الهديل

محمد باقر شري : زميل وأخ وصديق..

محمد باقر شري : زميل وأخ وصديق ..

محمد باقر شري صحفي من الطراز الذي لا يشبه الا محمد باقر شري؛ يكتب بحواس طفل وشاب وشيخ وشاعر وصحفي سياسي واجتماعي ومراسل عسكري ..

.. انه يحيط بالأمور من الزاوية التي تتسع لأن يقف فيها محمد باقر شري.. يشبهه مكانه وزمانه وهو يشبه فقط محمد باقر شري.
كان زميلي على طريقته ، وانسانيا كان اخ وصديق من النوع الذي تتسع الصداقة معه لتنوع زهور حديقة ، ولسرب نحل يلسع محدثه بدعابة لها طعم الفكاهة
رحمه الله ؛ واجمل عزاء له هو مشاركتي ما كتبه الاخ الحبيب حسن صيرا عنه :

رحل الزميل الذي كان للشراع شرف اعادته للكتابة بعد طول انقطاع ، امضى فيه سنوات مع شقيقه الراحل الشيخ محمد جواد شري ، مؤسس المركز الاسلامي في اميركا ، وكنت اتابع اخبار الشيخ بمودة منذ ان شاهدت له صورة مع جمال عبد الناصر اثناء زيارته له في القاهرة ، في ستينات القرن الماضي .

انه الزميل الكبير والكاتب القدير محمد باقر شري الذي اطلقت عليه لقب ابو جعفر ، وهو لم يتزوج ولم يكن له اولاداً ، وكان له في مسار حياته لسنوات مقران : الاول هو منزل شقيقته في رأس النبع في بيروت والثاني هو الشراع الذي آنس سكنها كمهنة ، كان فيها المشاغب والمحاور وصاحب الطرائف وسرعة البديهة والوخز بأبر الكلمات والدعابات .

كان محمد باقر عروبياً واسلامياً ومقاوماً لكنه اكثر الصحافيين نقداً لهذه القيم الثلاثة ، من دون تردد ، كان مقرباً من منح الصلح علم الكتابة العروبية ، كثير النقد له ، لكنه كان يتحمل منه لدغة وصفه بأن “محمد باقر شري هو باقر بطون القراء “وأحدهم وصف مقالات شري بأنه بعد ان يكتبها يمرر الشوبك فوقها ليمددها اشارة الى طولها ، وما نفعت نصائح الكثيرين كي يركزها من دون إطالة
كان اسلامياً على طريقته منتقداً بشدة للسيد محمد حسين فضل الله ، لكنه حين يحاور كان يستعير عبارات ومواقف كثيرة للمرجع الديني العربي الكبير .

كان ابو جعفر شكاكاً مردداًعبارته الشهيرة ” ان سوء الظن من حسن الفطن ”
كان صديقي بعد ان اصبح زميلي ، حتى اذا اتاني المنزل او المكتب من دون إحم ولا دستور ترك اثراً لا ينسى من دعاباته واقتراحاته ، وما كان يعتبره حقيقة
عندما سمعت خبرا من اذاعة صوت لبنان ، بأن قائد الجيش ميشال عون تعرض لحادث اثناء ركوبه سيارته وهو في مقعدها الخلفي ، جاءني شري بعد عشر دقائق كاتباً خبراً اعتبره مهماً جداً وسنسجل فيه سبقاً صحفياً ، وهو كتب فيه ان القوات اللبنانية حاولت اغتيال عون !! اخذت ورقة الخبر وقلت له دعني أتأكد من الامر ، فأبدى انزعاجه بل وغضبه ليقول لي : انتو شو بيفهمكم بالصحافة ، خبر متل هيدا بتسبق فيه الدنيا كلها ، بعد بدك تسأل عنو ، شو ما بتصدق انو القوات بدها تقتلو ؟

ثم فتح باب مكتبي وصفقه خارجاً بعده
اتصلت هاتفياً بالعماد عون في منزله وهنأته بالسلامة وسألته عما حصل معه ، فقال لي انا في المقعد الخلفي من الرانج روفر اطالع بعض الاوراق ، وقد فاجأني السائق بإيقاف السيارة فجأة ففقدت توازني ، واتكات على كتفي مما سبب لي اصابة في الكتف … سألته ثانية : هل تشك بأنها محاولة اغتيال ؟ ضحك العماد عون وهو يؤكد لي ما قاله ليدعوني الى اللقاء في منزله في الرابية ( هذا حديث آخر ) .

اقفلت الهاتف الخارجي مع الجنرال عون ، وطلبت رقم ابو جعفر في المجلة وهو45 في مكتبه في الطابق الثاني ، ورويت له بالحرف ما قاله لي عون ، ثم وقبل ان اعطيه فرصة للرد قلت له ناصحاً بلؤم : ابو جعفر ما صار شي اذا بعد هالعمر بتروح تتعلم الصحافة من جديد ، مقفلاً سماعة الهاتف .

كانت علاقتي مع محمد باقر متواصلة على مدار الساعة ، حتى بعد منتصف الليل ، وكان زميلنا بسام عفيفي يطلق عليه اسم ابو العلا البشري ( نسبة لشخصية كان بطلها الفنان العظيم الراحل الاستاذ محمود مرسي في مسلسل حمل هذا الاسم ) وكان شري ينادي بسام : سمو الامير ، وين هلمصاري والريالات والدنانير يا عمي ؟ فقد كان بسام مسؤول العلاقات العربية في الشراع وكان كثير الاسفار الى دول الخليج العربي.

