أعلن البنك الدولي في أحدث موجز أصدره عن الهجرة والتنمية ونشره عبر موقعه الالكتروني، أن “التحويلات إلى البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل قد زادت بنسبة 5% لتصل إلى 626 مليار دولار، وذلك على الرغم من التطورات المعاكسة التي شهدها عام 2022 على الصعيد العالمي”. وأشار التقرير الى أن “نسبة التحويلات في لبنان بلغت 38% وهي تعتبر كبيرة”.
وأوضح أن “هذه النسبة تقل بشكل حاد عن الزيادة المسجلة في عام 2021 والتي بلغت 10.2%”. وتُعد التحويلات مصدراً حيوياً لدخل الأسر المعيشية للبلدان منخفضة الدخل، كما أنها تخفف من حدة الفقر، وتحسن نواتج التغذية، وترتبط بزيادة وزن المواليد وارتفاع معدلات الالتحاق بالمدارس للأطفال في الأسر المحرومة. وتظهر الدراسات أن التحويلات تساعد الأسر المستفيدة على بناء القدرة على الصمود في وجه الأزمات، على سبيل المثال من خلال تمويل تحسين ظروف السكن وتحمل الخسائر في أعقاب وقوع الكوارث.
وأشار البنك الدولي في تقريره إلى أن “العديد من العوامل ساهمت في تشكيل تدفقات التحويلات إلى مناطق البلدان النامية في عام 2022. فمع انحسار جائحة كورونا، أدت إعادة فتح الاقتصادات المضيفة إلى رفع مستويات تشغيلهم وتدعيم قدرتهم على الاستمرار في إرسال المساعدات إلى أسرهم في بلدانهم الأصلية. ومن جانب آخر، كان لارتفاع الأسعار آثاره السلبية على قيمة الدخل الحقيقي للمهاجرين. وكان لارتفاع قيمة الروبل أيضاً أثره في ارتفاع القيمة الدولارية للتحويلات الخارجة من روسيا إلى بلدان آسيا الوسطى. وبالنسبة لأوروبا، كان لتراجع اليورو أثره المعاكس في خفض القيمة الدولارية لتدفقات التحويلات إلى منطقة شمال أفريقيا وإلى مناطق أخرى. أما في البلدان التي عانت من قلة العملات الأجنبية وتعدد أسعار الصرف، فانخفضت تدفقات التحويلات المسجلة رسمياً مع تحول تلك التدفقات إلى قنوات بديلة تقدم أسعارا أفضل”.
وتعليقا على ذلك، قال المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للحماية الاجتماعية والوظائف بالبنك الدولي ميكال روتكوفسكي: “يساعد المهاجرون في التخفيف مما تعانيه أسواق العمل في البلدان المضيفة من قلة عرض الأيدي العاملة، وهم في الوقت عينه يقدمون الدعم لأسرهم من خلال التحويلات. وقد ساعدت سياسات الحماية الاجتماعية الشاملة العمالَ على التغلب على حالات عدم اليقين التي خلفتها جائحة كورونا وذلك في ما يتعلق بالدخل وفرص العمل. ومثل هذه السياسات يكون لها تأثيرات عالمية من خلال التحويلات، ويجب ألا تتوقف.”
وأشار التقرير الى ان “أفريقيا هي المنطقة الأكثر تعرضاً للأزمات المتزامنة، بما في ذلك موجات الجفاف الشديد والارتفاعات الحادة في أسعار الطاقة والسلع الغذائية العالمية. وتشير التقديرات إلى أن التحويلات إلى منطقة أفريقيا جنوب الصحراء قد زادت بنسبة 5.2% مقارنة بنسبة 16.4% في العام الماضي. وفي المناطق الأخرى، تشير التقديرات إلى أن تدفقات التحويلات قد ارتفعت بنسبة 10.3% إلى أوروبا وآسيا الوسطى، حيث أدى ارتفاع أسعار النفط والطلب على العمال المهاجرين في روسيا إلى زيادة التحويلات، بالإضافة إلى الأثر المترتب على تقييم العملات. وفي أوكرانيا، يُقدر نمو التحويلات بنسبة 2%، وهو أقل من التوقعات السابقة حيث تم إرسال الأموال للأوكرانيين في البلدان التي تستضيفهم، ومن المرجح أن تزيد نسبة التحويلات المالية التي تُسلم باليد. ويقدر نمو تدفقات التحويلات بنسبة 9.3% في منطقة أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي، و3.5% في منطقة جنوب آسيا، و2.5% في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، و0.7% في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ. وفي عام 2022، وللمرة الأولى، يقترب بلد واحد وهو الهند من تلقي تحويلات سنوية تفوق 100 مليار دولار.
