الفراغ يُكرّر نفسه
كتب عوني الكعكي:
البارحة كانت الجلسة التاسعة لانتخاب رئيس للجمهورية، والمصيبة ان ما جرى أمس هو تكرار لما جرى ويجري منذ الجلسة الأولى الى الثانية وإلى التاسعة…
ماذا يعني هذا التكرار؟ بكل بساطة انه وفي النظر الى حقيقة الأمور نرى انه يوجد قاسم مشترك بين جميع جلسات الانتخاب هذه، وهو انه لغاية اليوم لا يوجد اتفاق.
“الحزب” يراقب ولا يقول ماذا يريد… بل يضع ورقة بيضاء ويترك للجمهور التكهّن بالاسم الذي يريده الحزب حقيقة، أو يُحلّل أو يجتهد..
الرئيس بري هو الأكثر وضوحاً، إذْ أبلغ جميع النواب الذين يلتقيهم انه يريد الزعيم سليمان فرنجية، ولكنه على استعداد للبحث في أي اسم مرشح يمكن أن يتم التوافق عليه.
قائد “القوات اللبنانية” مستر “NO” فعلاً يريد رئيساً، ولكن للأسف لا يقول صراحة الاسم الذي يريده. اما بالنسبة لطرح اسم النائب ميشال معوض، فـ”الحكيم” مع هذا الطرح، لأنه يعلم انه لا يستطيع أن يصل الى برّ الأمان وينهي المسيرة بنجاح.
الزعيم سليمان فرنجية “عايز ومستغني”، يريد أن يكون رئيساً لكنه لا يسعى الى ذلك، وهو يقول: “إن جاءت أهلاً وسهلاً وإن لم تجىء فليس هناك مشكلة”.
أما وليد بك جنبلاط.. فهو زعيم فريد من نوعه.. لأنه لا يعلم فعلاً ما يريد ومن يؤيّد… ويمكن أن يغيّر كل دقيقة موقفه، وإذا “حزّت المحزوزية” فهو مع السوق و”ألف قلبة ولا غلبة”.
أما بالنسبة لـ «قوى التغيير» في المجلس النيابي الجديد، فقد نجح عدد منهم مستلهمين ثورة 17 تشرين وروحيتها… وبرغم هذا العدد فإننا لم نلمس مشهداً تغييراً منظماً في الأساس، إذ ان الأمر يشير الى لوائح تمّ العمل عليها في اللحظة الأخيرة وبطرائق فرضتها المعركة الانتخابية في بعض الأحيان. علماً ان المجموعات التغييرية لم تقم بشكل كافٍ قبل الانتخابات بتحضير أو “طبخ” برنامج موحّد أو بالاتفاق على حدّ أدنى مشترك من الرؤى السياسية…
من هنا بدأ التساؤل المشروع: في حال أراد التغييريون والمستقلون تنظيم صفوفهم، فعلى أي أسس سيفعلون ذلك؟ ومَن سيكون الشخص المسؤول عن تطبيق وتنفيذ ما قد يتفق عليه؟
من هنا انقسم التغييريون حول تسمية الرئيس… وبدا الانقسام واضحاً في صفوفهم، ما ترك سلبيات عدّة عند المواطنين الذين استبشروا خيراً عند فوز هؤلاء بمقاعد نيابية في المجلس النيابي الجديد. وهذا ما أدّى بالفعل الى “فقدان” أهمية وجودهم وتأثيرهم في جلسات الانتخاب التسع التي تحدّثنا عنها.
وأقول… إنّ هناك من يرى ان انقسام قوى التغيير سيتسبب حتماً بشعور من صوّت لهم أو من آمن بهم بالخذلان بعد أشهر قليلة… لأنهم لم يحققوا شيئاً في كل الاستحقاقات التي قام بها المجلس النيابي الجديد.
ويتخوّف الكثيرون أن يُصاب الجمهور الذي راهن على هؤلاء التغييريين بالإحباط وربما اليأس.
أما بالنسبة للنواب السنّة في المجلس الجديد، فإنّ غياب زعيم “تيار المستقبل” وتياره عن الساحة اللبنانية، أفرز قيادات سنّية جديدة، لا تحمل مؤهلات القيادة ولم تقنع جماهير “السنّة” في لبنان… وهؤلاء رغم تجمع البعض منهم في تجمعات غير فاعلة، اتخذوا قراراً بالتصويت لشعارات بدل أسماء… وباتوا لا يشكّلون بالتالي قوّة تأثير فاعلة… ولولا عودة فيصل كرامي بعد قرار المجلس الدستوري الى مجلس النواب.. لما استطاع أي مراقب أن يلمس أثراً لهؤلاء…
وبالتالي يمكن القول إنّ تأثير السنّة غير واضح المعالم بعد في هذه الانتخابات… ما جعل مجلس النواب يخفق وللمرة التاسعة في انتخاب رئيس للجمهورية، بعد تعذّر حصول أي مرشح حالي على ثلثي أصوات النواب، ولم يتمكّن المجلس بالتالي من عقد جلسة ثانية بعد فقدان النصاب الدستوري (86 نائباً) ما أثار مخاوف من فراغ دستوري في سدّة الرئاسة.
هذا وتترافق الأزمة مع شلل سياسي، يحول دون اتخاذ تدابير تَحُدّ من التدهور الحاصل.