الهديل

الملف: موقع “الهديل” يفتح نقاشاً عن أموال المودعين

الحلقة الأولى

موقع “الهديل” يفتح نقاشاً عن أموال المودعين ضمن ثلاثة عناوين:

١- أزمة وطنية أم أزمة مالية فقط ..

2- خطورة جعل المصارف ضحية المودعين الضحايا.

3- أين حدود مسؤولية الدولة والمصارف 

 

مقدمة

يعتزم موقع “الهديل” فتح ملف استعادة أموال المودعين، ولكن انطلاقاً من كونه أكبر من موضوع حقوق مقدسة ومشروعة، بل من كونه مشروعاً وطنياً يجب على أوسع اتجاهات التفكير في لبنان والخبراء المعنيين أن ينخرطوا في النظر إليه من هذه الزاوية…

لماذا؟ لأن المودعين هم شهداء أحياء وقعوا ضحية فساد كبير، وحقهم استعادة كرامتهم قبل أموالهم.

ثانياً- لأن الجريمة في هذا المجال لا تنحصر فقط في ما حدث لأموال المودعين، بل تتكرر اليوم من خلال ما يتم طرحه من حلول والادعاء أنها الطريقة الأمثل لجعل المودعين يستعيدون أموالهم.

ثالثاً- الأمر الأكثر خطورة في هذا الموضوع هو أن الدولة كما تحاول التهرب من الإصلاحات، فهي أيضاً تحاول التهرب من مسؤوليتها تجاه المودعين وإعادة أموالهم.

رابعاً- .. لأن السؤال الآن على كل النخب واتجاهات التفكير الوطني والاقتصادي هو كيفية مواجهة وتصحيح خطأ المعادلة التي تحاول الترويج لفكرة أن تحميل القطاع المصرفي كلفة ظالمة لحل أزمة الودائع ستضر باستمرار القطاع وبالتالي ستؤدي إلى  ضياع حقوق المودعين..

إن السؤال الذي يجب أن تصوغه هذه النخب الوطنية هو كيف يمكن خلق أُطر وأشكال تضامن فعالة بين هدف الحفاظ على القطاع  المصرفي وهدف إعادة حقوق المودعين، بحيث تنتهي هذه الأزمة بنتائج وطنية تسهم في الهدف الاستراتيجي وهو إعادة تفعيل مجمل الوضع الاقتصادي.

على اتجاهات التفكير اللبنانية أن تحدد بوضوح مسؤولية الدولة في أزمة المودعين وذلك انطلاقاً من كونها هي المسؤولة عن السياسات الاقتصادية والمالية وهي الأب الحاضن للمواطنين؛ إن التخلي عن هذا التعريف للدولة ولمسؤولياتها في أزمة المودعين أو غيرها من الأزمات؛ يهدد بالعودة لتزكية إشكالية دفع ثمنها الوطن غالياً في غير مجال، وهي تخلي الدولة عن مسؤولياتها، ما يؤدي إلى “فراغ دولتي” يؤدي الى تضخم أدوار شاذة أو طفيلية، الخ..

السطور التالية هي مقدمة عامة لمحور نقاش سيخوضه موقع “الهديل” على حلقات متتالية مع مجموعة خبراء اقتصاد ومال وسياسة.

