الهديل

“شهيدان” ينضمان إلى لائحة ضحايا انفجار بيروت: الجريمة مستمرة

أعلنت لجنة أهالي شهداء ومتضرري انفجار مرفأ بيروت، وبعد أكثر من عامين ونصف العام على ذكرى الرابع من آب، عن “انضمام” عبد الرحمن بشيناتي، وأيوب الجوني، إلى قافلة الضحايا الشهداء.. لتضاف إلى اللائحة المشؤومة أسماء جديدة، بعد معاناة طويلة مع الآلام.

الاستسلام الأخير..
في الرابع من تشرين الثاني، خلال الوقفة الشهرية لأهالي الضحايا، أجرت “المدن” مقابلة مع أيوب جوني، الذي ردّد عبارة “الموت أسهل، فكل يوم 4 آب”. حينها أجرى توصيفاً بسيطاً لحالته النفسية وحزنه على بتر قدميه وتوقف حياته العملية وعجزه عن التحرك بشكل نهائي.

حينها، شارك أيوب في الوقفة الشهرية لأهالي الضحايا، وطلب من الدولة اللبنانية تأمين كرسي متحرك فقط ليتنقل براحة، إلا أن مطلبه لم يحقق. خسر أيوب معركة صموده في الرابع من كانون الأول 2022، والتحق بالضحايا إثر إلتهابات حادة أدت إلى تلف بعض الأعضاء، ما أدى لتفاقمها  إلى جلطة قلبية.

“المدن” تواصلت مع عائلة جوني هاتفياً، رفضت زوجته الإدلاء بأي تصريح، واكتفت بالقول “إن الموت حق”. وربما الموت خفف معاناة أيوب اليومية لتأمين أدويته اللازمة في ظل تقاعس الدولة اللبنانية عن مساعدته لتلقي علاجه اللازم.

المواجهة الأخيرة
عبد الرحمن بشيناتي (47 عاماً) أصيب في الرابع من آب في قدمه التي عانى منها طويلاً، بسبب الالتهابات الحادة من جروح الألواح الزجاج التي وقعت عليه. تنقل بين عدة مستشفيات منذ عام 2020، وأجرى عمليات عدة لمعالجة جروحه.

عبد الرحمن أب لثلاث فتيات، حلا (13 عاماً)، فرح (10 أعوام)، لين (8 أعوام)، وهو المعيل الوحيد لهم، بعد طلاقه من والدتهن. عمل في الدفاع المدني لأكثر من 19 عاماً، وانقلبت حياته رأساً على عقب بعد انفجار 4 آب.

بدأت رحلة علاجه في مستشفى الرسول الأعظم، ثم انتقل إلى مستشفى المقاصد، وبعد أن عجزت عائلته عن تأمين تكاليف طبابته التي تراكمت عليهم، وُضع في منزله لعدة أسابيع ثم نُقل بعدها إلى مستشفى الحريري، الأمر الذي أدى إلى تدهور حالته الصحية ليموت بعدها مستسلماً لآلامه.

في حديث “المدن” مع رجاء بشيناتي، شقيقة عبد الرحمن، تقول أن الدولة اللبنانية قتلت عبد الرحمن عدة مرات. المرة الأولى لحظة تفجير مرفأ بيروت، والمرة الثانية لحظة إهماله وعدم مساعدته لتلقي علاجه اللازم، والمرة الثالثة حين يتّمت ثلاث فتيات، وبدأن في رحلة صراع الصعوبات المعيشية.

“تنقّل لأشهر طويلة على كرسيه المتحرك، وعجز بعدها عن تحريك أعضائه، وأخرجناه عدة مرات من المستشفى مرغمين بسبب حالتنا المادية الصعبة، فدخل غيبوبة طويلة ومات”. تتابع رجاء: “كان يعلم أنه يواجه لحظات الموت، فكان يبكي كثيراً ويطالب بتأمين المسكنات لتخفيف آلامه القوية. إذ كان يعاني من وجع دائم في الرأس بسبب إصابته، ولما شعر أنه سيموت في المستشفى، ودّع بناته ورحل..”.

وُضعت بنات عبد الرحمن في مدرسة داخلية بسبب شدة فقر العائلة، وخلال الزيارة الأسبوعية لبيت عائلتهن، تشارك الفتيات عماتهن في غرفة واحدة تضم 7 أشخاص. غرفة مظلمة في شوارع منطقة برج البراجنة، تضيئها أشعة الشمس، وتفوح منها رائحة الرطوبة التي لا تحتمل، الأمر الذي أدى إلى تدهور حالة الفتيات الصحية.

تقول لين (13 عاماً) لـ”المدن”: “أشتقنا لأبي كثيراً، أصلي له يومياً وأقرأ له الأدعية ليرتاح، ولكننا لسنا سعداء في مدرستنا الداخلية، ونريد أن نعود إلى عائلتنا فنحن بحاجة لهم”. ربما مطالب الفتيات هي حقوقهن الطبيعية ولكنهن يرغبن بأمنية واحدة فقط، أن تؤمن لهن وجبات غذائية تضم بعض اللحم، وثياب سميكة تغطي أبدانهن الباردة.

وفاة الجريحين عبد الرحمن بشيناتي، وأيوب الجوني، تذكير قاسٍ بالجريمة الأصلية، وبالضحايا جميعهم. بل تذكير للبنانيين بما اقترفته دولتهم ولا تزال.

Exit mobile version