*بقلم الشيخ مظهر الحموي*
لم يعد من المهم أن نعمد الى الرموز والتلميحات بعد أن صار واقعنا في حاجة الى إعلان طوارئ تمهيدا للدخول الى غرفة العناية الفائقة ، حيث لم يعد من المحتمل أو المقبول أن نتعامى عما يحدث لنا من أمور غريبة مدهشة لم نشهد لها مثيلا في تاريخنا .
وأي فارق شاسع وهائل بين أمسنا المشرق الوضاء عندما كنا أمة تنشر حضارتها وأخلاقها وشريعتها من طنجة في المغرب العربي الى حدود الصين وإمتدادا الى منتصف القارة الإفريقية وشمالا الى مشارف فيينا.
كنا فعلا نلعب بالكرة الأرضية ليس عبثا بها وإنما لأن الدنيا دانت لنا ولحضارتنا وشريعتنا ليعم النور والإيمان في تلكم المناطق ، وما كنا نبتغي سوى دعوة الناس الى الحق ولم يكن همنا أي مغنم دنيوي زائل، وكانت أسمى غاياتنا إخراج البشر من الظلمات الى النور.
ترى ماذا ألم بنا حتى أصبحت كرة القدم هي التي تتقاذفنا وتذكرنا بالأوس والخزرج ، وحروب داحس والغبراء ، بل وبقصة قابيل وهابيل ؟!
لماذا تحولت هذه الرياضة الى ميدان خنادق ونصب متاريس بين الشباب وكأن ناشئتنا ينقصهم هذا المونديال الكروي حتى يواجه بعضهم بعضا ويغرقوا في دهاليز الأجهزة المرئية وينخلعوا عن واقع أمتهم وما تتعرض لها من ويلات من كل صنف ولون.
ربما لم تعد المخططات الإعلامية الكونية والعولمة الثقافية، قادرة على ان تملأ فراغهم المهدور ، فإذا نحن اليوم أمام مسلسل جديد من العبث والخواء ترفع لأجله الأعلام من كل صنف ولون على الشرفات والسيارات والمنازل وفي الساحات والشوارع وفي كل ناحية، لتنشأ حروب وهمية مفتعلة بين أنصار هذا الفريق البرازيلي، وذاك الألماني أو الفرنسي أو الإيطالي وما شابه.
هل أصبحت حياتنا ومواقيتنا رهنا بهذه الهمروجات الزائفة تسحق روحنا وعقولنا ؟!
هي كرة القدم يمكن أن تكون وسيلة للتنافس بالروح الرياضية كما شأن كل المباريات الودية ولكن أن يستنفر القوم من هنا وهناك بما نربأ عن ذكره هنا لما شهدناه من مناظر نخجل منها، فهنا تكمن الأزمة.
نحن لسنا على عداء مع الرياضة بالطبع ، بل ونشجع عليها ، ونحض على الهواية النافعة ، ولكننا نخشى أن يغرقنا الهوس والإنجراف مع إدمان التعلق بها فنضيع أوقاتنا ونرهق أعصابنا ونتكاسل عن اداء واجباتنا الدينية ونفتعل الخصومات ، هذا ما نخشاه ونحذر منه..
أما آن الأوان أن نستيقظ ونعود الى رشدنا ونحجب هذه المشاهد المؤسفة عن مجتمعنا.
إنها مسؤولية أولي الأمر ومسؤولية كل واحد منا في لجم هذه الظاهرة حرصا على قيمنا ومبادئنا ومستقبلنا.. فهل نحن مدركون .