الهديل

خاص الهديل: نتنياهو ملك “دولة أقصى اليمين”.. ورئيس “حكومة داعش اليهودية”!!

خاص الهديل:

الحدث الأبرز في النتائج التي أفضت إليها الإنتخابات الإسرائيلية الأخيرة، هو صعود حزب “الصهيونية الدينية” ليحتل مرتبة الحزب الثالث في الكنيست الإسرائيلي (١٤ مقعدا)، علما انه في الإنتخابات ما قبل الاخيرة، استطاع هذا الحزب بصعوبة بالغة، تجاوز “نسبة الحسم” التي تمكنه من نيل مقعد واحد في الكنيست.. وبنيله في هذه الانتخابات – وعلى نحو غير متوقع – ١٤ مقعداً، أصبح “حزب الصهيونية الدينية” يحتل المركز الثاني في ترتيبه داخل ائتلاف نتنياهو الفائز بالانتخابات، وأصبح له الكلمة الفصل في نجاح نتنياهو أو فشله بتشكيل حكومته..

..والأهم في هذا المجال، هو ان زعيم “حزب الصهيونية الدينية” ايتمار بن غفير الذي يعتزم نتنياهو اسناد وزارة الأمن الداخلي إليه، يعتبر امتداداً ايديولوجياً “لحزب كاخ” الذي يعتبر حزبا ارهابيا وفاشيا حتى في الكيان الصهيوني.. وهو حزب ينظر إليه اليسار اليهودي والليبراليون اليهود في الولايات المتحدة وفي إسرائيل، على انه نسخة يهودية عن تنظيم “داعش”.. وحتى شخصية مثل اسحاق شامير، فإنه رغم تطرفه واعتناقه اطروحات اليمين الصهيوني المغالية، إلا أنه خلال ترؤسه الحكومة قام بلجم زعيم حزب كاخ الروحي آنذاك (عام ١٩٨٤) مائير كهانا الذي لا يزال بن غفير يعتبره زعيمه الروحي. وحينها قام كافة أعضاء الكنيست بالانسحاب منه، عندما أنبرى الحاخام كهانا على منصته لالقاء كلمته، ما مهد الطريق لحظر حزب كاخ نهائياً، وما دعا كهانا للسفر إلى أميركا حيث قتل هناك على يد شاب مصري، ومن ثم قتل ابن كهانا في عملية فدائية قرب رام الله.

..وأمس اعتبر الإعلام العالمي موافقة نتنياهو على تعيين بن غفير وزيراً للأمن الداخلي مع صلاحيات واسعة في الضفة والقدس، يعني أمراً واحداً وهو ان تل أبيب تتجه لإعلان حرب اقتلاع عنصرية مكشوفة ومفتوحة على فلسطيني ال ٤٨ وفلسطيني الضفة الغربية.

 

..غير ان ما لم يسلط الإعلام العالمي أمس وقبل أمس، الضوء عليه، هو الخطر الآخر غير المتعلق بالفلسطينيين، بل المتعلق بما يحدث من تغيرات شاذة داخل المجتمع الإسرائيلي ذاته، الذي يتجه باضطراد نحو المزيد من التفلت باتجاه تبني نظريات “التوحش والداعشية اليهودية”..

وفي هذا المجال تبرز عدة زوايا يثيرها تعيين بن غفير وزيراً للداخلية، لا بد من التوقف أمامها باهتمام:

 

الزاوية الأولى ذات صلة بالمجتمع الإسرائيلي الذي يتجه بسرعة قطار سريع تم فقد السيطرة على كابحه، إلى يمين اليمين؛ أو إلى ما يسمى “بأقصى اليمين”.

 

.. والواقع ان هذا التوجه داخل إسرائيل ليس وليد الساعة. ولا هو وليد نتائج الإنتخابات الأخيرة رغم انها في الظاهر اسفرت عن صعود بن غفير المفاجيء؛ بل هو توجه عمره من عمر الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي شهدت حينها هبة عسكرية وشعبية فلسطينية واسعة، استمرت لأشهر طويلة والحقت خسائر واضحة حينها بإسرائيل.. وحينها – وهنا الفكرة الاساسية – بدل أن يستنتج المجتمع الإسرائيلي انه يتوجب على دولته أن تدفع ثمن السلام للفلسطينيين كي يتوقف العنف الفلسطيني الذي هو رد فعل على عنف الإحتلال الإسرائيلي؛ فإنه استنتج – أي المجتمع الاسرائيلي- بأن عليه الذهاب أكثر فأكثر إلى “أقصى اليمين”؛ وأن عليه “التوحش” أكثر فأكثر ضد الفلسطينيين وضد حقوقهم، وحتى ضد بقاء من تبقى منهم فوق ارضه.

 

وعلى هذا فإن بن غفير ليس ظاهرة تدعو للحيرة كما يحاول الايحاء الاعلام الغربي، بل هو نتيجة موضوعية لتوجه موجود ومتفاعل داخل المحتمع الإسرائيلي عنوانه الاتجاه نحو أقصى يمين اليمين المتطرف كسبيل وحيد للهروب من دفع ثمن السلم مع الفلسطينيبن ..

