خاص الهديل :
يجري البحث عن “تسوية” تؤدي إلى انتخاب رئيس للجمهورية.. وهناك قوى سياسية تقول بالفم الملآن: لا انتخاب لفخامة الرئيس، إلا إذا تم الاتفاق على تسوية على انتخابه تسبق جلسة الانتخاب في مجلس النواب!!.
وهذا المفهوم عن التسوية كما يتم طرحها، تعني على الطريقة النيابية أن يتم تطبيق واحدة من عدة نماذج من التسويات المرشحة للحدوث.. والفكرة هنا هي انه من دون “اتفاق مسبق خارجي يتم اسقاطه على الداخل اللبناني” أو “صدام في الشارع يسبق الاتفاق”، فإن البلد سيبقى من دون رئيس؛ إذ أن الأمثولة اللبنانية تقول ان الإنتخاب بمفرده كما يحدث في كل العالم، ليس هو الطريقة للخروج من الفراغ الرئاسي في لبنان.
وبالعادة فإنه حتى تحصل انتخاب فخامة الرئيس؛ فإنه يجب أن تحصل تسوية تؤدي إلى عقد جلسة متفق على كل تفاصيلها مسبقاً لكيفية انتخاب فخامة الرئيس.
النموذج الأكثر رواجاً للتسوية تسمى بالمصطلح اللبناني “تسوية على البارد” وهي تتم بالعادة من خلال حصول اتفاق في الخارج على اسم الرئيس، ويتم اسقاطه على الأحزاب اللبنانية التي تتكيف بسرعة مع “التعليمة الخارجية”، وبسحر ساحر ينقلب الاستعصاء إلى انفراج، وتعقد جلسة انتخاب لفخامة الرئيس على وجه السرعة.
والدول التي بالعادة تتحول إلى مطبخ لصناعة فخامة الرئيس اللبناني، هي بشكل رئيسي الولايات المتحدة الأميركية وبمقابلها يكون هناك دولة اقليمية كبرى تدخل على خط التسوية مع أميركا على اسم الرئيس. وهذه الدولة الإقليمية تتغير بحسب ظروف الصراع الاقليمي، وذلك من مرحلة إلى أخرى.
وفي الماضي كانت مصر لفترة غير قصيرة، تؤدي دور الجهة الإقليمية التي تبرم معها واشنطن تسوية على اسم الرئيس في لبنان؛ وفي مرحلة أخرى لعبت سورية هذا الدور ، وفي مراحل عديدة كان للسعودية حصة في هذه العملية كونها تمثل ثقل عربي لا تكتمل تسويات المنطقة من دون مشاركتها أو مباركتها أو حتى مجرد وجودها كشاهد وضامن. واليوم يتم الإشارة إلى أنه من دون وجود دور ضروري لطهران والرياض مع واشنطن في ابرام تسوية على اسم الرئيس، فإنه من شبه المستحيل اخراج أزمة انتخاب فخامة الرئيس، من عنق الزجاجة.
وحتى اللحظة يبدو أن قنوات الاتصال بين هذه العواصم الثلاث حول انتخاب الرئيس اللبناني لا تزال مقفلة. علماً أنه قبل أسابيع قليلة فتحت قنوات الاتصال بين أميركا وطهران وجرى الاتفاق ليس فقط على انتخاب فخامة الرئيس العراقي، بل أيضاً على اسم دولة رئيس الحكومة العراقي.
..وحالياً هناك انتظار في لبنان لأن يحدث عندنا ما حدث في العراق؛ بمعنى أن لا يكون الاتفاق الإيراني الأميركي السعودي فقط على اسم فخامة الرئيس بل أيضاً وبنفس الوقت وضمن ذات التسوية، على اسم دولة رئيس الحكومة.. والسبب، أنه بعد الطائف في لبنان، وبعد تغيير الدستور في العراق، لم يعد هناك معنى سياسي جوهري لإبرام تسوية خارجية على اسم رئيس للجمهورية في البلدين من دون أن يصاحب ذلك الاتفاق على تسمية دولة رئيس الحكومة في البلدين. وهذا يؤشر إلى أن واقع السلطة في العراق وفي لبنان انتقل من القصر الجمهوري إلى مجلس الوزراء، وبمثلما ان الأكراد في العراق باتوا هم حاملو لقب فخامة الرئيس قليل الصلاحيات، فإن الموارنة في لبنان استمروا يحملون لقب فخامة الرئيس ناقص الصلاحيات أيضاً؛ أما الشيعة العراقيون فوصل إليهم لقب دولة الرئيس مع صلاحيات اضافية، كما ان السنة في لبنان حافظوا على لقب دولة الرئيس مع زيادة على صلاحياته.
والواقع ان تشابه الأدوار في المرحلة الجديدة بين الأكراد في العراق وفي المنطقة، وبين الموارنة في لبنان والمسيحيين في المنطقة، يطرح أسئلة عن هذه المكونات التي يمكن تسميتهم ب” طوائف الاضطراب السياسي”، وعن مشروعية او عدم مشروعية مطالبتها بحلول لأزماتها أو للأزمات التي تتسبب بها لبلدانها، بفعل عدم رضاها عن ما تملك من حقوق وامتيازات تعتقد أنها حقا لها وسلبت منها..
وعلى هذا يمكن القول ان نموذج التسوية على اسم الرئيس في الخارج، كما اعتاد عليه اللبنانيون في الماضي، تغيرت قواعده اليوم كثيراً، وذلك بفعل ان لبنان شهد تغيرات جوهرية على مستوى ثلاثة أمور:
الأمر الأول يتمثل بأن معنى رئيس الجمهورية لن يكون كاملاً سياسياً، إلا إذا تصاحب مع تسمية رئيس الحكومة إلى جانبه وربما قبله.
الأمر الثاني يتمثل بأن الدولة الإقليمية المطلوب منها ان تتقاطع مع واشنطن لتنجح تسوية تسمية فخامة الرئيس، هي إيران وليست بدرجة أولى دولة عربية.. وهذا الأمر يعقد شروط نجاح التسوية الخارجية على اسم كل من فخامة الرئيس ودولة الرئيس.
الأمر الثالث يتصل بأن التسوية الخارجية لها هذه المرة سقفان: سقف دولي عنوانه واشنطن وتساعد فيه باريس؛ وسقف إقليمي عنوانه هذه المرة طهران والرياض وتساعد فيه مصر ان رغبت.
وما تقدم يعني ان التسوية الخارجية على فخامة الرئيس هي تسوية بممرين اثنين: دولي – إقليمي (واشنطن – طهران) واقليمي – عربي (طهران – الرياض). وهكذا لا يعود فقط لبنان منزلاً ببيوت كثيرة، بل أيضاً تسوية بطوابق خارجية عديدة.