الهديل

مقتل زعيم داعش في درعا…

جاء إعلان تنظيم “داعش”، الأربعاء، مقتل زعيمه أبو الحسن القرشيّ من دون تحديد تفاصيل مقتله، مفاجئاً وغير متوقّع لعدم بروز أيّ مؤشرات قبل الإعلان ترجّح احتمال مقتله أو تعرّضه لأيّ إصابة. وازداد حجم المفاجأة بعد دخول واشنطن سريعاً على خطّ الحدث وإعلانها، عبر بيان صادر عن البنتاغون، أن مقتل القرشيّ تمّ في مدينة درعا، وحرصت على أن تنسب المسؤولية عن مقتله إلى كيان لم يعد له وجود على أرض الواقع هو “الجيش السوريّ الحر”.

 

واكتفى أبو عمر المهاجر، المتحدث الرسمي باسم تنظيم “داعش”، في تسجيل صوتي بعنوان “فيَقتُلون ويُقتَلون” نشرته “مؤسسة الفرقان” مساء الأربعاء، بنعي زعيم التنظيم من دون تحديد مكان مقتله أو زمانه أو طريقته.

 

وقال المتحدث باسم التنظيم إن “أبو الحسن” قتل خلال قتال، من دون الإدلاء بمزيد من التفاصيل.

 

وأصبح أبو الحسن القرشي ثاني زعيم لتنظيم “داعش” يقتل خلال العام الحالي، إذ قُتل سلفه أبو إبراهيم القرشي في شهر آذار (مارس) الماضي، بعملية إنزال جوّي نفذتها القوات الأميركية في منطقة أطمة في الشمال السوري.

 

وقبل ذلك كان الزعيم الأشهر لـ”داعش”، أبو بكر البغدادي، قد قتل في منطقة قريبة وتخضع أيضاً لسيطرة “هيئة تحرير الشام”، في بلدة باريشا أواخر عام 2019.

 

وبعد النعي المفاجئ للقرشيّ، أعلن المتحدث الرسمي في كلمته عن تعيين أبو الحسين الحسيني القرشي زعيماً جديداً للتنظيم، بعد توافق من سمّاهم “أهل العقد والحل” في التنظيم على ذلك، مطالباً أنصاره بمبايعة القائد الجديد.

 

وسرعان ما أعلنت الولايات المتحدة أن الحدث وقع في مدينة درعا من قبل “الجيش السوري الحر”. وذكر بيان عن القيادة المركزية “سنتكوم” أن أبو الحسن القرشي قتل في منتصف تشرين الأول (أكتوبر) “في عملية نفذها الجيش السوري الحر”.

 

وأشار المتحدث باسم القيادة المركزية، جو بوتشينو، إلى أن العملية نُفذت في محافظة درعا، التي تسيطر عليها قوات النظام السوري وتنتشر فيها فصائل معارضة سابقة أجرت مصالحات مع دمشق. ولم يوضح المتحدث ظروف مقتل زعيم التنظيم وكيفية تنفيذ العملية. وقال بوتشينو إن مقتل الهاشمي يشكل “ضربة جديدة” للتنظيم المتطرف، لكنه لفت إلى أنه لا يزال يشكل خطراً على المنطقة.

 

ومن غير الواضح ما إذا كانت واشنطن تملك معلومات مسبقة حول مقتل زعيم التنظيم، خاصة أنها لم تشر إلى ذلك من قبل، ولماذا انتظرت أن يعلن التنظيم عن مقتل زعيمه كي تعلن عن مكان مقتله وتحديد المسؤول عن ذلك؟

 

وهذه هي المرة الأولى التي يقتل فيها زعيم لتنظيم “داعش” ولا تكون واشنطن ضالعة في تنفيذ عملية الاغتيال. فقد سبق للولايات المتحدة أن أعلنت عن مقتل كلٍّ من أبي بكر البغدادي وخلفه أبي إبراهيم القرشي عبر عمليتي إنزال جوي منفصلتين.

 

كما أنها المرة الأولى منذ هزيمة تنظيم “داعش” في بلدة الباغوز في ربيع عام 2019 التي يُقتل فيها زعيم التنظيم في منطقة خارج الشمال السوري، وفي مكان لا يخضع لسيطرة “هيئة تحرير الشام”، إذ إن البغدادي والقرشيّ كانا قد قُتلا في باريشا وأطمة، وهما منطقتان تقعان على الشريط الحدودي مع تركيا وضمن منطقة خاضعة لسيطرة “هيئة تحرير الشام”.

