بقلم: شيخة غانم الكبيسي
لعل تعبير «زوبعة في فنجان» هو أصدق تشبيه أطلقته سعادة السيدة لولوة الخاطر في إطار تعليقها على محاولات الغرب تسييس كأس العالم 22 والمُقامة حالياً في دولة قطر كأول دولة عربية إسلامية تستضيف هذا الحدث الكروي العالمي. وهو تعبير شائع في البلدان العربية، للدلالة على تقليص الحجم الحقيقي لظاهرة ما؛ على العكس مما قد تبدو. مما أثار في مخيلتي محدودية هذا الهيجان ضعيف الأثر وأنا أتفحص فنجان قهوتي وأقلب نظري بين خطوط ورموز البن الرفيعة المتشابكة بالبقع الداكنة وبين المساحات البيضاء الواسعة التي أغفلتها حبيبات القهوة السوداء دون وعي مكونة لوحة فنية جميلة.لم يكن فنجاني الأول فلقد اعتدت على مذاقه المر منذ عقود رغم معرفتي بأن الإكثار من تناول الكافيين قد يؤدي إلى ارتفاع في ضغط الدم ويسبب هشاشة للعظام إلا أنني أحافظ على صحتي بشكل جيد وأتناولها للاستفادة من كونها مُنبهاً يجعلني متيقظة لأي طارئ، كما أنها تحمي الجسم من السرطان وتقلل من أمراض القلب وتساعد في الوقاية من التهابات الأمعاء.
الخلاصة إن إمكانية ارتفاع نسبة فائدتي تعود إلى كمية وكيفية تعاطي وتذوقي لكل فنجان…نعم تتسبب بعض المشكلات في إثارة الزوابع، لكن سرعان ما تنطفئ ونكتشف أن حجمها لا يتجاوز حجم الفنجان الذي شهد ولادتها، لذا فإنه علينا ألا نعيرها اهتماماً أو نتناقلها لتأطيرها وبالمقابل التوجه للتركيز على وقعها الإيجابي كي نتطور ونتقدم من خلال توظيف مهاراتنا وإنجازاتنا لإظهار قدرة قطر وطاقتها على تنظيم حدث يبقى راسخاً في أذهان العالم.
وهو ما حدث فعلياً ويشهد عليه جميع الحضور والمراقبين محلياً وعالمياً، حيث كان لهذه الزوبعة وقع إيجابي في تكاتف كل الدول العربية والإسلامية والعديد من الدول الصديقة الغربية للدفاع عن قطر بالمشاركة في إبراز الصورة الحقيقية التي يحتلها هذا البلد الصغير ودوره النشط الفعّال في تعزيز الثقافة العربية متمسكاً بمبادئه الدينية وهويته الوطنية، بالإضافة لكشفة الإيديولوجيات الخاطئة التي يتبناها الغرب ضد أي تطور أو تفوق لأي دولة عربية مسلمة، ناهيك عن أن هذا النجاح غير المسبوق لتنظيم دولة عربية لمونديال عالمي أصبح خنجراً وغصة في صدر كل متربص وحاقد على هذه الأمة بعد أن أحرج أكبر الدول بتميزه وتفرده عن باقي النسخ، وغدا إرثاً قطرياً، ستتناقله الأجيال لعقود وسيتم توثيقه لنقل المعرفة والخبرة المكتسبة لكل العاملين في منظومة كأس العالم منذ الإعلان عن فوز قطر قبل اثني عشر عاماً وحتى لحظة إنهاء المونديال وما يتبعها من إجراءات ودراسات تقييمية مستفيضة للتأكد من مدى تحقيق هذه النجاحات لاستراتيجية التنمية الوطنية في تمكين قطر من ترجمة رؤيتها الوطنية 2030 إلى واقع ملموس والتي تنص في نهجها المتدرج على تحويل قطر إلى دولة متقدمة قادرة على تحقيق التنمية المستدامة وعلى تأمين استمرار العيش الكريم لشعبها جيلاً بعد جيل، من خلال الاستفادة من إمكاناتهم ولتحقيق أحلامهم وطموحاتهم عبر توفير مستويات تنمية اقتصادية واجتماعية وبشرية وبيئية مستدامة.ولذلك تركّز استراتيجية التنمية الوطنية على التطوير المستمر للبنية التحتية، بحيث تكون ذات مستوى عالمي، مع صون للطابع المعماري القطري، لتضمن بقاء قطر وجهة مفضلة للزوار والمستثمرين من المنطقة والعالم كله.
ورغم أن الخطة لعصرنة قطر وتحديثها، إلا أنها تشدد في الوقت ذاته على صون الثقافة القطرية ودعمها وتبنّيها القيم الإسلامية المتمثلة في العدالة والتضامن الاجتماعي وعمل الخير، إضافة إلى دعم العادات والتقاليد المتوارثة.
إن استراتيجية التنمية الوطنية هي الوسيلة التي ستمكّن قطر من تحقيق الرؤية الطموحة التي تصبو إليها، إذ ستتيح للمواطنين القطريين تحقيق الوطن الذي يحلمون به، وستحسّن المناخ الاقتصادي للشركات والمستثمرين والباحثين عن عمل، وتوفّر فرصاً تعليمية أفضل، ورعاية صحية أكثر شمولاً وأوسع نطاقاً، وخدمات عامة أكثر فاعلية.وبذلك تكون قطر سرّعت تطورها ووضعت نفسها على المسار الصحيح نحو نمو ثابت ومطرّد ومدروس، بحيث تستمر في تحقيق الإنجازات التي تثير إعجاب وتقدير العالم، وتشكّل مصدر فخر واعتزاز للمواطنين القطريين والمقيمين من خلال تركيزها على مجالات كالرياضة، والبنى التحتية، والرعاية الصحية، والثقافة، والسلامة العامة والأمن، والبيئة، والتعليم وغيرها..وكذلك لاستثنائيتها في إنجازاتها وسياساتها وإدارة شؤونها وصمودها أمام كل التحديات وتخطيها كل المعوقات لنيل الاستحقاق الذي ينتظره كل قطري وعربي وهاوٍ للرياضة في أنحاء العالم كافة.