الهديل

خاص الهديل: ما هي قصة تسمية العونيين بـ”المسيحية الجديدة”.. ولماذا تعثّر مشروعها؟؟

خاص الهديل:

 

بعد خروج السوريين من لبنان، أطلقت أوساط إسلامية ومسيحية لبنانية وأوساط خارجية مصطلح “المسيحية الجديدة” على التيار العوني الناشط تحت اسمه الرسمي “التيار الوطني الحر”.

والواقع أنه لم يتم حينها ولغاية اليوم، تحديد تعريف واضح ومحدد عن السبب الذي دفع بهذه إلى إطلاق هذا المصطلح على العونيين؟؟

ولكن في هذه الحالة، يمكن تسجيل عدة ملاحظات قد تكون ذات أهمية في مجال الاجابة عن السؤال الآنف:

الملاحظة الأولى تتعلق بأن تسمية “المسيحية الجديدة”، ظهرت على نحو جلي لأول مرة بعد عودة عون من المنفى الفرنسي عام ٢٠٠٥. ولكن هذه التسمية كان يوجد ترديد لها في آخر سنتين من وجود الجنرال عون في منفاه الفرنسي؛ وتسرب آنذاك أن نخباً فرنسية ولبنانية في وزارة الدفاع الفرنسية، أو بالتحديد في بيئات تعمل معها، صاغت نظرية تقول التالي: أن لبنان حتى يتمكن من بناء جمهوريته الثانية، فهو بحاجة لكتلة اجتماعية تاريخية تقوم بهذه المهمة؛ وهذه الكتلة موجودة اليوم، ولكنها مشتتة وبحاجة لتفعيل، ومضمونها: الموارنة الذين هم قوة نوعية، ولكنهم في حالة هبوط، وبمقابلهم الشيعة الذين هم قوة عددية واجتماعية صاعدة، ولكنها بحاجة للنوعية.

ورأت هذه النظرية أنه إذا تم دمج النوعية المارونية التي يمثل وجدانها في هذه المرحلة (أي آنذاك) التيار العوني، مع القوة الشيعية الصاعدة التي يمثلها تنظيمياً حزب الله – الذراع السياسي، فإن اتفاقهما سيتيح ولادة الكتلة الاجتماعية اللبنانية التاريخية القادرة على بناء الجمهورية الثانية…

…بمعنى آخر، فإن هذه النظرية تقترح عدة تغييرات في لبنان: التغيير الأول استبدال الثنائية السنية المارونية التي قامت عليها الجمهورية الأولى بثنائية المسيحية العونية الجديدة والشيعية الجديدة الصاعدة (حزب الله).

…والتغيير الثاني يتمثل باعتبار أن الاجتماع السياسي المسيحي يجب أن يتغير باتجاه اعتماد المسيحية الجديدة التي يمثلها العونيون التي هي بديل عن كل القوى الحزبية والعائلات السياسية التي تعبر عنها المسيحية التقليدية.

الملاحظة الثانية تذهب لترصد المفهوم الاجتماعي الذي جرى إسباغه على معنى “المسيحية الجديدة” التي تم رمي عباءتها على كتفي التيار العوني. ويرى هذا المفهوم الإجتماعي ان التيار العوني هو تعبير مسيحي بديل لكل القوى المسيحية الأخرى، كونه يمثل البيئات المسيحية المدنية المنتمية إلى الطبقة الوسطى والمنتمية الى سكان المدن، بمقابل أن الأحزاب المسيحية الأخرى تنتمي قواعدها الشعبية إلى الأطراف والى البيئات القروية وبشكل عام الى ما دون الطبقة الوسطى..

ويخلص هذا التحليل الاجتماعي للاستنتاج بأن الكتلة الاجتماعية الفاعلة داخل موارنة ما بعد الحرب الأهلية، هم موارنة التيار العوني المنتمين للحواضر ولبيئة المؤسسة المسيحية الأم الجيش، وللطبقة الوسطى؛ وهذا التيار يشكل في تعبيره الاجتماعي والسياسي “المسيحية الجديدة” التي يحتاجها لبنان لترث تعثر مسيحية “المارونية السياسية”.

الملاحظة الثالثة والأخيرة تتعلق بمحطتين أساسيتين اثنتين مر بهما مفهوم المسيحية العونية الجديدة:

الأولى عندما أبرم “المسيحيون العونيون الجدد” تفاهم مار مخايل مع حزب الله، حيث ولدت في هذه المرحلة اتجاهات داخل “المسيحيون الجدد” طرحت فكرة تحالف الأقليات في المشرق .

والمحطة الثانية هي نجاح “المسيحيون الجدد” بالوصول لرئاسة الجمهورية بدعم من حليفهم الشيعي الذي يعتبر داخل مفهوم بناء الكتلة الاجتماعية التاريخية، شريكاً للمسيحية العونية الجديدة في بناء الجمهورية الثانية كما تمت صياغتها في باريس خلال نهايات المنفى العوني هناك..

ولكن مسار التطورات التي ولدت من تفاعلات هاتين المحتطين برهنت فشل مجمل هذه النظرية، وذلك لعدة أسباب أبرزها أن تفاهم مار مخايل لم يستطع أن يوحد الكتلة الاجتماعية التاريخية المارونية النوعية الجديدة والشيعية المنظمة الصاعدة؛ وظل بدل ذلك حلفاً بين قيادتين؛ أضف أن وصول المسيحية الجديدة لرئاسة الجمهورية كشف ضعفها كمشروع لبناء دولة الجمهورية الثانية وكشف هشاشة حلفها مع القوة الصاعدة الشيعية. والأمر المهم الآخر كشفته ثورة ١٧ تشرين ٢٠١٩ التي بينت أنشطتها ان نسبة عالية من الطبقة الوسطى المسيحية انحازت إلى الثورة ضد المسيحية العونية الجديدة التي يمثلها عون وبخاصة صهره جبران باسيل.. وهو أمر أظهر ان الطبقة الوسطى المسيحية انتفضت على “مسيحية عون وباسيل الجديدة”، وخرجت من تحت مظلتها.

Exit mobile version