ما قصة الجين الذي يتنبأ بساعة الوفاة؟
توصل العلماء إلى العديد من الاكتشافات المذهلة في علم الوراثة، فتعرفنا على الجينات التي تحمل أبرز صفاتنا الوراثية وعلى الطفرات الجينية التي تسبب العديد من الأمراض، لكن هل سمعت مسبقاً عن الجين الذي يمكن من خلاله التنبؤ بساعة الموت؟
جين يتنبأ بموعد الموت..لبداية مع الساعة البيولوجية
لنفهم القصة بشكل مبسط دعونا نتعرف أولاً على ما يسمى بـ”الساعة البيولوجية”.
الساعة البيولوجية هي تعبير مجازي يستخدم للإشارة إلى الكيفية التي يتفاوت فيها أداء أجسامنا على مدار ساعات اليوم.
وتساهم ساعتنا البيولوجية في تنظيم وقت النوم ووقت الشعور بالجوع وكل ما يخضع لتواتر يومي معتاد، إذ تحدد ساعتنا البيولوجية الأوقات التي نكون فيها في أوج نشاطنا وتيقظنا والأوقات التي نكون خاملين فيها، إذ تميل الأمعاء والكبد والقلب إلى العمل بجدية أكبر في أوقات معينة، بغض النظر عن إيقاع الوجبات أو النشاط البدني.
ومع تقدم العلم تمكن الباحثون من تحديد الجينات المسؤولة عن هذه الساعة البيولوجية، كما حددوا أيضاً طفرات جينية نادرة قادرة على تعديل وتغيير الساعة البيولوجية لدى الإنسان. وبسبب هذه الطفرات نجد أن أناساً معينين قادرون على السهر الطويل والنشاط الليلي أكثر من غيرهم، فيما يوجد أناس آخرون قادرن على الاستيقاظ فجراً بكل بساطة وعاجزون في المقابل عن السهر لما بعد الثامنة مساء.
وذهب العلماء إلى ما هو أبعد من ذلك واستطاعوا اكتشاف متغير جيني يُحدد ما إذا كنت ممن يستيقظون باكراً، أم ممن يفضّلون السهر ليلاً.
جين يتنبأ بموعد موتك!
مع تطور البحوث بمجال الجينات واستناداً إلى الدراسات المتعلقة بالجينات المؤثرة على الساعة البيولوجية، اكتشف العلماء شيئاً أكثر إثارة للاهتمام: جين يساعد في تحديد ساعات اليوم التي تزداد فيها احتمالية موت شخص ما، وفقاً لما ورد في موقع harvard.
بدأ العمل على هذه البحوث منذ عدة سنوات، واكتشف العلماء هذا الجين بينما كانوا يدرسون ما إذا كانت هناك مورثات معينة تطور مرض باركنسون أو مرض ألزهايمر.
شمل المشروع البحثي الذي كان مقره جامعة راش في شيكاغو، 1200 شخص بعمر 65 عاماً وافقوا على خضوعهم لفحوصات عصبية ونفسية سنوية، حتى إنهم وافقوا على التبرع بأدمغتهم بعد وفاتهم، وامتدت تلك الدراسة أكثر من 15 عاماً.
وكجزء من البحث، خضع المشاركون لتحليل أنماط النوم واليقظة باستخدام سوار معصم يسمى أكتيغراف Actigraf، والذي يوفر سِجلاً موثوقاً يسجل نمط نشاط الفرد، ويزود الباحثين ببيانات عن أنماط نوم ويقظة المشاركين.
لكن البحث أخذَ منعطفاً غير متوقع عندما قارن الباحثون سلوك نمط النوم واليقظة لدى هؤلاء الأفراد مع أنماطهم الجينية، ومقارنتها لاحقاً مع الأنماط الجينية لدى مجموعة من المتطوعين الشباب.
