الهديل

خاص الهديل: كيف صنع عون “النزعة المسيحية الباسيلية”.. ولماذا يصف صهره بـ”نابليون”..

خاص الهديل:

من السهل والتبسيط في آن واحد، أن يدعي جبران باسيل، ومن أمامه أو من ورائه الجنرال ميشال عون، أنه يخوض معركة صلاحيات الموارنة والمسيحيين داخل نظام الطائف أو داخل ميثاقية توازن الحكم في لبنان؛ ولكن من الصعب عليهما أن يجعلا المسيحيين يصدقون ادعاءاتهما هذه، وذلك بعد أن تبين للمسيحيين أن الرئيس عون قضى ثلاثة ارباع عهده يقاتل لتمكين صهره باسيل داخل السلطة، وذلك تحت عنوان أنه يقاتل لاسترداد حقوق المسيحيين في النظام اللبناني.

إن إعلان “الحرب المقدسة” على جلسة يوم الإثنين الحكومية، وتحميلها دلالات أكثر خطورة من دلالات انهيار البلد الذي حصل خلال عهد عون؛ هو سذاجة سياسية، ولكنها بنفس الوقت تعتبر سذاجة خطرة. 

ووجه الخطورة هنا يكمن بالنقاط التالية: 

أولاً- يجب الاعتراف بأن المسيحيين يشعرون فعلاً بأن خللاً ما غير قليل، تعرضوا له.. والحقيقة أن سبب هذا الخلل هو أن دورهم داخل بلد الأرز تعرض للتآكل، وليست صلاحيات مواقعهم في الدولة وفي نظام الطائف هي التي تعرضت للإنتقاص منها. 

وفي هذه النقطة يجب التذكير مرة تلو الأخرى، بأن تجربة المسيحيين خلال الجمهورية الأولى (جمهورية صيغة الـ٤٣) كان فيها نجاحات مهمة، ولكن كان فيها أيضاً اخفاقات كبيرة.. وبالمحصلة فإن هذه التجربة، وبفعل أسباب مختلفة ومركبة، وصلت في العام ١٩٧٥ إلى منعطف خطر قاد لاندلاع الحرب الأهلية التي هددت وجود التجربة اللبنانية برمتها.. وهذا التطور حتم ضرورة أن يراجع المسيحيون تجربة الجمهورية الأولى التي أعطت دوراً متقدماً في الصلاحيات للرئيس الأول المسيحي.

..وضمن هذه الخلفية يصبح صحيحاً القول أن دستور الطائف منح المسيحيين “هدنة مع الذات” قبل أن يمنحهم أيضاً هدنة مع الشريك المسلم بعد حرب المائة ألف شهيد أو ضحية، وذلك بمثلما ان اتفاق الطائف منح المسلمين فرصة إضافية ليتكيفوا مع التجربة اللبنانية الفريدة التي ظهر خلال الحرب الأهلية أنها مكلفة ودموية. 

وهذه الإشارات السريعة يجب أن تقود العقلاء في التيار الوطني الحر إلى مطالبة باسيل بعدم أخذ الصراع مع حكومة ميقاتي إلى المربع الميثاقي والمربع المسيحي – الإسلامي؛ حيث أنه من حق باسيل أن يعترض سياسياً على عقد جلسة للحكومة، ولكن ليس من حقه ولا من مصلحة البلد والمسيحيين، أن يعلن عليها “الحرب المسيحية المقدسة”. 

  

ثانياً- مشكلة المسيحيين ليست في باسيل ومواقفه؛ بل في إمكانية أن تتحول المسيحيية اللبنانية الى النزعة الباسيلية؛ نظراً لكون الحالة العامة للمسيحيين تمر بإحساس بالاضطراب العام، وهي قد تفترض أن المواجهة تؤمن نوعاً من الهروب الى الامام؛ وهو الأمر الذي يؤمن حاضن اجتماعي سياسي نفسي لباسيل الذي يتقصد أيضاً الهروب الى الامام بعد انتهاء حصانة رئاسة عمه، حتى يتلافى السقوط. 

وبمقابل هذه التشوهات الباسيلية الضارة بالمسيحية اللبنانية؛ يلاحظ أن هناك أدواراً مطلوبة في وقت انها مفقودة.. وبمقدمة هذه الأدوار بكركي التي يحب عليها ترشيد الخطاب الوطني المسيحي، ودفعه لأن لا تتوغل فيه النزعة، أو النزعات الباسيلية التي تمتاز بأنها تدعو للهدم وليس لإعادة التأسيس. 

وحتى لا تكون هذه السطور نوعاً من التهويل يجدر التذكير بوقائع تسود داخل ما يطيب للبعض تسميته بالحالة أو الظاهرة الباسيلية. فيما تسميه هذه السطور بالنزعة الباسيلية. 

ومن هذه الوقائع أن سنوات حكم عون خلقت بيئة مسيحية تفكر بعقل باسيل وتقيس ازدهار صلاحيات المسيحيين من عدمه، بميزان حجم ما يحصل عليه باسيل من صلاحيات داخل كل مؤسسات الدولة، أو عدم حصوله على هذه الصلاحيات. والحق يقال أن الرئيس ميشال عون استخدم كل رصيده المسيحي وكل تاريخه، ليس لدعم عهده، بل لدعم النزعة الباسيلية داخل التيار العوني بدرجة أولى، وداخل الشارع المسيحي بدرجة ثانية، وعند حلفائه غير المسيحيين (حزب الله) بدرجة ثالثة. وقاد هذا الأمر إلى تكريس “النزعة الباسيلية” داخل معادلة عون المسيحية والاسلامية، وهي النزعة التي تعني “أن موالاة باسيل هي المعيار للقرب أو البعد عن العونية السياسية المسيحية”.. ولقد نجح عون في أن يخلق داخل التيار البرتقالي وداخل بيئته المسيحية الأوسع وداخل حليفه حزب الله ما يمكن تسميته “بعقدة” عدم التخلي عن باسيل الذي يتعرض – حسب تسمية الخطاب العوني- للاغتيال السياسي.. ومع اصرار عون على حماية النزعة الباسيلية في سياساته، صار من الصعب تفكيكها رغم كل ما أصاب صورة باسيل من تشوهات.

..والعارفون بأسرار بيئة الجنرال ميشال عون الضيقة. يعرفون أن الجنرال كان ولا يزال يثق بعناد بأن باسيل هو “هبة مشروعه داخل الساحة المسيحية”، كما ان النيل هي هبة مصر. وبالنسبة لعون فإن باسيل هو شخصية تشبه “نابليون” لبنان وحتى المشرق، كما يلقبه عون.  

والواقع انه بانتظار أن تدرك بيئة الجنرال عون أن باسيل ليس نابليون؛ وبانتظار ان يترجل باسيل عن حصان طروادة، فإنه توجد حاجة ماسة لصوت العقل المسيحي الذي يتدخل بغرض إنهاء خرافة النزعة الباسيلية التي لا تزال تمارس مغامرة قيادة القرار المسيحي عن طريق إحراجه شعبوياً حتى يذهب للمغالاة مسيحياً وإفتعال صراع صلاحيات ميثاقية، علماً أن الطائف يحسم هذا الجدل.

Exit mobile version