الهديل

خاص الهديل: امتحان المرشحين لرئاسة الجمهورية: “الرؤساء النباتيون”!!

خاص الهديل:

 

عام ١٩٧٠ كان السباق الرئاسي بين سليمان فرنجية والياس سركيس على أشده؛ وكان كمال جنبلاط أحد الأصوات الذهبية في هذه الإنتخابات. ولقد قرر جنبلاط حينها أن يستعير إحدى الطرق الشائعة التي تستعملها بالعادة الدول الكبرى لتقرر لأي مرشح للرئاسة في الدول الصغيرة ستعطي دعمها. وبموجب هذه الطريقة “تمتحن” هذه الدول المرشحين عبر توجيه أسئلة محددة لهم، والمرشح الذي تكون أجوبته الأكثر قرباً مما تريده الدولة الممتحنة، فهو من يحظى بدعمها.

..آنذاك علم جورج حاوي المقرب من المختارة مضمون الأسئلة التي وضعها كمال جنبلاط ليمتحن بها المرشحين المتنافسين سليمان فرنجية والياس سركيس؛ وقرر حاوي أن يطلع فرنجية على مضمون الأسئلة قبل موعد الامتحان؛ فأرسلها إليه تحت جنح الظلام مع كريم مروه الذي قام بتدريب “أبو طوني” الجد على كيفية انتقاء أجوبته بشكل يناسب ما تريد ان تسمعه المختارة.. وبالفعل نجح سليمان فرنجية في الإمتحان ورسب سركيس.. وما زاد حينها من حظوظ فرنجية عند كمال جنبلاط، هو أنهما كانا يشتركان في العداء للمكتب الثاني ولغابي لحود، الخ..  

..حتى دمشق كانت تختار مرشحيها لرئاسة الجمهورية، أو حتى مرشحيها لما دون منصب الرئاسة الأولى، عن طريق إما إرسال أسئلة لهم بواسطة وسطاء، أو عبر طرحها مباشرة عليهم من قبل الرئيس حافظ الأسد نفسه.  

وكان الرئيس حافظ الأسد يمتحن طالبي المناصب من اللبنانيبن، بأسلوب ملتوي، وبأسئلة موحية وليست مباشرة. وحينما كان طالب المنصب يخطيء بالإجابة على أسئلة حافظ الأسد، كان الأخير يغير الحديث معه، ثم ينهي المقابلة.

ومشهودة في هذا المجال تلك المحادثة بين رينيه معوض وسليم الحص، حيث شكا الأول أمامه من أن الجهة التي امتحنته لتؤيده لرئاسة الجمهورية، ربطت دعمها لترشيحه للرئاسة بموافقته على شرط مسبق، وهو أن يتعهد بأنه لو أصبح رئيساً للجمهورية فإنه سيخرج ميشال عون بالقوة من قصر بعبدا. وقال معوض للحص: “أن القضية فيها دم.. وأنت كما تعرف أنا لا أستطيع أن أقتل عصفوراً”.. فأجابه الحص: وأنا لا أستطيع أن أكل عصفوراً!!.

..ثمة آنذاك من أطلق على الحص ومعوض، لقب “الرؤساء النباتيين”.. وهذا الوصف لم يزعج – أقله – الحص الذي كان بمناسبة أخرى سأل الرئيس حافظ الأسد عن مأكولاته المفضلة؛ فأجابه “أبو سليمان” الذي كان يبدأ مقابلته بأحاديث خاصة ومطولات عامة: أنا نباتي لا أتناول اللحم في غذائي.. ورد الحص “أنت الأسد الوحيد في العالم النباتي، ولا يأكل اللحم”.

إن تقليد الدول التي “تمتحن” مرشحي الرئاسة، عبر توجيه اسئلة محددة إليهم، هو تقليد قديم، وبالعادة تمارسه الدول الكبرى مع الدول الصغيرة التي بينها لبنان، واقتبست هذا التقليد شخصيات وجهات محلية نافذة، لتثبت من خلاله انها ناخب محلي مع امتلاكها حق الفيتو.

والواقع أن كمال جنبلاط في زمن الجمهورية الأولى، كان يمتحن بالأسئلة والمناورات السياسية أيضاً، مدى قرب المرشح للرئاسة الأولى منه، ومدى صبر المرشح للرئاسة الثالثة عليه.. فالمختارة على عهد كمال جنبلاط، لم تكن فقط تضع الأسئلة لتمتحن المرشحين للرئاسة الأولى؛ بل كانت تضع المناورات لتمحتن قوة أعصاب المرشحين للرئاسة الثالثة.. وطالما قرر كمال جنبلاط فجأة أن يغيب عن المشاركة بمشاورات دولة الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة؛ ويذهب الى الهند ليقضي شهراً مع رياضة اليوغا، وكان دولة الرئيس المكلف ينتظر في بيروت على أعصابه عودة جنبلاط من الهند حتى تنفرج الأمور في لبنان.

وحتى في زمن دولة ياسر عرفات في حي الفاكهاني (طريق الجديدة)، ووصاية غازي كنعان في لبنان، ازدهر تقليد امتحان المرشحين عن طريق توجيه أسئلة محددة إليهم.

واليوم يتم الحديث عن حزب الله بوصفه الجهة التي تمتحن المرشحين للرئاسة الأولى، وذلك من خلال طرح عدة أسئلة عليهم؛ وفي حال أجاب المرشح عنها بالشكل الذي يرضي حارة حريك فإنه يصبح قريباً من نيل تأييد حزب الله؛ أما إذا جاءت إجابته معاكسة لما يريده الحزب؛ فإن تأييد حارة حريك له يصبح مستبعداً.

ويشاع أن الأسئلة التي يمتحن بها الحزب المرشح لرئاسة الجمهورية عادة ما تكون مزيجاً من الرغبة بإستكشاف أجوبته وموقفه من قضايا محلية واقليمية محددة، وعلى رأسها موقف المرشح من “المقاومة وسلاحها” ومن “حلفاء المقاومة الإقليميين وخصومها المحليين والإقليميين” (إيران وسوريا)، الخ..

وبكل الأحوال فإن السيد حسن نصر الله هو من يصوغ الأسئلة، وهو من يعطي العلامة على إجابات المرشحين الذين يوافقون على أن تمتحنهم حارة حريك والذين أيضاً يوافق الحزب على إعطائهم فرصة المثول أمام أسئلته الرئاسية.

إن الفكرة التي تربط بين أمس لبنان الرئاسي ويومه الراهن الرئاسي، وذلك بمناسبة الحديث عن امتحان المرشحين للرئاسة الأولى؛ هي أن عملية إنتاج رئيس للجمهورية منذ البداية، كانت ولا تزال تتم بطريقة التسوية عبر الإمتحان السياسي، حيث المرشح الأوفر حظاً هو الذي يجيب بالإيجاب على شروط القوى النافذة، ثم لاحقاً وتالياً تختتم عملية انتقاء فخامة الرئيس بطريقة الانتخاب في مجلس النواب.. وما تجدر ملاحظته أن المرشحين للرئاسة الذين يتم امتحانهم من جهات محلية أو خارجية، يواجهون غالباً أسئلة رئاسية لا تناسب في الشروط التي تتضمنها، “المرشحين النباتيين”.. فطاولة التسوية الرئاسية عادة ما يجتمع حولها مرشحون وناخبون غير نباتيين!!.

Exit mobile version