الهديل

خاص الهديل: حادثة بلدة ” العاقبية ” بين حدود اتفاق كاريش الأميركي وحدود القرار ١٧٠١ الأوروبي!! ..

 

خاص الهديل:

حادثة بلدة العاقبية المؤسفة التي أسفرت عن مقتل جندي ايرلندي من اليونيفيل، وجرح ثلاثة اخرين، لو وقعت قبل اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل؛ لكانت مؤشراتها ستكون اخطر ، ولكانت ستدعو لقلق اكبر، و ستجر تحليل اعمق لخلفياتها. ولكن بعد اتفاق كاريش – كما يحلو للبعض تسميته- ، فإن ما حدث ضد اليونيفيل في بلدة العاقبية ستتم ادانته من الجميع بما في ذلك حزب الله ، لكن الاضواء الدولية التي ستسلط على خلفيات هذه الحادثة، ستكون خافتة، وغير ميالة للتصعيد.

والفكرة المستجدة هنا هي ان ” اتفاق كاريش” ، أو اتفاق الترسيم البحري – بحسب تسميته الرسمية – خلق في الجنوب، وعلى الحدود بين لبنان وإسرائيل، واقعا جديدا غير معلن، لكنه موجود؛ ومفاده ان الاستقرار في الجنوب وفي منطقة الحدود ، أصبح بعد اتفاق كاريش، بمثابة حاجة مهمة لكل شبكة الدول المنضوية في منظومة غاز شرقي المتوسط، نظرا لأن الهدوء في الجنوب له بعد اتفاق كاريش، بعدا مصلحيا اقتصاديا عالميا واقليميا. 

صحيح ان اتفاق ترسيم الحدود البحرية اللبناني الاسرائيلي، لم تصل تطبيقاته إلى البر بين لبنان واسرائيل، ولكن موجبات حمايته والحفاظ على إنجازاته الاقتصادية، تفرض ان تكون التهدئة في البر مشمولة بعناية “الأطراف القادرين” الذين انخرطوا كل من موقعه ووزنه، وكل بأسلوبه ، بالسماح لاتفاق الترسيم البحري ان يبصر النور.. ولعل هذا المعطى المستجد في الجنوب وعلى الحدود اللبنانية الإسرائيلية ، هو الذي يفسر الفتور في ردود الفعل الدولية على حادثة العاقبية؛ خاصة من قبل الولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر هي الراعية والضامنة لاتفاق كاريش، أو لإتفاق ترسيم الحدود البحرية غير المباشر بين لبنان وإسرائيل، كما تصر بيروت على تسميته. 

وبكل الأحوال فإن حادثة العاقبية، تؤكد على وجود وقائع سياسية جديدة في الجنوب تتفاعل بقوة، وجميعها غير معلنة ولكنها موجودة : 

ابرز هذه الوقائع تتمثل بالمعاني المستجدة لانتشار اليونيفيل في منطقة جنوب الليطاني. فهذا الانتشار الذي حصل بعد حرب العام ٢٠٠٦، يعتبر مشروعا دوليا تشرف عليه الأمم المتحدة، ولكنه بشكل اكبر واهم، يعتبر مشروعا اوروبيا ؛ ومع الوقت صار انتشار اليونيفيل في جنوب لبنان، يعتبر ليس فقط مشروعا اوروبيا ، بل مشروعا مهما لاوروبا في المنطقة؛ كونه عدا وجود اوروبا عبر اليونيفيل في حنوب لبنان ؛ فإن أوروبا خلال العقدين الاخيرين ، خسرت كل مواطئ وجودها في الشرق الاوسط . 

ان اهتزاز أمن تواجد المشروع الأوروبي في الجنوب ، يؤشر فيما لو استمر تصاعديا، إلى انه بعد ” اتفاق كاريش” أصبحت الطريقة التي تمت فيها عملية اخراج الضمانات الدولية للاستقرار في جنوب الليطاني والتي وضعت بعد حرب ال٢٠٠٦، بحاجة لتعديلات من قبل الدوليين الذين وضعوها ، وبالاساس من قبل الدوليين الذين شاركوا في اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.  

ويبدو وفق هذه الرؤية فإنه لم يبق هناك من الحاجة إلى اليونيفيل الأوروبي، سوى المهمة الألمانية التي تعنى بالشق البحري من مهمة تنفيذ القرار ١٧٠١؛ فيما الحاجة إلى الدور المهم لباريس داخل اليونيفيل في البر؛ قد تقلصت لمصلحة ان دور توتال في مجموعة التنقيب عن الغاز في حقل قانا، بات هو الأهم.. لكن باريس لديها خشية من ان تكون مدعوة عن سؤ نية دولية، وربما حصر اميركية، إلى “مأدبة غاز لبنانية خاوية” ( غير محسومة انتاجية قانا) ، والى التضحية بنفس الوقت بامتياز اليونيفيل الأوروبي. 

وضمن كل هذه التطورات ذات الصلة بما يمكن أن تؤشر اليه حادثة العاقبية، كبعد سياسي وليس جنائيا، كان لافتا امرين أثنين :

 الاول موقف لوزير خارجية أيرلندا الذي قال أن جنود بلده داخل اليونيفيل، يعملون في بيئة معادية. والواقع ان هذا التصريح لا يقصد فقط بيئة الاهالي اللبنانيين في الجنوب، بل يقصد بالأساس البيئة الدولية التي بدأت تسحب بهدؤ دعمها لمهمة اليونيفيل. 

الموقف الثاني هو تصريح نتنياهو الذي صرح بمناسبة سعيه لتشكيل الحكومة وبتوقيت يتزامن مع حادثة العاقبية قائلا انه يقر بأن حكومته لا تستطيع التملص من الالتزام بالاتفاق البحري مع لبنان. 

وثمة تفصيل في هذا المجال يستدعي الإشارة اليه ، وهو كلام اعلامي عن الجيش الاسرائيلي يفيد بأن المنطقة التي تم إطلاق النار منها على جنود اليونبفيل الايرلنديبن هي منطقة تعود لحركة امل وليس لحزب الله .. 

وهذا الدس الاسرائيلي الاعلامي تكمن خطورة كمية السم فيه، في انه اولا صادر عن اعلام الجيش الصهيوني ، وثانيا في انه يحاول الادعاء ان حركة امل ايضا لديها مشكلة مع اليونيفيل وليس فقط حزب الله ؛ بمعنى ان مشروع اليونيفيل الاوروبي يعاني من أزمة وجود في كل منطقة الجنوب وليس فقط في جنوب الليطاني، ومع كل أهالي الجنوب وليس فقك مع بيئة حزب الله.

السؤال الأهم في حادثة العاقبية، هو هل تغيرت فعلا رؤية الدوليين لمصالحهم الكبيرة عبر ضفتي الحدود اللبنانية الإسرائيلية ، وهل أصبحت هذه الحدود بنظر الدوليين هي حدود المصالح الاقتصادية الكبرى ذات الصلة بالغاز وحدود الخط البحري ٢١ ، ولم تعد فقط – او ابدا – مجرد حدود القرار ١٧٠١ والخط الأزرق وخط الهدنة ١٩٤٨..

Exit mobile version