الهديل

خاص الهديل: تكرار جلسات عدم انتخاب فخامة الرئيس تخلق “عُرف” انتخاب الرئيس بآلية “الاستفتاء النيابي”!!.

خاص الهديل:

 

الجلسة الانتخابية الأخيرة السابعة التي لم تؤد أيضاً إلى انتخاب رئيس للجمهورية، سوف يتبعها يوم الخميس القادم جلسة جديدة ثامنة، سوف تنتهي هي الأخرى إلى عدم انتخاب “فخامة الرئيس” العتيد. ومن المؤكد أن رئيس المجلس النيابي لن يتردد بعد انتهاء الجلسة الثامنة بالدعوة لجلسة تاسعة يوم الخميس الذي سيلي!!

 

وهذا السياق من عقد جلسات الإنتخاب النيابية التي لا تؤدي إلى انتخاب “فخامة الرئيس”، تؤدي مع الوقت لأن يصبح لها هدفاً أساسياً، وهو إيجاد مسوغ نفسي وتبرير دستوري مضلل لإستمرار الفراغ الرئاسي، بحيث يصبح عقد البرلمان جلسات انتخاب الرئيس، هو الغاية، بدل أن يكون انتخاب رئيس للجمهورية هو الهدف؛ وبحيث يصبح البحث في الكواليس عن توافق سياسي ينتج عنه تسمية رئيس قبل انتخابه، هو المسار الديموقراطي لانتخابه، وليس انتخابه في جلسة تنافسية حرة في مجلس النواب..  

وبالمحصلة فإن هذا السلوك يتقصد ان يؤدي الى جعل الفراغ الرئاسي أمراً طبيعياً، وليس حدثاً استثنائياً، وذلك من خلال تكريس “عُرف” يفيد أنه إذا لم يحصل توافق سياسي يضم ما نسبته ٩٠ بالمئة من القوى السياسية (٨٤ نائباً)، فإنه لا يقوم مجلس النواب بإنتخاب رئيس، بل فقط يقوم بعقد جلسات تسفر عمداً وعن سابق اصرار سياسي، عن عدم انتخابه..

 

.. ويتم تمرير هذا المنطق، وتحويله إلى “عُرف” من خلال الإمعان في تحويل مجموعة من المغالطات السياسية اللاديموقراطية إلى حقائق لا تقبل النقاش في موضوع كيفية انتخاب فخامة الرئيس؛ وهذه المغالطات هي التالية:

– القول ادعاءا أن المسؤول عن التعطيل ليس تطيير نصاب الثلثين، أو تطيير نصاب انتخاب الدورة الأولى، بل هو غياب التوافق السياسي المسبق على اسم الرئيس، بحيث يصبح انتخابه نوع من الصفقة الحزبية السياسية، وليست عملية انتخابية ديموقراطية يتم فيها التنافس بين مرشحين علنيين.  

– القول أن أحداً لا يعطل انتخاب الرئيس، بدليل أن الدعوة لانتخابه تحدث كل اسبوع.. وان المشكلة ليس في عدم قيام النواب بانتخاب رئيس، بل في عدم حصول توافق سياسي يسمى الرئيس قبل انتخابه، أو ان المشكلة في ان اتفاق الخارج على إسم الرئيس لم ينضج بعد..

..ما يجدر التحذير منه بخصوص هذه النقطة هو أنه مع تكرار عقد جلسات انتخابية لا تؤد إلى انتخاب الرئيس، فإن موقع رئاسة الجمهورية يتحول الى “ركام معنوي” نتيحة ان البلد يدخل في “ادمان” الاعتياد على جلسات تعقد كي لا تنتخب فخامة الرئيس، وكي تبرر إطالة أمد الفراغ الرئاسي وتكرس قناعتين خطرتين في البلد؛ الأولى تقول أنه يمكن بسهولة العيش بدون رئيس جمهورية، ولكن لا يمكن العيش بدون اتفاق الأحزاب بنسبة ٩٠ بالمئة (٨٤ نائباً) على اسم الرئيس قبل انتخابه، والثانية تقول أن عدم انتخاب رئيس أفضل للاستقرار، من انتخاب رئيس لا يتم التوافق على اسمه بين أحزاب الطوائف في وقت يسبق موعد انتخابه.

وهذا الوضع يهدف الى وضع عربة التوافق السياسي بين الأضداد الحزبية، أمام حصاني الانتخاب الديموقراطي لفخامة الرئيس. وما يجب إيضاحه هنا هو التالي:

أولاً- أن نظرية أنه لا انتخاب لفخامة الرئيس، إلا بشرط حصول توافق سياسي مسبق قوامه توافق أحزاب ال٨٤ نائباً على اسم الرئيس العتيد قبل انتخابه، هو شرط يجعل عملية انتخاب رئيس الجمهورية، يمثابة “عملية استفتاء نيابي”، وليس عملية انتخاب ديموقراطي في البرلمان.

ثانياً- ان نصاب ال٨٤ نائباً، يعني إجماع أحزاب الطوائف بنسبة ٩٠ بالمئة؛ وربما كان سيكون مقبولاً هذا الأمر لدواعي الميثاقية، لو أن التعطيل ليس أحد أسلحة الأحزاب المعتمدة لضرب العملية الديموقراطية الانتخابية، ولكن مع “السلوك الانتخابي الجاهلي” للاحزاب، فإنه يجدر تحرير نصاب انتخاب فخامة الرئيس من نصاب الثلثين، لأن هكذا نصاب مع شيوع ثقافة التعطيل، يحول عملية انتخاب رئيس الجمهورية إلى ما يشبه الاستفتاء النيابي، التي تذكر بالاستفتاءات الشعبية التي تنتخب الرئيس بنسبة ٩٩،٩ بالمئة من الشعوب الغفورة وليست الغفيرة.

.. والحق يقال ان هذا السلوك يشكل أفضل طريقة لخصخصة رئيس الجمهورية بين الأحزاب، ولجعل انتخابه يجري بآلية الاستفتاء النيابي وليس الانتخاب النيابي، وما يزيد الأمر سوءاً هو أن التوافق السياسي الذي تطلبه الأحزاب لا يعني اتفاقها على ماذا سيفعل الرئيس من أجل البلد، بل على ماذا سيفعل من أجل الأحزاب.

والواقع ان تضافر كل هذه العوامل، تؤدي إلى الإتيان برئيس للجمهورية ليس لديه “بصمة حكم” خاصة به، وذلك قبل مسألة أن يكون لديه صلاحيات أو ليس لديه صلاحيات.. كما ان إعتماد انتخاب فخامة الرئيس بنوع من الاستفتاء النيابي، هدفه الإتيان برئيس يكون لكل الأحزاب، أي ان يكون أسير منظومة كل الأحزاب المتخاصمة، الأمر الذي يجعل فخامته يمارس داخل الحكم دور الحكم الذي لا لون له ولا رائحة، بدل أن يمارس الرئيس دور الحكم الذي يقوم بتطبيق معايير قانون اللعبة؛ وليس الذي يحابي ال٢٤ لاعباً. 

قد يكون المطلوب للخروج من هذه المتاهة، اتباع واحد من أمرين اثنين للانتهاء من مهزلة الاكتفاء بالدعوات المتكررة لانتخاب فخامة الرئيس. ولا يتم انتخابه، وهما أما أن يتم وضع قانون يمنع النواب من تكرار تعطيل جلسة انتخاب الرئيس، أقله لفترات متكررة، لأنهم بذلك يساهمون بتعطيل مرفق سيادي عام، وإما أن يتم تخفيض نصاب الرئيس إلى نصف زائد واحد..

Exit mobile version