الهديل

خاص الهديل: الحوار الداخلي والمجهول الخارجي !؟ ..

خاص الهديل:

 

بغض النظر عن هوية الجهة التي تدعو لحوار داخلي؛ وبغض النظر عما إذا كان هذا الحوار الداخلي سيعقد على شكل طاولة تتحلق حولها كل القوى السياسية اللبنانية، أو على شكل جولات من المباحثات الفردية مع كل حزب وشخصية على حدا؛ فإن الأساس في نجاح أي حوار هو توفر قناعة به لدى المشاركين فيه بأنهم يحتاجون إليه، وبأنهم من دون حصوله فإنهم سيواجهون المجهول.

..وهذه القناعة لا تتوفر اليوم؛ ذلك أن جميع القوى الداخلية تقريباً، تعتقد بأنها ضمن ظروفها الحالية غير مضطرة لدفع ثمن التسوية الداخلية المطلوبة لإنقاذ البلد. وبكلام آخر، فإنها تعتقد أن البلد إذا كان بحاجة لتسوية عاجلة، فهي تستطيع الانتظار حتى تحسن شروطها في أية تسوية جديدة.. وفيما هناك قناعة بأن البلد لا يستطيع أن ينتظر، فإن الأحزاب واثقة بأنها تستطيع الانتظار، وواثقة بأن الانهيار المعيشي للناس والاقتصادي للبلد، لن يؤثر على مكانتها داخل طوائفها؛ والدليل موجود، وهو خروجها رابحة أو أقله غير مهزومة، من الانتخابات النيابية التي كان توقيتها بمثابة استفتاء حول ما إذا كان الانهيار المعيشي الشامل الذي حصل في البلد، أثّر سلباً على شعبية أحزاب السلطة التي تسببت به، أم أنها لم تؤثر؟؟..

وعلى نحو صادم، ظهر أن هذه الإنتخابات بدل ان تكون فرصة لمحاسبة الأحزاب ودفعها لدفع ثمن تسوية تنقذ البلد، فإنها تحولت إلى فرصة للاحزاب التي تحصنت بنتائجها، كي تستسهل الهروب من دفع ثمن تسوية إنقاذ البلد.

 

..وضمن ظرف أن القوى السياسية لا تشعر بأية ضغوط داخلية عليها، وضمن ظرف أنها لا تشعر بأي ضغط خارجي جدي عليها؛ فإنها لن تذهب إلى حوار وطني مخلص من أجل الحل؛ بل قد تقبل بحوار من أجل تصريف الوقت، وجس نبض كيف يمكن حماية امتيازاتها فيما لو حصل الحوار الجدي المصحوب بضغط داخلي وخارجي، لاحقاً.

 

وبالاجمال فإن الثقافة التي تسود بين أحزاب الطوائف اليوم هي التالية:

– الاعتقاد بأن لحظة البلد الراهنة، ليست ناضجة لإجراء الحوار الداخلي من جهة، وليست ناضجة لأن يبادر الخارج بمبادرة فاعلة تجاه لبنان من جهة ثانية.

– .. وعليه، فإن الحوار الوطني الجدي هو أمر مستحيل الحصول حالياً، وكبديل له فإن بعض هذه الأحزاب – التي تريد تسوية مرحلية لتمكين دورها في السلطة، وليس لتمكين وضع البلد من خلال التسوية – تطرح الحوار من أجل الاتفاق على إسم الرئيس، علماً أن تحديد اسم فخامة الرئيس يحتاج إلى عقد انتخابات جدية، ولا يحتاج إلى عقد حوار .. وعلماً أن الحوار ليس بديلاً عن ممارسة الانتخاب.. وعلماً أن الحوار ليس بديلاً عن الخيار الديموقراطي في إعادة إنتاج السلطة!!

– ان منطق أحزاب الطوائف يقول أن الحوار ليس هدفه حل “مشاكل البلد الكبرى”، بل حل “الخلافات الصغرى” بين احزاب الطوائف على محاصصة السلطة..