وفي قسم خاص حول الهجرة الناجمة عن تغيُّر المناخ، يشير الموجز إلى أن الضغوط المتزايدة جراء تغير المناخ من شأنها أن تؤدي إلى زيادة معدلات الهجرة الداخلية في البلدان المتضررة وأن تتسبب أيضاً في تراجع سبل كسب العيش. ومن المرجح أن يقع العبء الأكبر من الضرر على كاهل الفئات الأشد فقراً لأنها غالباً ما تفتقر إلى الموارد اللازمة للتكيف مع تغير المناخ أو الانتقال إلى العيش في مناطق أخرى. وتشير الدراسات إلى أن الهجرة يمكنها أن تلعب دوراً في التكيف مع التأثيرات الناجمة عن تغير المناخ، من خلال توفير سبل نجاة من الكوارث وأيضاً من خلال التحويلات المالية وغيرها من أشكال الدعم للأسر المتضررة، وذلك على سبيل المثال. وقد تتطلب مواجهةُ التحدي الذي تفرضه الهجرة المرتبطة بتغير المناخ تغيير ما يتصل بها من أعراف قانونية وأطر مؤسسية دولية، لا سيما في سياق التنقل عبر الحدود، مثلما هو الحال في الدول الجزرية الصغيرة”.
وفي هذا الصدد، قال كبير مؤلفي تقرير الهجرة والتنمية ورئيس شراكة المعارف العالمية للهجرة والتنمية ديليب راثا: “لقد استجاب البشر عبر التاريخ لتدهور المناخ عبر التنقل بغرض البقاء على قيد الحياة. لهذا سيكون التخطيط للهجرة الآمنة والمنتظمة في إطار إستراتيجيات التكيف أمراً ضرورياً لإدارة عمليات النزوح في المناطق المتضررة وما ينتج عنها من تدفق أعداد كبيرة من الأشخاص إلى المجتمعات المحلية المستقبلة للمهاجرين. كما ينبغي النظر إلى إستراتيجيات التنمية الوطنية والإقليمية من منظور الهجرة المرتبطة بتغير المناخ.”
ويبرز الموجز كذلك “كلفة إرسال 200 دولار عبر الحدود الدولية إلى البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، حيث ذكر أنها ظلت مرتفعة عند مستوى 6% في المتوسط في الربع الثاني من عام 2022، وذلك وفقاً لقاعدة بيانات البنك الدولي لأسعار التحويلات في العالم. وتمثل شركات تشغيل شبكات الهاتف المحمول أرخص وسيلة لإرسال الأموال (3.5%)، لكن نسبة استخدام القنوات الرقمية تقل عن 1% من إجمالي حجم المعاملات المُنَفَذة. وتتيح التقنيات الرقمية خدمات تحويلات أسرع وأرخص كثيراً. إلا أن عبء الامتثال للوائح مكافحة غسل الأموال ومحاربة تمويل الإرهاب لا يزال يفرض قيوده على تعامل مقدمي خدمات التحويلات الجدد مع المصارف المراسلة. كما تؤثر هذه اللوائح أيضاً على حصول المهاجرين على خدمات التحويلات الرقمية”.
