تُماطل الأطراف السياسية في ملف الاستحقاق الرئاسي بانتظار الوصول إلى التسوية المطلوبة. وعلى الرغم من تجانس كل من الأحزاب، “#القوات اللبنانية”، “التقدمي الاشتراكي”، و”الكتائب اللبنانية” مع قرارهم بترشيح ميشال معوّض، على اعتبار أنّه يمثّل الخط السيادي الذي يؤمن به هذا الفريق، إلّا أن هذه الأطراف تعلم مدى صعوبة إيصاله إلى سدّة الرئاسة، لاعتبارات داخلية وخارجية تتمثّل برفض “#حزب الله” ومحور إيران له.
لن يقبل “حزب الله” بخسارة المكتسبات التي حققها منذ 7 أيار حتى عهد ميشال عون، كما أن إيران لن ترضى بأن تخرج الورقة اللبنانية عن طوعها وتغرّد خارج سرب المحور الإيراني الذي يسيطر على العواصم الأربع، وبالتالي لن يسير هذا الفريق وحلفاؤه بخيار ميشال معوّض أو أي شخصية يعارضها، وسيعمل جاهداً على منع وصوله، وقد يصل الأمر إلى مقاطعة جلسات الانتخاب كما حصل قبل انتخاب ميشال عون في العام 2016.
مهمة “الحزب” الصعبة
يريد “حزب الله” وصول سليمان فرنجية إلى سدّة الرئاسة، لكنّه يعلم أن الطريق غير معبّد، ويستدعي ذلك كسب موافقة جبران باسيل بالدرجة الأولى، و#وليد جنبلاط بالإضافة إلى بعض النواب المستقلّين لتأمين العدد الكافي من الأصوات وضمان “الميثاقية”، فيما من المؤكّد أن “القوات اللبنانية”، “الكتائب اللبنانية” وبعض نوّاب التغيير لن يسيروا بهذا الخيار.
لن تكون مهمّة الحزب سهلة في إقناع باسيل بالأمر، وسيضع الأخير شروطاً عالية السقف مقابل السير بخيار فرنجية، وقد يكون منها الحفاظ على بعض الحقائب الوزارية السيادية والأساسية، بالإضافة إلى مواقع إدارية، والحصول على حاكمية مصرف لبنان، وقيادة الجيش، وغيره.
في الموازاة، قد يستطيع الحزب اقناع جنبلاط في حال توفّر الغطاء العربي والدولي لترشيح فرنجية، فرنسي – سعودي بشكل أساسي، خصوصاً وأن رئيس “التقدمي” دائماً ما يُبدي خشيته من إطالة أمد الفراغ وتداعياته، علماً أن بعض النواب السنّة الذين صوّتوا في الانتخابات الماضية لفرنجية مع سعد الحريري، قد يعيدون الكرّة مرّة أخرى.
وفي حال وافق كل من باسيل وجنبلاط وبعض النواب السنّة على خيار فرنجية، فإن الحزب يكون قد نجح في مهمّته، جمع لحليفه الأصوات الكاملة من جهة، وحمى نفسه والعهد المقبل من سهام “غياب الميثاقية” على اعتبار أن كافّة الشرائح الطائفية صوّتت له، وحصّنه بتأييد واسع نسبياً، خصوصاً وأن المرحلة المقبلة ستكون صعبةً، ولن يتحمّل الحزب وحده المسؤولية فيها.
شخصية ثالثة غير فرنجية ومعوّض
ولعلمه بصعوبة الأمر، خصوصاً لجهة إقناع باسيل، ترك الحزب الباب مفتوحاً على خيار ثالث، يقول مرجع سياسي مطلّع، كدعم ترشيح وسطي، يُحرج فيه الفريق السيادي من جهة، ويستطيع أن يدجنّه، أو بالحد الأدنى وسطي يحمي “المقاومة ودورها” من جهة أخرى، في وقت، يُجمع المحللون السياسيون المقربون من الحزب على أن لا سلبية تجاه قائد الجيش جوزف عون، وهو ما ظهر أخيراً على لسان بعض الصحافيين والمحللين المقربين من محور 8 آذار.
