خاص الهديل:
كثيرون في لبنان يحتفلون بذكرى ميلاد كمال حنبلاط التي تمر هذه الأيام. والبعض من هؤلاء يسمونه “المعلم”؛ وذلك في اقتباس تعريفي يدمج ما بين “مريدي حكماء الهند العقلاء” وما بين “القائد الملهم”، بحسب توصيفات الدول الشمولية.
وبغض النظر عن التسميات؛ فإن كمال جنبلاط هو علامة بارزة في تاريخ السياسة اللبنانية المعاصرة؛ ومن الصعب تكرارها؛ ومن الصعب عدم الاعتراف بفرادتها وبأهميتها، وأيضاً بمجموعة الاشكالات التي طرحتها، وبعضها كان في خدمة لبنان، وبعضها شكّل تحديات داخل لبنان.
يقال عنه أيضاً انه “الاقطاعي الأحمر” أو “الاقطاعي الإشتراكي”؛ وهذا وصف ليس مستغرباً؛ فالمختارة لا يمكنها أن تتخلى عن المكانة المخملية التي تمثلها أو التي ترمز إليها. فهذه المكانة المأخوذة من تقادم الزمن، هي جزء من هيبتها السياسية ومن رمزيتها التاريخية التي تجعلها اقطاعية لجهة أنها تسجن في غرفها السلطة والنفوذ داخل طائفة الموحدين الدروز، وداخل الجبل الذي كان ذات يوم هو “لبنان الصغير”، والذي تم تصميم “لبنان الكبير” حتى يؤمن له الإستمرار.
التقادم في التاريخ هو سر الصلة بين المختارة والمخملية الاقطاعية المنسوبة إليها. والرئيس حسين الحسيني يصوب على هذا السر؛ فيقول “ان المختارة هي آخر إقطاعية في لبنان”؛ ويمكن البناء على ما قد يكون قصده كلام الحسيني، والقول “ان المختارة هي أقدم عائلة سياسية في لبنان”.
وفي ذكرى ميلاد كمال جنبلاط الجد، يتم اليوم بعناية فائقة نقل عباءة الزعامة الجنبلاطية المخملية من الإبن وليد بك إلى الحفيد تيمور بك. وهذه مسافة من الزمن بين الجد والحفيد تتجاوز المئة عام، وفيما لو أضيفت إلى اللائحة نظيرة جنبلاط لأصبح الزمن الجنبلاطي المخملي له أيضاً صفة الوقت المستديم المديد.
ولا يمكن بعجالة ترميم صلات الوصل بين تجربة “جنبلاط الجد” و”جنبلاط الإبن” و”جنبلاط الحفيد”: فوليد بك عاش تحديات الصراع على لبنان؛ فيما كمال بك عاش تحديات الصراع في لبنان؛ أما تيمور بك فهو يراد له أن يكون استمراراً للمختارة، وليس لوليد بك في المختارة أو لكمال بك في المختارة. المشكلة أمام تيمور هو أنه لا يمكنه أن يكرر تجربة والده ولا مكانة والده؛ بمثلما أن وليد نفسه لم يستطع أن يكرر تجربة والده أو مكانة والده؛ ولو أن وليد بك فعل ذلك، لكان ظهر بشكل من يفتعل الدور، ولبس من يؤدي دوره. والحق يقال أن وليد جنبلاط كان حاذقاً حينما فعل أمرين اثنين عند اللحظة الأولى من استلامه زعامة المختارة:
الأمر الأول هو أنه أخذ بقوة لقب البك لنفسه، ذلك أنه حتى تحكم المختارة يجب أن تكون بك، ويجب أن تكون أيضاً مثقفاً ومطلعاً ومتطلعاً دائماً من شرفة المختارة على العالم؛ الأمر الثاني هو قيامه بأخذ قرار حل الحركة الوطنية التي كان يتزعمها والده، والتي كانت عصاه السحرية لتنصيب نفسه قائداً للمعارضين داخل كل طوائف لبنان، وليس فقط زعيماً لطائفته التي يعوزها الكثرة العددية.
والواقع أن وليد بك بإلغائه الحركة الوطنية، كان يعلن أنه الى هنا وصل كمال جنبلاط في المختارة؛ ومن هنا يبدأ وليد جنبلاط في المختارة. وحتى اللحظة لم يحصل تيمور على نقطة بدايته في المختارة؛ فما زال يذرع المسافة الكئيبة بين غرفة والده وغرفة جده، ولا يزال بانتظار الحدث النوعي الذي يصنعه هو بنفسه، ليكون هذا الحدث هو النقطة التي وصل إليها والده في المختارة، وبنفس الوقت هي النقطة التي بدأ منها تيمور بك في المختارة.