الهديل

خاص الهديل: البحث عن الذات: “موارنة” ما بعد عون!!

خاص الهديل:

 

صار واضحاً ان موارنة لبنان الذين وصفهم ذات يوم الصحافي اللامع ميشال أبو جودة بأنهم “ملح لبنان ومن دونهم تفسد الخميرة”، يعانون من أزمة ذاتية، وليست فقط موضوعية.. فالموارنة يُحبطون هذه المرة من داخلهم، ولأسباب داخل الموارنة، وليس بسبب عواصف تهب عليهم من الخارج…

خلال بدايات تسعينات القرن الماضي سار الموارنة وبمقدمهم بكركي في طريق اعلان الإحباط، وذلك بسبب تغير ظروف الاقليم، وانقلاب دولاب السياسة الأميركية باتجاه توكيل دمشق بادارة الملف اللبناني.

…أما اليوم، فلقد ترك عهد ميشال عون لدى موارنة لبنان ندوباً من صنع العهد الذي سمى نفسه بأنه “عهد الرئيس المسيحي القوي”، ووقعت مآساته على الموارنة لأنه جاء اليهم بأعلى التوقعات، وانتهى بأسوأ النتائج.. 

…وعليه فإن أبرز اشكالية لدى الموارنة اليوم، هي أنه ليس لديهم جواب عن كيف يصلحون وضعهم (؟!) ذلك أن أحد أكبر مشاكل التيار الوطني الحر الذي نصطلح اليوم على تسميته بالتيار العوني، تكمن في استمرار ظاهرة باسيل بداخله، ما يؤدي إلى نتيجتين سلبيتين: الأولى تحرم التيار من المبادرة بعملية نقد ذاتي لتجربته خلال سنوات عهد عون، كون باسيل يصر على أن التيار الذي يقوده لم يفشل، بل تعرض لمؤامرة؛ وأن على العونيين، بدل البحث عن أسباب فشل تجربتهم في الحكم، أن يبحثوا عن خفايا المؤامرة التي تعرض لها باسيل خلال فترة حكم عمه.. 

النتيجة الثانية تتمثل بأن باسيل يريد جعل التيار وراثة “لأهل بيت ميشال عون”!!. وتوجه باسيل هذا، يتجاهل حقيقة تاربخية واجتماعية ومسيحية تتعلق بتعريف الجمهور العوني: فمن نسميهم اليوم “العونيون”، هم بنية اجتماعية مسيحية تاريخية موجودة قبل ميشال عون، وستظل موجودة بعد ميشال عون، وهي تعبير عن مناخ سياسي مسيحي له ثوابت مسيحية تاريخية لم تتغير طوال كل مراحل الوطن، ويعبر هذا المناخ المسيحي عن نفسه بمسميات مختلفة حسب الظرف والمرحلة. 

وبكلام أوضح فإن تعريف هذه البنية الاجتماعية المسيحية التي نسميها اليوم بـ” العونيون”، تتكون من السمات التالية:   

أولاً- الجمهور الذي نسميه اليوم بالجمهور العوني، يختلف عن جمهور الكتائب وجمهور القوات اللبنانية، الخ.. فهو جمهور يعبر عن بنية اجتماعية ثقافية مسيحية لها ثوابت لبنانية، وهي ليست بالضرورة تعبيراً عن بنية حزبية بالمعنى التقليدي..

ثانياً- العونيون كما نصطلح على تسميتهم اليوم، هم بيئة مسيحية واسعة موجودة داخل سمات وثوابت سياسية مشتركة تنتمي اليها، حتى لو لم تكن في إطار واحد أو تيار واحد أو حزب واحد.. ومن بين سماتها المشتركة التعلق بالجيش اللبناني، وإيمانها بأن معه يحصل خلاص لبنان، وانه من بين صفوفه يخرج مخلصو لبنان الذين هم أيضاً مخلصي مسيحيي لبنان. 

وهنا يوجد نقطة هامة وهي أن ميشال عون لم يأخذ من نسميهم اليوم بالعونيين الى الجيش، بل هؤلاء أصبحوا عونيين وأيدوا عون لأنه جاء إليهم من الجيش. 

ثالثاً، الجمهور العوني هو جمهور مسيحي تاريخي، وهو من عمر علاقة المسيحيين بالجيش، ومن عمر علاقة المسيحيين بالمعنى الثقافي للأديرة المحفورة بالصخور تعبيراً عن التمسك ” بالحرية” التي هي كالنبات البري تعيش في رحم الصوان كي لا يكسرها الاستبداد.  

وبالخلاصة العامة فإن الجمهور العوني كما اصطلحنا على تسميته اليوم، هو أكبر من حزب، لأنه يعبر عن طموح الشعارات المسيحية التاريخية الوطنية والعابرة للمراحل الظرفية، وهو ليس تياراً بل “شعب” و”صورة عن الشعب المسيحي اللبناني”. 

حالياً ستنتهي مرحلة تسمية هذه البيئة المسيحية التاريخية بالعونيين، وذلك بعد فشل تجربة عون في تمثيل هذه البيئة؛ ولكنها (أي هذه البيئة) ستظل موجودة مع ثوابتها، وستعبر عن نفسها كمناخ أو بمفردات سياسية وثقافية مختلفة، وحينما يتيسر لها قائد جديد، فإنها ستحمل اسمه، وحينما لا يكون لهذه البيئة قائد، فإنها تظل أيضاً موجودة من دون تسمية محددة، ولكن كمناخ اجتماعي ثقافي سياسي مسيحي تاريخي..    

الأكيد ان باسيل لا يمكنه أن يكون معبراً عن هذه البيئة الاجتماعية التاريخية المسيحية؛ ذلك أنه أحد أكبر أسباب إحباطها الحالي؛ وعليه فإن الحالة التي تعرف اليوم بالحالة العونية ستظهر بداية في مرحلة لاحقة تحت مسمى “العونيون القدامى”، أو من ثم في مرحلة تالية تحت مسمى جديد، ولكن من خلال العودة للانسجام مع الثوابت المسيحية التاريخية المعروفة التي هناك اتهام لعون وباسيل بأنهما تخليا عنها. 

ربما ميشال عون لا يزال يحافظ على عطف عليه من قبل فئة من أنصاره. ولكنه بالتأكيد لم يعد تشعر البيئة التاريخية المسيحية التي مثّلها، بالثقة بالمستقبل معه، ليس فقط نتيجة تقدمه بالسن؛ بل بالأساس لأنه قادها مع البلد إلى جهنم، الخ.. 

والواقع أن العونيين تعرفوا على ميشال عون بوصفه الجنرال، وحينما أصبح فخامة الرئيس عرفوا انه ليس الجنرال الذي ساروا معه. 

ثمة ظلال تسيطر على فهمنا للبيئة العونية حسب تسميتنا لها اليوم، وستصبح صورتها لنا أوضح لحظة ادراك أن هذه “البيئة العونية” لها تسمية أدق، وهي الكتلة او البيئة الاجتماعية المسيحية التاريخية، وهذه بيئة تظل موجودة رغم ان مراحلها تختلف بحسب اختلاف الظروف؛ والسؤال اليوم هو التالي: بعد إفلاس القيادة العونية، إلى أي ولاء أو ولاءات ستذهب هذه الكتلة المسيحية التاريخية؛ وضمن أي إطار أو مناخ ستعبر عن نفسها في المرحلة التالية، أو في مرحلة ما بعد سقوط تمثيل التسمية العونية لها؟؟

Exit mobile version