خاص الهديل:
في إيران كما في تركيا، هناك قناعة مشتركة بأن واشنطن، وبخاصة إدارة بايدن أنتجت لهما عدواً شرشاً مشتركاً، وهو الأكراد.
طهران من جهتها توجه الاتهام لكردستان – العراق بأنها تحتضن النشطاء الأكراد الذين يؤججون الاحتجاجات في المناطق الإيرانية التي يقطنها الأكراد الإيرانيون. ويعتقد الايرانيون أن كردستان العراق هي غرفة عمليات للتأمر على إيران من قبل الموساد والسي آي إيه وبالتعاون مع الأكراد الذين لديهم طموحات انفصالية داخل العراق وداخل سورية وداخل تركيا وايران. ومن يستمع للتحليل الإيراني عن الاحتجاجات الاخيرة، يلاحظ ان طهران تعترف بأن الاحتجاجات بدأت كردية ثم تحولت إلى ايرانية؛ وهذا يعني أن الكرد هم الذين أشعلوا الشرارة الأولى في غرفة نوم النظام الايراني؛ وهذا يعني أيضاً وبالأساس، أن خطة واشنطن وتل أبيب لاستخدام الأكراد في كردستان كرأس حربة لاستهداف الداخل الإيراني نجحت وأثبتت أنها خطة قابلة للتنفيذ.
…وفي أنقرة، فإن الكلام الرسمي التركي لم يخف اتهامه للكرد في منطقة الادارة الذاتية الكردية في شرق شمال سورية (منطقة قسد)، بأنهم يقفون وراء الهجوم الإرهابي الأخير في اسطنبول؛ وأكثر من ذلك، قالت أنقرة أن الجهة التي تدعم الكرد في منطقة “قسد” في سورية، أي واشنطن؛ هي التي تتحمل مسؤولية هجوم اسطنبول الإرهابي..
والواقع أن سياسات أميركا تجاه الكرد في المنطقة، جعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يشترك بنظرته لواشنطن مع مرشد الثورة الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي، أي أن كلاهما باتا يعتقدان أن واشنطن تريد إشعال حرائق كردية داخل ديموغرافيات الدولتين التركية والايرانية في المنطقة.
وفي إيران كما في تركيا، وكما بين كرد المنطقة ذاتهم، فإن أحداً لا يصدق أن الولايات المتحدة الأميركية تريد إنشاء دولة للأكراد فوق أية مساحة من منطقة الشرق الأوسط، ذلك ان واشنطن تستخدم الكرد من أجل تفتيت دول قائمة، وليس من أجل انشاء دول جديدة ..
ومن جهة أخرى، توظف واشنطن الكرد في الدول التي يوجد فيها أزمات ساخنة، في خطة استخدامهم (أي الكرد) كمادة بشرية تصنع منهم واشنطن ديموغرافيا آمنة تحتضن تموضع قواتها العسكرية الموجودة في دول المنطقة للتدخل في إدارة أزماتها، سواء في سورية أو في العراق.
وبالمقابل فإن الأكراد يهمهم أن تبادلهم أميركا الحماية، بمقابل أن يؤدون لها ولاسرائيل، خدمات متعددة..
بكل الاحوال فإن لعبة “الورقة الكردية” من اسطنبول حتى إيران، تسلط الضوء في المنطقة على قضية طالما كانت موجودة تحت مسمى “القضية الكردية”؛ ولكن في هذه اللحظة تبدو القضية الكردية أو الورقة الكردية، بات لها من منظار أميركي، نفس وظيفة إسرائيل قبل العام ١٩٧٣، أي دور العصا الغليظة التي تحاول واشنطن من خلال رفعها في المنطقة، ترهيب دول معينة في المنطقة.
يبدو ان الوظائف اليوم تغيرت؛ ففي حين أن واشنطن تأخذ حالياً بيد إسرائيل لتصبح دولة طبيعية في المنطقة، بدل كونها عصا غليظة للغرب في المنطقة، فإن واشنطن تحاول أن تجعل الكرد هم عصا الغرب الغليضة – ولكن الناعمة – في المنطقة، وخاصة بوجه الدولتين الصاعدتين إقليمياً وهما تركيا وايران.. وتحاول أميركا تهديدهما بنقل الحرب -عبر الكرد- إلى جبهاتهما الداخلية.
في خمسينات القرن الماضي، تحدث بن غوريون عن “نظرية شد الأطراف”؛ أي عن إثارة الاقليات القومية والدينية القاطنة بين ضهراني الشعوب العربية؛ وذلك بهدف جعل الدول العربية غير المجاورة لاسرائيل تتلهى بمشاكل وحرائق داخلية تمنعها من التفرغ للتوحد في سبيل تحرير فلسطين.
…وكان بن غوريون اعتبر أن العامل الأساس الذي يجب استغلاله في نظرية “شد الأطراف” هو العامل الكردي، خاصة في العراق الذي كانت إسرائيل تعتبره أكبر وأقوى خطر على الجبهة الشمالية..
وبشكل من الاشكال فإن نظرية “شد الأطراف”، قادت في نهاية الامر، ولو من خلال سياق طويل ومتعرج ومتفرع من الاحداث التاريخية، إلى إنشاء حكم ذاتي في كردستان العراق الذي تعاني منه إيران اليوم، والذي كانت عانت منه الحكومة المركزية في العراق لفترات طويلة.
وحالياً يوجد للكرد نموذجان اثنان في المنطقة: نموذج في كردستان العراق مكتمل البناء، ونموذج ثان في شرق شمال سورية، يعرف بإسم “منطقة الإدارة الذاتية الكردية” (منطقة قسد) ..
وفي هذه الاثناء تعلن تركيا الحرب على منطقة الكرد في شرق شمال سورية الذي يشكل “نموذج قسد” ويتلقى الحماية من قوات المتحالفين الدوليين مع أميركا.. وبنفس الوقت تعلن إيران الحرب على نموذج الكرد في “كردستان العراق” التي بدروها تتلقى الحماية من واشنطن وتل ابيب.
وبهذا المعنى فإن جبهتي الكرد في شرق شمال سورية وفي كردستان العراق، رسمتا طريقاً جديداً للحرب الإقليمية، سيكون مسرحها هذه المرة الديموغرافيات البعيدة عن الديموغرافيا الإسرائيلية: أي ان ما يتوقع حصوله خلال الفترة المرئية المقبلة، هو نشوب “حرائق كردية” داخل دول المنطقة من جهة، وداخل مناطق النموذحين الكرديين في المنطقة من حهة ثانية، وهما بكل الأحوال مناطق كردية مسيطر عليها بواسطة الحماية الأميركية وليس بواسطة قدرات الأكراد الذاتية لا في كردستان ولا في منطقة قسد!!..