****

واضح أن الدولة تحاول بدعم اعلامي مخادع تجاوز الوفاء بمسؤولياتها تجاه المودعين في البنوك، وذلك عن طريق اتباع خطة أخطر ما فيها أنها تريد وضع المصارف في مواجهة المودعين، علماً أن الف باء علم الاقتصاد يقول أن الدولة هي المسؤولة الأولى عن الهدر والتأخير.
لا تتوخى هذه السطور الدفاع عن المصارف التي لها لسانها العلمي لتدافع به عن نفسها، ولكن ما يجدر لفت النظر إليه هو أن الحقائق غير الواقعية التي تم توزيعها على هذه الجبهة (المودعون) كافية وحدها لتدمير أكبر قطاع في لبنان، وهو قطاع المصارف الذي لا يمكن للاقتصاد أن يقف على قدميه من دونه. ولعل ذلك هو الذي يبرر لماذا يصر اتجاه تفكير علمي واقتصادي ووطني في البلد على اعتبار أنه ممنوع اليأس وأنه يجب ان يستمر الرهان على أمل إعادة تصويب الأمور في هذا المجال،  وأخذ ملف المودعين إلى حل وطني بالدرجة الأولى، وعقلاني وطبيعي وعلمي .. وهذا الحل ينطلق من قاعدة ذهبية يجب تعميم أهميتها؛ وهي أن مصلحة المودعين تحتم عدم انهيار القطاع المصرفي، وبالمقابل أن مصلحة المصارف تحتم عدم فقدان ثقة المودعين بها.
إذن منطق الأمور يقول ان لعبة الدولة والسياسيين لجعل المصارف في خندق مواجه لخندق مصالح المودعين، والعكس صحيح، هي لعبة مفتعلة وتعاكس واقع الحال الطبيعي، ويريد مطلقوها إحراق غابة دور لبنان الاقتصادي الداخلي والخارجي المستند على القطاع المصرفي، لاشعال سيجارة قوامها مكاسب مجموعة من الناس هم على شكل طبقة أو يؤلفون الدولة.
… ولكن تطبيقات هذه المعادلة الذهبية عن ترابط المصلحة بين المصارف والمودعين،  هي ليست فقط مهمة الساعين لعدم تدمير دور لبنان في عالم  المصارف، ولا فقط مهمة الأصوات الواعية المعبرة عن المصلحة البعيدة والمباشرة للمودعين؛ بل هي مهمة الإعلام ونخب الرأي العام؛ بمعنى آخر هي قضية شأن عام وطني.. ومن هنا يجب أن تبدأ معركة الحفاظ على القطاع المصرفي في لبنان الذي لن يكون هناك اقتصاد من دونه، ومعركة استعادة المودعين لحقوقهم لأنه لن يكون هناك قطاع مصرفي في لبنان من دون مودعين، ومن دون مودع متحرر من عقدة عدم ثقته بالمصرف في لبنان.
إن أكبر خطيئة ترتكبها أي خطة اقتصادية للدولة، تكمن في أن لا تنطلق هذه الخطة في موضوع ملف جسر هوة الخسائر المالية وقضية أموال المودعين من أمرين اثنين:
الأول، ضرورة أن تحمل خطة إعادة أموال المودعين في أهدافها الاستراتيجية الغايات الوطنية التالية: الغاية الأولى التعامل مع ما حصل مع أموال المودعين، ليس على أساس أنها خسارة وقعت في متجر صغير تعرض للإفلاس أو للنهب، بل على أساس أن وطناً ودولة تعرضا لنوع صادم من الإفلاس، وعليه فإن المعالجة لا يجب أن تكون بحجم “تصحيح حسابات دكنجي” كما يجري الآن، بل بحجم اصلاح بنيوي اقتصادي وطني، وهو الأمر الذي لا يجري الآن.. وتحت هذا العنوان يجب على أي خطة اقتصادية وطنية ان تطرح على الدولة سؤالاً عن كيفية استعادة دور المصارف رغم هذه الأزمة، وليس عن كيفية جعل المصارف تدفع ثمن هذه الأزمة وتصبح ضحيتها؟ علمًا أن رأس مال المصارف الذي كان فوق ٢١ مليار دولار في سنة ٢٠١٩ خسرته ودفعت حصة الخسارة الإجمالية بكل رأسمالها.
أما الغاية الثانية فهي كيفية إعادة بناء الصورة المعنوية للدولة في الوعي العام للمواطن.. لا يمكن لأي خبير اقتصادي رزين أن يراهن على خروج البلد من الأزمة من دون النجاح في اخراج صورة وفكرة الدولة المشوهة من عقل وتفكير المواطن. والغريب أن ما يجري الآن هو أن الدولة تحاول أن تسلط الضوء على هدف تعزيز صورة عدم ثقة المواطن بالمصارف، ظناً منها أنها بذلك لا تعود مطالبة بتنفيذ الإصلاحات التي يقول العالم أنه من دونها لن تعود ثقة المواطن بالدولة في لبنان ولن تتم الإصلاحات التي تعيد نظام لبنان الاقتصادي والمالي إلى سويته.
لم يعد خافياً في هذا المجال أن المطالبة بالاصلاحات وطرحها كشرط مسبق وحاسم كي يقدم العالم المساعدة للبنان، ليس موقفاً سياسياً بقدر ما هو خارطة طريق منطقية اقتصادية للتعافي؛ فالإصلاح يعني وجود قرار دولة، والقرار يعني وجود ارادة؛ والأخير يستدرج الثقة بأن الدولة هذه المرة تتمتع بإرادة اصلاحية قوية، ولن تكرر أخطاء الماضي.
Exit mobile version