 

وتتوافق المعلومات التي ذكرها البيان الأميركي مع حادثة مقتل أبو عبد الرحمن العراقي في مدينة جاسم، في درعا، منتصف شهر تشرين الأول الماضي على إثر مواجهات بين فصائل التسوية في درعا، ومن ضمنها اللواء الثامن التابع لفرع الأمن العسكري السوري في المنطقة الجنوبية، مع خلايا لتنظيم “داعش”. وقد ذكرت المعلومات في حينه أن المواجهات استمرت لأكثر من ست ساعات متواصلة، وأن العراقي قام بتفجير نفسه بحزام ناسف كان يرتديه.

 

ويعرف أبو عبد الرحمن العراقي بألقاب كثيرة منها “سيف بغداد” و”أبو خالد الإدلبي” و”أبو الأمين”، وفق ما ورد في بيان صادر عن الفصائل التي اشتبكت مع خلايا التنظيم في مدينة جاسم.

 

وكانت روسيا قد أعلنت عن مسؤوليتها عن مقتل العراقي عبر بيان صادر عن قاعدة حميميم، أكدت من خلاله أنها في 15 تشرين الأول استهدفت مجموعة من التنظيم في مدينة جاسم، وقد قتل جراء ذلك العشرات من بينهم عراقي. ولكن “تجمع أحرار حوران” كذّب البيان الروسي وأعلن في 17 منه مقتل العراقي على يد فصائل التسوية.

 

واعتبر عبد الوهاب عاصي، الباحث في “مركز جسور للدراسات” المعارض، أن استخدام القيادة المركزية الأميركية وصف “الجيش الحر” في بيان الإعلان عن مقتل زعيم “داعش” له دلالتان، الأولى أنّ الولايات المتحدة ماضية قدماً بتوسيع دور “جيش سوريا الحرة” الذي أعلنته من قاعدة التنف نهاية تشرين الأول. والثانية أنّ مكافحة الإرهاب لن تكون بعد الآن مقتصرة على “قسد”.

 

ولم يستبعد مراقبون موالون للحكومة السورية أن تكون استعادة واشنطن مصطلح “الجيش السوري الحر” الذي عفّى عليه الزمن ولم يعد له وجود على أرض الواقع، إنما يعبّر عن رغبة واشنطن في قطع الطريق على أي رواية يمكن أن تنسب مقتل زعيم “داعش” إلى فصائل رديفة للجيش السوري أو مقربة من روسيا.

 

ويحمل مقتل القرشي في درعا، في حال صحة المعلومات الأميركية، دلالات كثيرة، قد يكون أهمها أن تنظيم “داعش” لم يعد يعتبر مناطق الشمال السوري ملاذاً آمناً لقياداته وكوادره، وأن مفعول قراره التوجه نحو مناطق الاحتلال التركي أو مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” الذي اتخذه منذ هزيمته في الباغوز، قد انتهى ولم يعد يتناسب مع ضرورات المرحلة.

 

ويأتي ذلك في فترة كثّفت فيها أنقرة حملاتها الأمنية ضد كوادر “داعش” ضمن الأراضي التركية أو الأراضي السورية الخاضعة لسيطرتها، وقد أعلنت أخيراً اعتقال بشار الصميدعي المعروف بلقب “الأستاذ زيد” الذي كان يعتقد أنه هو أبو الحسن القرشي، غير أن البيان الأميركي من شأنه أن يناقض هذه الرواية. وسبق ذلك قيام تركيا بلعب أدوار بارزة في اعتقال عدد من قيادات “داعش” وتسليمها إلى السلطات العراقية.

 

وقد يكون “داعش” قد استشعر زيادة الخطر على قياداته الموجودة في الشمال السوري، وأدرك أنه لا أمل له في إيجاد بيئة آمنة تستوعب قياداته وخلاياه، لذلك حاول البحث عن ملاذ بديل، وقد يكون وجد في محافظة درعا، بما يحيط بها من تعقيدات دولية وإقليمية وفلتان أمني كبير، منطقة مرشحة لأداء هذا الدور.

 

ورغم الرواية الأميركية التي نسبت مقتل القرشي إلى “الجيش السوري الحر”، وما سبق ذلك من جدال واسع حاولت من خلاله فصائل المعارضة في درعا أن تنفي وجود أي دور للجيش السوري في محاربة خلايا “داعش” في درعا، فإن مقتل زعيم “داعش” في مدينة جاسم من شأنه أن يؤكد صحة الرواية السورية حول تزايد نشاط “داعش” في المحافظة، الأمر الذي دفعه إلى القيام بأكثر من حملة أمنية لطرد هذه الخلايا ومحاربتها، مستعيناً بالضغط على الوجهاء والأهالي لرفع الغطاء عن “الأجانب” و”الغرباء” الموجودين فيها. وقد يؤدي ذلك إلى دخول مدينة درعا في عين العاصفة، ويزيد من التصعيد الأمني فيها بعدما تبين بما لا يدع مجالاً للشك أن “داعش” قد اختارها لتكون ملاذ قيادته وكوادره.

 

Exit mobile version