بالتزامن مع أزمة محروقات غير مسبوقة تعاني منها مناطق سيطرة النظام السوري، سجّل سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي انهياراً قياسياً جديداً، ما أدى إلى ارتفاع جنوني بأسعار المواد الأساسية في السوق السورية، وسط أنباء تتحدث عن أن مصرف سوريا المركزي وصل إلى حافة الإفلاس، وهو غير قادر على دفع رواتب الموظفين خلال الفترة القادمة.
وأظهرت تطبيقات إلكترونية تراقب سعر صرف الليرة السورية في السوق السوداء وصول سعر الصرف إلى حاجز 6200 ليرة سورية لكل دولار أميركي واحد، لتسجل بذلك الليرة ارتفاعاً تاريخياً يحدث للمرة الأولى، في حين لا يزال مصرف سوريا المركزي يحافظ على تسعيرة 3015 ليرة لكل دولار.
أسباب الانهيار
ويعيد الباحث الاقتصادي ومدير منصة “اقتصادي” يونس الكريم الأزمة، الى أزمة المشتقات النفطية، موضحاً لـ”المدن”، أن أزمة المحروقات أدّت إلى انخفاض القدرة الشرائية لدى المواطن السوري مدفوعة بعدم قدرة المنشآت الصناعية والتجارية على ممارسة أعمالها، ورفع أسعار منتجاتها نتيجة ارتفاع كلفة النقل والتشغيل والتصنيع، لافتاً إلى أنها بدأت تفكر بإغلاق أعمالها.
وبالتالي، ولّدت الأزمة يقيناًً عند السوريين بأن الحياة داخل مناطق سيطرة النظام باتت شبه مستحيلة، وأن لا مستقبل ولا جدوى من البقاء هناك، مما دفعهم إلى بيع عقاراتهم وممتلكاتهم بالليرة السورية وشراء الدولار بقيمته من السوق السوداء، الأمر الذي زاد الطلب على الدولار وانهيار سعر الليرة بالنتيجة.
ويضيف الكريم، أن لانهيار سعر الصرف عوامل كثيرة، معقدة ومركبة بدأت منذ العام 2005، لكن الأهم في الانهيار التاريخي الحاصل حالياً هو إصرار المركزي السوري على تطبيق حزم القرارات المتعلقة بمنع التداول غير بالليرة السورية ومنع الحوالات المالية وملاحقة شركات الصرافة، الأمر الذي دفع باللاجئين السوريين في الخارج للإحجام عن إرسال الحوالات المالية إلى ذويهم في الداخل، مما شكّل ضغطاً إضافياً على توفر الدولار بالسوق السورية، وتسجيل هذا الانهيار التاريخي لليرة.
هل أفلس المركزي السوري؟
في غضون ذلك، تداولت أوساط إعلامية أنباءً عن إفلاس المصرف المركزي السوري، واستعداده خلال الأشهر الثلاثة القادمة للإعلان عن عدم قدرته على دفع رواتب الموظفين والعسكريين العاملين في مؤسسات حكومة النظام، إلا أن المركزي نشر بياناً نفى من خلاله تلك الأنباء.
وقال البيان إن مصرف سوريا المركزي “ينفي بشكل قاطع ما يتم بثه من إشاعات كاذبة مسمومة على بعض وسائل التواصل الاجتماعي، حول احتمال التأخر بتسديد رواتب العاملين في الدولة للشهور القادمة”، مؤكداً “توفر السيولة الكافية لسنين وليس فقط لشهور، كما يطمئن المصرف المواطنين بوجود مخزون كافٍ من القطع الأجنبي”.
ويوضح الكريم أن نبأ إفلاس المركزي السوري غير دقيق حرفياً وصحيح عملياً، أي أنه عاجز تماماً على تمويل المستوردات بما في ذلك المحروقات التي تتم بالقطع الأجنبي، لكنه في الوقت نفسه، يحتفظ بكتلة مالية ضخمة من العملة السورية يستطيع من خلالها دفع المستحقات المالية للمؤسسات السورية من ضمنها أجور العاملين والموظفين.
سيناريوهات الحل
وعن السيناريوهات التي سيتبعها المركزي السوري للتعامل مع الانهيار الحاصل، فإن الكريم لا يتوقع أن تكون لدى المصرف تلك الحلول الناجعة التي يمكن اتباعها للتعامل مع الانهيار، وبناءً عليه، سيتم اللجوء إلى حكومة النظام التي ستعمل على تشديد القبضة الأمنية على المتعاملين بالدولار، والضغط على بعض امراء الحرب للمساعدة على ضخ بعض القطع الأجنبي في السوق السورية.
كما يؤكد أن حكومة النظام ستلجأ إلى الأمم المتحدة وإظهار بيانات وصور لتردي الوضع الإنساني، مما سيدفع بعض الدول العربية والأوروبية إلى تقديم مساعدات عبرها من أجل منع موجة لجوء جديدة للسوريين نحو تلك الدول إضافة إلى خصخصة القطاعات الحكومية على مبدأ التشاركية، لافتاً إلى ان هناك ملامح اتفاق بين النظام والامارات على قرض بقيمة 4 مليارات دولار مقابل استثمار مصفاة بانياس لـ 30 عاماً.