ولفت التقرير الى أن “التقديرات تشير إلى أن التحويلات إلى منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ شهدت ارتفاعاً بنسبة 0.7% لتصل إلى 134 مليار دولار في عام 2022، ما أدى إلى الحد من تراجعها خلال العامين الماضيين. كما أدى نقص العمالة في قطاعي الضيافة والصحة في اقتصادات البلدان مرتفعة الدخل وارتفاع أسعار النفط الذي جاء في صالح دول مجلس التعاون الخليجي، إلى ارتفاع الطلب على العمال في عام 2022، الأمر الذي ساهم في زيادة التحويلات. ومع ذلك، تشير التقديرات إلى أن التحويلات إلى الصين قد انخفضت بنسبة 4% تقريباً، مدفوعة بالقيود المفروضة على سفر العمال إلى الخارج بسبب السياسات المتعلقة بالتصدي لجائحة كورونا. ومن بين الاقتصادات التي تشكل فيها تدفقات التحويلات نسبة كبيرة من إجمالي ناتجها المحلي تونغا (50%) وساموا (34%). ومن المتوقع أن تنخفض التحويلات بنسبة 1% في عام 2023 بسبب تردي الأوضاع في بلدان المقصد. كما ارتفعت كلفة إرسال 200 دولار إلى بلدان المنطقة لتسجل 6.2% في المتوسط في الربع الثاني من عام 2022، مقارنة بنسبة 5.8% قبل عام.
وفي ما يخص منطقة أوروبا وآسيا الوسطى، تشير التقديرات إلى أن تدفقات التحويلات قد زادت بنسبة 10.3% لتصل إلى 72 مليار دولار في عام 2022. كما أدى ارتفاع أسعار النفط والطلب على العمال المهاجرين إلى زيادة تدفق التحويلات من روسيا إلى بلدان آسيا الوسطى. أما ارتفاع قيمة الروبل مقابل الدولار فكان له أثره في ارتفاع القيمة الدولارية للتحويلات الخارجة من روسيا إلى هذه البلدان. وكنسبة من إجمالي الناتج المحلي، فقد تجاوزت حصيلة التحويلات إلى جمهورية قيرغيزستان وطاجيكستان 30%. ومن المتوقع أن يشهد عام 2023 المزيد من الانخفاض في تدفقات التحويلات لتهبط إلى 4.2% بسبب ضعف الآفاق المستقبلية للبلدان الرئيسية المرسلة للتحويلات المالية. وارتفعت كلفة إرسال 200 دولار إلى بلدان المنطقة بشكل طفيف حيث بلغت 6.4% في المتوسط في الربع الثاني من عام 2022 (البيانات لا تشمل ممرات التحويلات التي مصدرها روسيا).
وتشير التقديرات إلى ارتفاع التحويلات إلى منطقة أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي بنسبة 9.3% في عام 2022 حيث بلغت 142 مليار دولار. وتُظهر بيانات الأشهر التسعة الأولى من عام 2022 زيادة بنسبة 45% لنيكاراغوا، و20% لغواتيمالا، و15% للمكسيك، و9% لكولومبيا. وساهمت الزيادة في نسبة تشغيل المهاجرين من أميركا اللاتينية في الولايات المتحدة في ارتفاع تدفقات التحويلات. كما ساهمت التحويلات التي يتلقاها المهاجرون العابرون في تدفقات قوية في المكسيك وبلدان أميركا الوسطى. وتتجاوز التحويلات 20% كنسبة من إجمالي الناتج المحلي في كلٍ من السلفادور وهندوراس وجامايكا وهايتي. في عام 2023، من المرجح أن يتراجع نمو التحويلات إلى 4.7% بسبب ضعف الآفاق الاقتصادية للولايات المتحدة وإيطاليا وإسبانيا. وبلغت كلفة إرسال 200 دولار إلى بلدان المنطقة 6% في المتوسط في الربع الثاني من عام 2021، ارتفاعاً من 5.6% قبل عام.
وبالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تشير “التقديرات إلى أن التحويلات إلى بلدانها النامية قد زادت بنسبة 2.5% في عام 2022 لتصل إلى 63 مليار دولار، مقارنة بنسبة زيادة بلغت 10.5% العام الماضي. ويرتبط البطء في نمو التحويلات جزئياً بتآكل مكاسب الأجور الحقيقية في منطقة اليورو، حتى مع زيادة الطلب على التحويلات في بلدان الموطن في خضم تدهور الأوضاع هناك، ومنها موجات الجفاف التي ضربت بلدان المغرب وارتفاع أسعار واردات القمح. وكنسبة من إجمالي الناتج المحلي، تعتبر التحويلات كبيرة في لبنان (38%) والضفة الغربية وقطاع غزة (19%). ومن المتوقع أن تنمو تدفقات التحويلات بنسبة 2% في عام 2023. وبلغت كلفة إرسال 200 دولار في المتوسط إلى بلدان المنطقة 6.3% في الربع الثاني من عام 2022.
ونمت التحويلات إلى بلدان منطقة جنوب آسيا بما يقدر بنحو 3.5% لتصل إلى 163 مليار دولار في عام 2022، ولكن هناك فروقاً كبيرة في ما بين بلدانها، بدءاً من الارتفاع المتوقع في التحويلات إلى الهند بنسبة 12% – التي تسير على طريق تلقي تحويلات تصل إلى 100 مليار دولار هذا العام – مروراً بزيادة قدرها 4% في نيبال، ونهاية بتراجعٍ إجمالي بنسبة 10% لباقي بلدان المنطقة. ويعكس تيسير تدفقات التحويلات إيقاف العمل بالحوافز الخاصة التي قدمتها بعض الحكومات لجذب هذه التدفقات وقت تفشي الجائحة، فضلاً عن تفضيل المهاجرين استخدام قنوات التحويل غير الرسمية التي توفر أسعار صرف أفضل. وتعززت التحويلات إلى الهند من خلال ارتفاع الأجور وقوة سوق العمل في الولايات المتحدة وبلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية الأخرى.
أما في بلدان المقصد بمجلس التعاون الخليجي، فحرصت الحكومات الإبقاء على معدلات التضخم منخفضة من خلال تدابير الدعم المباشر التي تحمي قدرة المهاجرين على إرسال التحويلات. وبلغت كلفة إرسال 200 دولار إلى بلدان المنطقة 4.1% في المتوسط في الربع الثاني من عام 2022، انخفاضاً من 4.3% قبل عام.
وزادت التحويلات إلى أفريقيا جنوب الصحراء، وهي المنطقة الأكثر تعرضاً لتأثيرات الأزمة العالمية، بنسبة 5.2% لتصل إلى 53 مليار دولار في عام 2022، مقارنة بنسبة 16.4% في العام الماضي (ويرجع ذلك أساساً إلى التدفقات القوية إلى نيجيريا وكينيا). ومن المتوقع أن تنخفض التحويلات في عام 2023 لتسجل 3.9% مع استمرار التطورات المعاكسة على الصعيد العالمي وأيضاً على صعيد البلدان الإقليمية التي تمثل مصدراً للتحويلات. وكنسبة من إجمالي الناتج المحلي، تشكل التحويلات حصة كبيرة في غامبيا (28%) وليسوتو (21%) وجزر القمر (20%). وبلغت كلفة إرسال 200 دولار إلى بلدان المنطقة 7.8% في المتوسط في الربع الثاني من عام 2022، انخفاضاً من 8.7% قبل عام. ويبلغ متوسط تحويل الأموال من البلدان الواقعة في ممرات التحويل الأقل كلفة 3.4% مقارنة بنسبة 25.2% للممرات الأكثر كلفة.
ويذكر أن موجز عن الهجرة والتنمية يحلل الاتجاهات في مؤشرات أهداف التنمية المستدامة المرتبطة بالهجرة وهي: زيادة حجم التحويلات المالية كنسبة مئوية من إجمالي الناتج المحلي، وخفض تكاليف التحويلات، بالإضافة إلى خفض تكاليف توظيف المهاجرين.