فقد اكتشف الباحثون نيوكليوتيد واحداً بالقرب من جين يسمى “Period 1” مع العلم أن النيوكليدات عبارة عن أحماض نووية، وهي بمثابة الحروف الأساسية التي تكتب بها الجينات التي تنقل من خلالها صفاتنا الوراثية.
وقد وجد الباحثون أنه في هذا الموقع المُحدَّد من الجين يمتلك 60% من الأفراد (نيكليوتيد) الأدينين (A)، بينما يمتلك 40% من البشر نيكليوتيد الغوانين (G).
مع العلم أن احتمالية امتلاك اثنين أدانين A-A لدى البشر تساوي ٣٦%، بينما احتمالية امتلاك الفرد اثنين من الغوانين G-G هي 16%، أما احتمالية امتلاك الفرد مزيجاً من A وG في هذا الموقع فهي 48%.
ومن المهم أن نعلم أن النمط الجيني يؤثر على نمط النوم واليقظة لجميع الأشخاص تقريباً، فعلى سبيل المثال يستيقظ الأشخاص الذين لديهم النمط الجيني A-A قبل نحو ساعة من الأشخاص الذين لديهم النمط الجيني G-G، وذوو النمط A-G يستيقظون تقريباً في منتصف هذه الفترة.
ولكن هل من الممكن أن تؤثر هذه الأنماط الجينية المختلفة على جوانب أخرى من حياتنا غير النوم واليقظة؟
يقول الدكتور سابر الأستاذ في العلوم والأمراض العصبية بكلية الطب بجامعة هارفارد: “جميع العمليات الفيزيولوجية تقريباً لها روتين يومي، مما يعني أنها تحدث غالباً في أوقات معينة خلال اليوم. حتى إن هناك تواتراً معيناً للوفاة، بحيث يميل الناس وسطياً للموت في ساعات الصباح. وتحديداً نحو الساعة الـ11 صباحاً بشكل تقريبي”.
وعندما درس الباحثون أنماط الأفراد المشاركين في الدراسة (ممن شاركوا منذ أكثر من 15 عاماً في سن 65) والذين ماتوا، وجدوا أن النمط الجيني نفسه تنبأ بست ساعات متفاوتة لوقت الوفاة، فأولئك الذين لديهم النمط الجيني A-A أو A-G ماتوا قبل الساعة 11 صباحاً بقليل، بينما أولئك الذين لديهم النمط الجيني G-G ماتوا وسطياً قبل الساعة الـ6 مساءً بقليل.
ما الفائدة من اكتشاف هذا الجين؟
إذاً وفقاً لما استنتجه العلماء من تلك البحوث، هناك بالفعل جين يتنبأ بوقت الموت خلال اليوم، لكن بالتأكيد فإنه لا يمكن تحديد التاريخ أو حتى الساعة الدقيقة لموت الشخص، كل ما هنالك أن هذا الجين يعطينا مؤشرات حول الساعات التي تزيد فيها احتمالية توقف أجسادنا عن العمل، ولا يزال العلماء عموماً بحاجة إلى مزيد من الدراسات في هذا المضمار. لكن بم قد يفيدنا ذلك؟
تكمن أهمية هذا الاكتشاف في مساعدة الأشخاص على تحسين جداولهم اليومية، وإيجاد تدابير جديدة لحل مشاكل اضطرابات الساعة البيولوجية، التي قد تحدث في حالات مثل الرحلات الجوية الطويلة أو العمل بمناوبات مختلفة في النهار تارة وفي الليل تارة أخرى.
والأهم من ذلك، يمكن أن يساعد هذا الاكتشاف في مجال العلاجات الطبية، وفي مُراقبة حالات المرضى المعرضين للخطر، خاصةً أن “الساعة البيولوجية” تنظم العديد من جوانب البيولوجيا والسلوك البشري، مثل أوقات النوم وأوقات ذروة الأداء المعرفي، وتوقيت العديد من العمليات الفيزيولوجية.
كما أنها تؤثر على توقيت ومواعيد الحالات الطبية الحادة مثل السكتة الدماغية والنوبات القلبية.