خاص الهديل:
الحلقة الثانية: السيد والجنرال: “لا يوجد غير باسيل داخل مستقبل مار مخايل “..
هذه المرة ستخيم على الاجتماع المنتظر بين “الجنرال الثمانيني المتسمة حياته بالعواصف و”السيد” الذي دخل النصف الثاني من عمره المكثف، خليطاً من المشاعر المتناقضة بعد كل الذي حدث منذ ١٧ تشرين ٢٠١٩ حتى الآن، فضلاً عن الإرادة المتباينة بينهما بخصوص كيفية التعامل مع الغيوم الداكنة التي تخيم على فضائهما جراء “فلتات تصرفات باسيل”.
وسيشعر الرجلان خلال لقائهما بأن تجربتهما المشتركة التي بلغت العقد الثاني من العمر، دخلت مرض الشيخوخة المبكرة، ويعتريها التعثر والتعب والوهن والتشويش..
سيكون صعباً خلال لقائهما، أن يحاولا تجاهل القدر الكبير من الاهتزاز الذي أصاب نموذجهما السياسي المسمى اتفاق مار مخايل.. ولو بصمت، سيلاحظ عون ونصر الله ان السياسة هي كأعمار الناس، تشيخ وتصاب بالوهن والاكتئاب حينما تستهلكها الاحداث وتنغصها الضغوطات. وسيلاحظان ان تحالف مار مخايل بات أشبه بطاعن في السن أضاع عكازه وصار توازنه محل ترقب لمعرفة مدى ثبات خطوته التالية.
…ان ثقل الزمن الذي مضى؛ وعبء الوقت الراهن والحذر من الوقت المتبقي؛ كلها عوامل ستحفز الرجلين على أخذ صورتين اثنتين للقائهما: الأولى لاستعادة الذكريات من خلال بريق نظراتهم المتجمرة.. والثانية للمستقبل، أو بالأحرى للذكرى التي تشي بأن ما ذهب من الوقت، بات أكثر بكثير مما بقي منه. لقد مرت مياها كبيرة في النهر منذ لحظة عودة عون من المنفى، ومنذ لحظة استشهاد الحريري، ومنذ لحظة خروج بشار الأسد من بيروت ودخول نصر الله الى سورية.
لقد تبدلت الأدوار الاستراتيجية فوق رقعة الشطرنج الجيوسياسية؛ وحينما سيشترك الرجلان اليوم بالنظر إليها، سيكتشفان انهيارات وتصدعات كبيرة وتوجس من احتمالات “كش ملك” على غير صعيد داخل لبنان وخارجه.
داخل لبنان سيعتبر الجنرال انه من جهته كان وضع استراتيجية قادرة أن تجعل لمار مخايل تطبيقاً سياسياً على أرض الواقع، مفادها: الرئيس المسيحي القوي الذي يملك كتلة نيابية كبيرة وثقل وزاري داخل الحكومة، يستطيع أن يعوض نقص صلاحيات فخامة الرئيس الذي أخذها الطائف.. لكن ما حصل هو أن السهم المسموم جاء من الخلف، أي من حليف الشريك الشيعي في مار مخايل (أي بري) الذي أعلن “الجهاد الأكبر” المقدس على الرئيس المسيحي القوي. وبدل أن يواجه “مسيحيو مار مخايل” خصومهم الطبيعيون من الطوائف الأخرى، وضعوا بمواجهة حلفائهم الجدد الشيعة. وهكذا سقطت التجربة التي كانت واعدة…
من ناحيته نصر الله سوف يعترف ربما أن انخراطه بالمعركة الإقليمية من سورية إلى اليمن، كانت قراراً إستراتيجياً، لكنها كانت من جهة ثانية مكلفة سياسياً وبشرياً ونفسياً، والأهم من ذلك أن مدة معركة حزب الله في الخارج طالت أكثر ما كان يتوقع هو نفسه؛ وهذا ترك انعكاسات قاسية وسلبية على طموحات وضع حلف مار مخايل داخل لبنان.
…ولكن الطرفين (عون ونصر الله)، رغم ما حصل، ورغم ما هو عليه الوضع اليوم، سيصران على التمسك بنقطة خلاصهما الاستراتيجية التي يتقاطعان عندها، وهي “القدرة الفائقة على الانتظار..”
والواقع أن هذه الميزة (الانتظار) وصلت لعون ونصر الله كل على حدا؛ بالنسبة لنصر الله فهي وصلته من بيئة المشيخية الشيعية التي ينتمي إليها.. وبالنسبة لعون فهي وصلته من تجربته مع ثورة ١٧ تشرين. وقبلها مارس تطبيقاتها حينما كان منفياً.. كما ان بيئة “العسكرتاريا اللبنانية” (الجيش اللبناني) التي منها عون، تنتهج ولو بشكل جزئي استراتيجية الانتظار لتمرير الوقت الداخلي الصعب بدل ان تواجهه ما قد يؤدي إلى تعريض وحدة الجيش للخطر. هكذا فعل فؤاد شهاب مع أحداث ١٩٥٨؛ وهكذا مرر الجيش في غير مرحلة الوقت الصعب باستخدام استراتيجية الانتظار..
وكل هذا يقود لخلاصة أن كلاً من “الجنرال” و”السيد” سيفضلان خلال لقائهما “انتظار الفرص” على أن يعترفا “بانهيار الفرص”…
تمثل فكرة الانتظار داخل “المشيخية الشيعية”، نوعاً من الميل القوي لتعليق النكبات والاخفاقات على شماعة انتظار الوقت ليتسنى تحقيق ما يمكن تسميته “بالانتصار الإلهي” عليه. وهذا تقليد في التعامل مع الأحداث الكبرى وحتى مع الوجود، وصلت إلى نصر الله من الاعتقاد بفلسفة الانتظار الدينية لدى الشيعة التي يتشدد بالاعتقاد بها بخاصة المؤمنون بولاية الفقيه وبالبعد الايماني الغيبي للمذهب الشيعي..
إن “استراتيجية الانتظار” هي خيار لم يعد هناك غيره، لتكون هي مضمون “الصفقة الجديدة” بين نصر الله وعون.. أما أفق هذه الصفقة بينهما التي تستند على مقولة دينية: “الخير فيما وقع” وحدث مع عون وباسيل؛ وعلى مقولة عون السياسية القائلة “لنجرب مرة ثانية مع باسيل”؛ فهو يؤشر للاعتماد على حصان واحد للقضية به وهو باسيل، كونه ليس هناك وريث لعون عند نصر الله سوى باسيل، وليس هناك عند عون خليفة له في تحالف مار مخايل سوى صهره باسيل الذي يعتبره الجنرال بأنه الأهم بما لا يضاهي بين أصهرته الثلاثة.
يتبع
((غداً الحلقة الثالثة)) ..