كان حضور محمد باقر شري في حياة عائلتي جزءاً من تقاليد الاخوة والصداقة ، وكنت اسعد بدعوته لتناول الغداء في منزلي واحياناً العشاء .. وما من مرة دعوته الى تناول الطعام في منزلي إلا ومد يده الى جيبه لسحب المسبحة ليجري خيرة ( استخارة ) ، وما من مرة كانت الخيرة سلبية ، الى ان وقع في شر سبحته التي اشارت اليه في مرة دعوته فيها لمرافقتي الى منزلي في كورنيش المزرعة ، بأن مرافقتي ايجابية

في المنزل فاجأتني زوجي بأننا لا نملك إلا طعاماً من الامس ، وهي تعرفني انني لا ارمي طعاماً بايتاً .. وكنت اعتقد ان محمد باقر لن يمانع … المهم تناولنا الطعام وكان قليلاً .. فلما سألته : ابو جعفر شبعت ؟ اجابني : شبعت انما بشكل دبلوماسي … وذهب رده مثلاً
وفي موضوع الاستخارة ، وصلتنا دعوة باسمي واسم الزميل بسام ، للمشاركة في افتتاح اعمال مؤتمر الطفولة ، الذي تشرف عليه مؤسسة الامير الراحل طلال بن عبد العزيز ، وكنت وبسام من الاعضاء المؤسسين .. كنا نجهز انفسنا للسفر وكان بسام عندي في المنزل حيث كان منزله على بعد خطوات من منزلي ، وإذ بهاتف ( انترفون ) يرن والمتكلم هو محمد باقر … ليقول لي انه يريد الذهاب معنا الى عمان ، فضحكت وانا ارد : يا ابو جعفر نحن سنتوجه الى المطار الآن ، والدعوة لشخصين وانت لا تستطيع فعل اي امر ، فرد حاسماً : يا استاذ انا عملت خيرة وطلعت مليحة ! ضحكت وانا اكرر له : يا حبيبي ..

نحن قدمنا على التأشيرة في السفارة الاردنية وقدمنا بطاقة الدعوة من مؤسسة الامير طلال ، منذ اكثر من اسبوعين ، ووصلتنا منذ يومين وبطاقتا السفر معنا ، وما تقوله مستحيل ..

فقاطعني بالقول : يا اخي الاستخارة بتقول انو لازم روح معكم !

سافرنا الى الاردن لحضورالمؤتمر واتصلت من هناك باستعلامات الشراع اسأل عن الاوضاع فقالت لي مسؤولة الاستعلامات دينا جرادي ، ان الاستاذ محمد باقر يريد ان يكلمك .. قال لي محمد باقر انه سيتوجه الى دمشق للحصول على تأشيرة دخول الى الاردن ، فضحكت وانا اسأله : ومن اين دعوة الحضور ؟ من اين تذكرة السفر ؟ كيف ستدخل من دون دعوة ؟ فرد بضيق : ولو يا استاذ قولوا الامير طلال انكم تريدونني معكم ؟ قلت له إن شاء الله فما شاء الله ولا نفعت استخارة ابو جعفر ..

من مزايا الراحل الكبير ، انه عندما عاد من الطائف الذي كان فيه مندوباً للشراع مع احد الزملاء ، جاءني مكتبي ليقول لي انه تسلم مبلغًا اظنه 25 الف دولار ، كما كل الاعلاميين من الشيخ رفيق الحريري ، وان المبلغ من حق الشراع فقلت له : ابداً هذا المبلغ قدمه الحريري للاعلاميين اللبنانيين ، وهو من حقك
وضع شري المبلغ على مكتبي وهم بالخروج فحملت مغلف المال وتوجهت نحوه وهو خارج ووضعته  في جيبه الخلفي لكنه سحبه ووضعه على مطلع الطابق الثالث حيث مكتبي ونزل الدرج بسرعته هو كما يستطيع .

ما نجا احد من ” دعابات ” محمد باقر ، وكنت كلما بارزته بدعابة انتصر علي ، قلت له مرةً : اعتقد يا ابو جعفر ان الاسماء تشير الى طبيعة الانسان ، وانت شري وفي قسماتك شيء من الاسم…

فقال لي بتقصد انو انا شرير ؟

فقلت له : لا انما انا اعرف اصدقاء آخرين من آل شري تبدو قسمات وجوههم قاسية جداً وهذا ما جعل البعض يطابق اسم العائلة بقسمات الوجه القاسية،

فرد بهدوء يتصف به عندما يداعب :
يعني انت بتعتبر الملك فهد فهد؟

وان حافظ الاسد اسد؟

وان علي عبد الله صالح صالح؟

كنت انتظر خلاصة دعابته المنتظرة ليختمها بقوله:

يعني انت صبرا من مخيم صبرا او من تسمية صابرا اليهودية؟

ضحكنا طويلاً وانا اقول له انت شري واثبت الآن  شرك ، اما صبرا فنحن من عاملة بن سبأ بن يشجب من يعرب من قحطان !”

 

رحم الله الكاتب الصحفي الكبير ، والزميل المشاكس صاحب التاريخ المديد الذي ما عرف خلاله الا الصحافة والكتابة … وإن شاء الله سيكون لنا كتابات اخرى عنه

Exit mobile version