إن المكان الصحيح الذي على الاعلام العالمي أن يسلط الضوء عليه، بمناسبة حصول بن غفير وريث زعامة حزب كاخ (داعش المتطرفين اليهود) على وزارة الأمن الداخلي، هو مناقشة ظاهرة تحول المجتمع الاسرائيلي بنسبة ٩٥ بالمئة منه الى أطروحات “التوحش اليمنية والداعشية الاصولية الدينية”.

 

وعليه؛ يجب أن يكون واضحاً أن الحدث الحقيقي والخطر اليوم في إسرائيل، هو التالي: اكتمال مسار اندفاعة التطرف الفكري اليميني داخل إسرائيل، وسيطرته بنسبة ٩٥ بالمئة على المجتمع الإسرائيلي، مع الإشارة إلى أن الخطورة تكمن في ان فكر التوحش الديني الاسرائيلي اليميني المستمر منذ نحو ثلاثة عقود بقضم المساحة شبه الكلية من المجتمع الإسرائيلي، إنما تفاعل وفق نموذج بن غفير المعبر عن “حزب كاخ” الذي حتى المتطرف اليميني إسحق شامير لم يستطع تحمله عام ١٩٨٤؛ والذي – اي حزب كاخ – يساوي في افكاره وممارساته، نفس افكار وممارسات “داعش”، ولكن وفق النسخة اليهودية.

 

الزاوية الثانية تتعلق بالاجابة عن سؤال هام، وهو ليس لماذا أصبح بن غفير وزيراً للأمن الداخلي مع صلاحيات واسعة ضد العرب؛ بل السؤال الذي يجب طرحه، والذي يكشف عن خلفيات هذه المشكلة التي تدعو للقلق بحسب وصف الإعلام العالمي، هو لماذا بات حزب بن غفير اليوم يملك ١٤ مقعداً داخل الكنيست، في حين أن زعيمه الروحي كهانا طرده قبل نحو أكثر من ثلاثين سنة من الكنيست لمجرد مثوله امامه لالقاء خطبة؟؟

 

الإجابة عن هذا السؤال، توضح ان التغيير الذي يدعو للقلق ليس صعود بن غفير الذي هو تعبير عن المشكلة، بل التحول الفاشي داخل المجتمع الإسرائيلي؛ وهو بحد ذاته تحول خطر رغم انه بدوره غير مستغرب؛ ذلك ان المفكر اليساري الاسرائيلي مئير افنيري كام تكهن به منذ سبعينات القرن الماضي، حينما قال انه يخشى على مستقبل إسرائيل من التحول الاجتماعي والفكري الذي يحدث داخل إسرائيل نتيجة التمسك بثقافة احتلال أرض وقمع ارادة شعب آخر له حقوق.

والواقع ان ما حذر منه افنيري قبل نصف قرن وصلت اليه إسرائيل اليوم، وعنوانه “توحش” المحتمع الاسرائيلي بكليته تقريباً .. وكان “مناخ أقصى اليمين الاسرائيلي الداعشي المتوحش” عبر عن نفسه خلال السنوات الاخيرة من خلال انه لم يعد يستهدف بالكراهية والعداء والعنف العرب والفلسطينيين فقط، بل حتى الآخر اليهودي الليبرالي واليساري؛ فهؤلاء الاخيرون أصبحوا أيضاً بنظر المجتمع الاسرائيلي المتموضع في أقصى اليمين أو الذاهب الى اقصى اليمين، خونة للدين اليهودي وللوطن والدولة اليهودية، ويجب الاقتصاص منهم!!

 

الزاوية الثالثة الهامة؛ يمكن الاشارة إليها في هذه العجالة تحت عنوان: موقع ودور بنيامين نتنياهو داخل هذا التوجه نحو “أقصى يمين اليمين” الذي يسود المجتمع الاسرائيلي..

 

وبخصوص هذه النقطة يمكن القول ان نتنياهو يأخذ إسرائيل إلى معدلات تشبه ظروفه المتطرفة وليس بالضرورة شخصيته التي هي انتهازية وبرغماتية بأكثر مما هي يمنية عقائدية..

والفكرة هنا هي ان نتنياهو يعيش على مستوى مستقبله الشخصي والسياسي، معادلات متطرفة متناقضة، وهي تحتم عليه ان يذهب للتطرف في سلوكه السياسي والشخصي، رغم أنه في أصل شخصيته معروف ببرغماتيته وانتهازيته.

 

..وبكلام اوضح، فإن نتنياهو موجود سياسياً وشخصياً بين معادلتين متناقضتين، وتشكل كل واحدة منهما الخيار الاقصى له ولمستقبله: المعادلة الأولى هو حصوله على لقب ملك اسرائيل في حال نجح بتشكيل حكومته الحالية، والمعادلة الثانية الذهاب إلى السجن في حال لم يشكل الحكومة التي ستجعله ملك إسرائيل ..  

.. ومن زوايا معينة نفسية وسياسية فإن نتنياهو يمر في ظرف لاعب القمار الذي لم يعد أمامه خيارات المناورة، بل بات أمامه خيار واحد: أما نيل كل المجد (ملك اسرائيل) ولو عن طريق بن غفير وارث كاخ، أو أسفل الدرك (السجن) في حال ترك رئاسة الحكومة لغيره أو سمح بتشكيل حكومة غير يمنية ..

Exit mobile version