون كل منها من زعيم واحد مؤلّه منزّه يستمدّ شرعية قيادته للجماعة التي تنتمي إليه أو إلى حزبه أو تياره من ادعائهِ حمايَتَها من الجماعات الأخرى أو من ادعائه العمل على تحصيل حقوقها، والجماعة تلك هي عبارة عن أكثرية ساحقة من طائفة دينية واحدة تجتمع على تمجيد رئيسها لأنها ترى فيه الحامي أو القادر على مواجهة زعيم جماعة أخرى أو المطالبة بأكبر الحصص في السلطة التي تعود بالخير عليه وليس على أفراد جماعته بالضرورة.

هذا القاسم المشترك هو سبب العقم في تلك القوى وهو ما أدى بالجميع إلى العجز عن الإنقاذ رغم ادعاء القدرة عليه وإلقاء اللوم على آخرين بنتيجة الفشل. هذه مشكلة النظام الكبرى وسبب الفشل المستمر في بناء دولة المواطَنَة لأن بلوغها يؤدي عملياً إلى زوال تلك القوى أو تراجع أدوارها. ولهذا تشترك جميعها في التمسك بقواعد النظام وطوائفيّته رغم اختلافاتها وصراعاتها البينيّة.

في كتابه الجديد “تاريخ لبنان المعاصر خارج القيد الطائفي” الذي سيصدر قريباً عن دار النهار للنشر، يقول الدكتور مسعود ضاهر أن النظام السياسي اللبناني يعاني اليوم مأزقاً بنيوياً يصعب تجاوزه إلا بقيام نقيضه أي لبنان خارج القيد الطائفي. وفي سياق التشخيص نفسه يؤكّد ضاهر على “أن إضافة صفة #الطائفية على النظام اللبناني، كما تأسس في الدستور، غير مبررة إطلاقاً لا بل يجب اعتبارها مناقضة لعلم السياسة. فالنظام السياسي اللبناني يصنف بين الأنظمة الديموقراطية، وهو تصنيف علمي لأنه نظام جمهوري برلماني”. ويضيف بأن “الميثاق الوطني، أي ميثاق 1943، “فشل في قيام دولة مركزية عصرية تستطيع مؤسساتها القيام بعملها بصورة طبيعية”. و”من أجل دوام سيطرتها على مقدرات الدولة والمجتمع تفتّقت عبقرية المنظومة السياسية المسيطرة عن مفهوم جديد بإسم “الديموقراطية التوافقية” التي حولت الديموقراطية إلى ديكتاتورية مقنعة في خدمة زعماء الطوائف وقادة الميليشيات المعسكرة”.

ينطلق ضاهر من تشخيص صحيح للمرض المزمن في النظام. ولكن نقيض النظام الحالي لا يقوم إلا بقيام قوى سياسية نقيضة لتلك المهيمنة اليوم، وعلى المتحررين من هيمنة القوى السياسية الحالية المبادرة إلى الانتظام في العمل الوطني وتقديم المشروع البديل الذي لا بد أن يشتمل على ضمانات للتعدد في المجتمع يكون بديلاً عن الزبائنية الحالية.

صحيح أن الانتماء لطائفة دينية معينة يشكل عنصراً هاماً في هوية كثيرين ولكنه ليس أساساً صالحاً لتكوين قناعات سياسية واحدة بالضرورة أو الانضواء في مؤسسات سياسية واحدة.
بناء الدولة هدف الجميع لأن ليس من مهامها بلوغ المؤمنين الجنة بل تأمين حقوقهم الدنيا وحماية حرياتهم وتنوعهم في وحدة انتمائهم الوطني.

Exit mobile version