ويشير المرجع إلى أن جنبلاط من جانبه أيضاً لم يغفل عن خيار التوجّه نحو شخصية أخرى غير ميشال معوّض لأنّه على يقين أن “حزب الله” لن يقبل به رئيساً، وبعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه برّي، توجّه إلى فريق 8 آذار ودعاه إلى طرح الأسماء، وعندها يتم التباحث في الخيارات، إلّا أنه أكّد معارضته لاسم فرنجية، لكن، من غير المعلوم ما إذا كان قد يعدل عن موقفه ويدعم فرنجية في حال وجد مظلّة دولية له، واستفحل الفراغ أكثر، وهو المسكون بهاجس الاستقرار.
أما الرئيس برّي، فليس بعيداً عن الخيار الثالث، وهو لم يعلن دعم فرنجية رغم تفضيله له، وقد لا يرشّحه في حال حصل التوافق على شخصية أخرى تتمتّع بمواصفات الرئيس التوافقي وغير المستفز.
وينبّه المرجع إلى أن هذا الخيار الثالث ليس بالأمر السهل، لأنّه يتعلّق بمفاهيم كل طرف للرئيس التوافقي، الذي حدّد البطريرك مار بشارة الراعي معاييره بوضوح في عظته الأحد الفائت، فيما يظهر جلياً أنّ مفهوم “التوافق” بين بكركي و”حزب الله” يختلف جوهرياً، وكلّ طرف يقرأه من منطلقاته التاريخية والفكرية والعقائدية وتجربته اللبنانية الخاصة المنفردة.
من هنا، لا سهولة في اختيار المرشح الثالث والتوافق عليه، خصوصاً أن الأمر يتطلّب أولاً موافقة كل القوى بمن فيهم المعارضة وفي طليعتهم “القوات اللبنانية” التي تتمسك بمواصفات معوّض على أي شخصية يمكن أن تكون مطروحة جدياً للرئاسة، بالموازاة مع نضوج الحل الإقليمي والدولي تجاه الوضعية اللبنانية.
وفي هذا السياق، فإن البلاد ستكون أمام سيناريوين لا ثالث لهما، إما خيار سليمان فرنجية، باعتبار أنّ تجربة الفراغ عادة ما تأتي نتائجها لصالح فريق 8 آذار وبالتالي لا مفاضلة بينه وبين ميشال معوّض، أو خيار التوجّه نحو مرشّح ثالث.
خيار ثالث… ماذا في الأسماء؟
من هنا، سيكون تحديد سيناريو المرحلة المقبلة بمثابة التنبّؤ والضرب بالرمل، إلّا أن الإشارات توحي بأن “حزب الله” يحاول مصادرة الاستحقاق الرئاسي لوضعه أمام خيارين لا ثالث لهما، إما التوجّه نحو خيار فرنجية والدفع إليه من خلال تعطيل نصاب الجلسات والتهديد بخطورة الفراغ على الاستقرار السياسي، الاقتصادي والأمني، أو التوجّه نحو خيار ثالث تفرضه المعطيات الخارجية والتفاهم مع الحزب.
في هذا الإطار، يدور في الكواليس عدد من الأسماء، منها ما ظهر إلى العلن ومنها ما بقي خفياً، من بينها، قائد الجيش العماد جوزف عون والوزير السابق زياد بارود، بالإضافة إلى صلاح حنين الذي طرح اسمه التغييريون قبل سحبه من التداول، وشبلي ملاط الذي اقترحه جنبلاط. وقد تحمل المرحلة الكثير من الأسماء المستترة بانتظار أن تنضج الطبخة الرئاسية، فنارها لا زالت باردة، وطريق التسويات يطول.
المصدر :النهار