.. ومنطق الأحزاب يؤمن بأنه طالما لا توجد إشارات خارجية عن توجه لإرساء تسوية وحل في لبنان، فإن الحوار الداخلي هو مضيعة للوقت.. وببساطة فإن هذه الاحزاب اعتادت على الحوار من أجل الحل في البلد مع “جهة” ليست موجودة في الداخل، حيث تسلفها الأحزاب موقفاً، لقاء ثمن سياسي داخلي تتقاضاه بمقابله.. وهذه “الجهة” تارة ما تكون إقليمية أو دولية أو “إقليمية دولية” مشتركة. والمهم أن هذه الجهة الخارجية هي من تفضل الأحزاب أن تدفع الثمن لها مقابل قبولها بتسوية داخلية، وذلك بدل أن تدفع هذه الأحزاب ثمن التسوية للمواطنين اللبنانيين ولمصالحهم في العيش في دولة القانون وفي وطن مستقر.

وفي ظل الإصرار على منطق انتظار الفرص الخارجية الدسمة التي توزع المكاسب على “أقوياء” في بلد مهزوم ومنهار، يمكن هنا ملاحظة كيف تعاطت أحزاب الطوائف التي تصر على انتظار الحل الدسم الخارجي وليس أي حل خارجي، مع ماكرون ومبادرته:

تبين الوقائع ان مشكلة مبادرة ماكرون، تقع في أن أحزاب الطوائف رأت فيها مبادرة “فرنسية أقل من دولية”، وانها اعتمدت على عاملين اثنين:

الأول الاستثمار في عامل وجود ضغط داخلي شعبي على أحزاب الطوائف.. 

والثاني – عامل ان المبادرة لا ترفع شعار “كلهن يعني كلهن” ما اعتبره ماكرون أنه يقدم إغراءات لأحزاب الفشل كي تتلقف مبادرته!!.  

لكن ما تفاجأ به ماكرون هي أن هذه الأحزاب لا تقيم وزناً للضغط الداخلي، وأنها تنام على وسادة شعبية مريحة لها، بغض النظر عن الطريقة التي تحقق فيها هذا الأمر. كما أن هذه الأحزاب لا تثق بأن ماكرون هو العنوان الخارجي الذي يمكنه إعطاء ضمانة لها كي تحافظ على امتيازاتها في السلطة قبل التسوية وبعدها. أضف إلى ذلك أن هذه الأحزاب ستكون مستعدة لأن تتعامل بجدية مع مبادرة ماكرون، فقط في حال كانت مبادرته تعبر عن قرار أميركي – دولي من ناحية، وقرار سعودي – عربي من ناحية ثانية. وهذان الأمران لم يتوفرا بمبادرة ماكرون حتى الآن.

وكل ما تقدم جعل من السهل على الأحزاب اللبنانية التي تعهد قادتها في قصر الصنوبر بالالتزام بما اتفقوا عليه مع الرئيس الفرنسي؛ أن يكذبوا على ماكرون، كون هذه الأحزاب تعرف ان الأخير يتكلم بإسم باريس فقط وحتى ليس بإسم أوروبا، وأن واشنطن لا تعارضه ولكنها لا تؤيده، وأن العرب يسيرون معه حتى يفشل، وليس حتى ينجح..

والواقع أن كل تجربة ماكرون في لبنان تقول أمراً أساسياً وهو أن أية مبادرة خارجية تجاه لبنان يجب أن تستند على دعم أميركي واضح لها، وأي مبادرة عربية تجاه لبنان يجب أن تستند على دعم سعودي واضح لها.. وأي حوار أو مبادرة داخلية في لبنان، ستصبح مسرحية ولن تنجح إلا في حالة واحدة، وهي أن يكون هناك قناعة داخلية بأن هذا الحوار الداخلي، يسبق بتوقيته وجود توجه في الخارج، ووجود إعداد لإنتاج تسوية دولية من أجل لبنان.  

..وعليه يمكن القول أن الحوار الداخلي سيكون مهماً ومنتجاً، في حال جرى بتوقيت يسبق استعداد الخارج لإبرام تسوية خارجية في لبنان. أما إذا حصل هذا الحوار الداخلي من دون أفق حل دولي أو من دون وجود جهد دولي تكون بدايته في واشنطن ونهايته في الرياض، فإن هذا الحوار الداخلي سيعطي نتائج عكسية وضارة؛ وسيجعل التباعد الداخلي أكبر وأصعب.. فلذلك نصحت بعض المراجع في لبنان بالتنبه لمعادلة أنه “لا حوار داخلي مع المجهول الخارجي”..

Exit mobile version