خاص الهديل:
العماد جوزاف عون لا يعتبر نفسه في معركة رئاسية، وهذا الكلام ليس شعراً لتزيين الصورة، بل هو واقع يفرض نفسه على قائد الجيش الذي جعلته ظروف الانهيار يجد نفسه أنه في معركة وجودية تتعلق بالحفاظ على مؤسسة الجيش اللبناني.
العماد جوزاف عون يتابع الجيش من تفصيل سرير الجندي المريض في المستشفى العسكري، مروراً بهموم الإجابة العملية اليومية على أسئلة حول كيف تعيش عائلات الجنود برواتب تراجعت قيمتها الشرائية مئات بالمئة، وصولاً إلى كيف يبقى الجيش في ظل الانهيار المعيشي وانسداد الأفق السياسي متماسكاً حتى يحفظ تماسك الأمن في البلد..
إن مجرد التمعن بحجم هذه المشاكل المطروحة يومياً فوق مكتب قائد الجيش، يعطي فكرة لا جدال فيها عن أن قائد الجيش مشغول من رأسه حتى أخمص قدميه، في معالجة مشاكل غير مسبوقة تواجه الجيش، ومشغول بكليته في اجتراح حلول يومية لها، وساعة بعد ساعة..
وكل الفكرة هنا، هو أنه حينما يخرج العماد جوزاف عون من اليرزة، سيكون الحكم التاريخي عليه هو هل نجح في مهمة الحفاظ على الجيش؟؟ وليس هل نجح بالقفز من اليرزة إلى قصر بعبدا؟؟
المسألة بالنسبة لقائد الجيش هي “ضميرية” و”أخلاقية” بقدر ما هي “وطنية “؛ وستظل كذلك رغم أن المناخ العام في البلد يتفاعل ضمن حسابات مصالح “السباق الموحل” على الوصول لقصر بعبدا.
ولكن خارج أبواب اليرزة المشغولة بهموم الجيش، وبخصوص موضوع خيار العماد جوزيف عون، بوصفه الحل الأفضل لإستحقاق انتخاب فخامة الرئيس، فإن كل الانظار تتجه بل تتسمر عند نقطة معرفة موقف حزب الله من ترشيح قائد الجيش للرئاسة، وذلك على اعتبار أن القوى المحلية اللبنانية بدأت منذ فترة تدمن عملية ممارسة السياسية بوصفها في موقع رد الفعل على ما يريده حزب الله، وعلى ما لا يريده حزب الله (!!) وبالتالي فهي استقالت من موقع الفعل…
وحتى ترشيح ميشال معوض من قبل كل من القوات والاشتراكي، هو مناورة لجذب حزب الله كي يقول “كلمة السر” الخاصة به، وذلك حتى يمكن لجعجع ولجنبلاط أن يعرفا ما الذي يريده نصر الله، حيث حينها يمكنهما بدورهما معرفة ما الذي يمكن لمعراب وللمختارة أن يتطلعا إليه عملياً وليس نظرياً، بموضوع الاستحقاق الرئاسي.
..وعليه، فإن جزء كبيراً من مفتاح ترشيح قائد الجيش للرئاسة، موجود في حارة حريك.. وهذا يفسح المجال للقول أن إنتاج حل محلي لرئاسة الجمهورية سيظل مسدوداً طالما أن الحزب لم يقل كلمته سلباً أو إيجاباً بخصوص ترشيح العماد جوزاف عون للرئاسة. فالجلسات الانتخابية الستة، تقول فعلياً أمراً واحداً، وهو أن ما يجري هو إضاعة مقصودة للوقت، كون الداخل اللبناني لم يتفق بعد على “ترشيح”، أو “عدم ترشيح” العماد جوزاف عون.
لماذا؟؟
لأن العماد جوزاف عون هو مرشح فعلي في حال أرادت الأحزاب أو بعض الأحزاب أن تنتخب رئيساً، وليس أن تسمي “مرشح مناورة”. وربما كان هناك الكثيرون من المرشحين الفعليين لرئاسة الجمهورية؛ ولكن حتى هذه اللحظة – وربما حتى فترة مقبلة – لا يوجد مرشح فعلي للرئاسة بالمعيار الداخلي والخارجي، سوى قائد الجيش العماد جوزاف عون.
وأكثر من ذلك، يمكن القول أنه في هذه اللحظة، فإن الورقة البيضاء التي وضعت في صندوق جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، إنما هي تعني سياسياً وعملياً، شيئاً واحداً، وهو عدم حصول اتفاق داخلي حتى الآن على ترشيح جوزاف عون لرئاسة الجمهورية، وتعني سياسياً أيضاً، وجود رغبة لدى بعض الأحزاب للانتظار على أمل الاتفاق على مرشح فعلي للرئاسة غير جوزاف عون.. أما أوراق ترشيح ميشال معوض فهي تعني أن القوى التي تدعمه تريد الإشارة إلى انها جاهزة للتفاوض على اسم رئيس لا يكون بالضرورة جوزاف عون، أو أن يكون جوزاف عون ولكن ضمن حفلة هدايا سياسية.
لا شك أن الطريقة التي تم فيها انتخاب ميشال عون للرئاسة خلقت سابقة لدى أحزاب البلد، مفادها أن الاتفاق على فخامة الرئيس يمكن أن يتم في “حفلة تقام على نية تبادل هدايا المكاسب السياسية”؛ ذلك ان ميشال عون لم يصل للرئاسة، إلا بعد احتفال تفاهم معراب مع القوات اللبنانية؛ وحفل تفاهم الاحتفال بعيد ميلاد “بيي الكل” آنذاك مع سعد الحريري، وبعد تأكيد ثمار حفل تحالف مار مخايل مع حزب الله ولاحقاً مع بري وفرنجية، الخ…
…وهناك اليوم بين الأحزاب من يريد أن يتم التفاهم الداخلي على العماد جوزاف عون، داخل حفلة توزيع هدايا سياسية للجميع، كما حصل مع التفاهم على انتخاب ميشال عون….
والى ذلك، فإن ما يبدو مهماً وأهم داخل كل مشهد تكرار الجلسات الستة التي جرت لإنتخاب فخامة الرئيس، هو أن القطبة المخفية داخل قصة كل هذه الجلسات، هو العماد جوزاف عون المشغول بمهمة الحفاظ على الجيش.. وكل الفكرة لدى واضعي الأوراق البيضاء أو واضعي اسم ميشال معوض، أو أسماء رمزية أخرى في صندوقة انتخاب فخامة الرئيس، هي صرف الوقت الضائع، أو الهروب أو التمهل أو التردد تجاه استحقاق يواجه الجميع هو اختيار جوزاف عون كمرشح جدي لانجاز الاستحقاق الرئاسي.. وكل ما يحدث الآن هو عملية تقطيع للوقت بانتظار الاتفاق على ترشيح جوزاف عون حتى يتم انجاز استحقاق انتخاب فخامة الرئيس، أو بانتظار الاتفاق على عدم ترشيحه كما يريد البعض، حتى يتم طرح اسم بديل جدّي له..