الهديل

خاص الهديل : لماذا بات على بكركي قيادة “الحل الماروني” لأزمة شغور الرئيس المسيحي؟؟!

خاص الهديل:

 

لا يوجد حتى الآن ناخب مسيحي كبير في انتخاب رئاسة الجمهورية ٢٠٢٢. في الدورات الانتخابية السابقة كانت بكركي تلعب دور الناخب الكبير؛ وكان الأعضاء التقليديين من مرشحي النادي الرئاسي، يذهبون إلى بكركي لتفصل بينهم، عبر وضع معايير وخارطة طريق تحدد كيفية انتقاء شخصية فخامة الرئيس.

والواقع أن دور بكركي كناخب كبير في رئاسة الجمهورية، ومايسترو ضامن للمصلحة الوطنية المسيحية، كان تعرض للإهانة على يد طرف مسيحي خلال حرب الإلغاء المسيحية، ولكن هذه الحادثة لم تؤد إلى إلغاء دورها على هذا الصعيد. فالبطريرك السابق مار نصر الله صفير نجح في إرساء أسس لطبيعة دور بكركي في استحقاق رئاسة الجمهورية، وذلك عندما كان يفتح بابها أمام الأقطاب الموارنة المرشحين للرئاسة، من أجل أن يتفقوا تحت إشرافه على معايير لتنظيم خلافهم وتنافسهم على الوصول إلى قصر بعبدا.. ومشهودة في هذا المجال، عبارة البطريرك صفير التي تقول أن بكركي لا تسمي الرئيس، ولكنها تضع معايير ليتم على أساسها اختيار شخصية فخامة الرئيس. 

..والواقع أن الكاردينال الراعي في عظته أمس، حاول على طريقة سلفه البطريرك صفير، وضع المعايير التي يجب أن يتم انتقاء فخامة الرئيس على أساسها؛ وزاد عليها مبدأ يقول أن الحل في لبنان – بحسب قناعة بكركي – بات يحتاج لعقد مؤتمر دولي؛ وبكلام آخر: يحتاج لتدخل دولي.

وبنظر مراقبين ثمة خطوة أساسية ينبغي على الكاردينال الراعي ان يبادر إليها: 

تتمثل هذه الخطوة بأن تبادر بكركي لاستضافة اجتماع للمرشحين الأساسيين لرئاسة الجمهورية، كما فعلت ذلك سابقاً غير مرة؛ على أن يتم تحديد هدفين اثنين لهذا الاجتماع: الأول يمثل الحد الأقصى وهو إبرام اتفاق ماروني على خارطة طريق لحسم هذا التنافس، وذلك تحت عنوان أن الأولوية المسيحية وقبلها الوطنية، هي لانتخاب فخامة الرئيس وإنهاء الشغور الرئاسي المضر بالمصلحة الوطنية العليا وبمصلحة المسيحيين؛ والهدف الثاني يمثل الحد الأدنى، ومفاده اتفاق المرشحين على اعتبار بكركي هي مرجعيتهم للاتفاق على المعايير التي تخص فخامة الرئيس العتيد.

ولا تخفي الجهة التي تطرح هذه الأفكار المتعلقة بما يجب أن يكون عليه دور بكركي، أن أحد الأهداف الكبرى التي تقف وراء مطالبة بكركي بالقيام بدور في استحقاق انتخاب فخامة الرئيس الحالي، هو ضرورة أن تسترد بكركي مرجعيتها كناخب أول في استحقاق انتخاب رئاسة الجمهورية، خاصة بعد ان باتت أحداث التنافس بين باسيل وفرنجية تظهر أن حزب الله هو الناخب الأول في استحقاق الرئيس الأول المسيحي؛ وأن حارة حريك، وليس بكركي، هي المرجعية التي يقصدها أبرز المرشحين الموارنة كي تفصل بينهم!!.. 

وفي هذا المجال يلفت مراقبون إلى أن السبب المؤدي لهذا الواقع الراهن، هو أن المرشحين الموارنة الأساسيين ينتظرون كلمة الفصل بينهم من قبل حارة حريك، وليس من قبل بكركي. والواقع أنه لا يمكن لوم حزب الله بهذا الخصوص، فهو كطرف سياسي من مصلحته تطويب نفسه مرجعية ناخبة يقصدها كل المرشحين الاساسين لرئاسة الجمهورية، بينما بكركي لا تقوم بهذا الدور، الأمر الذي يخلق فراغاً على هذا المستوى، يشغله حزب الله. 

والسؤال الآن هو هل تبادر بكركي بعد فترة الأعياد لاطلاق مبادرة باتجاه جمع المرشحين الأساسيين في بكركي تحت عنوان أن المطلوب اتفاقهم من أجل إنهاء الشغور في رئاسة الجمهورية.. 

 

والواقع ان بكركي مطالبة بأن يخرج منها الدخان الأبيض الذي يعلن “الحل الماروني” لإنهاء الفراغ الرئاسي، ومن ثم يتم تعميم هذا الحل ليصبح حلاً وطنياً ديموقراطياً وفيما لو لم تقود بكركي عملية إعلان الحل الماروني لأزمة الشغور الرئاسي، فإن هذا الشغور في الموقع المسيحي الأول سيظل يراوح في مربع أنه تعبير عن فشل ماروني – مسيحي أولاً، وعن خلل وطني في إنتاج تداول ديموقراطي للسلطة ثانياً، وعن هجرة جزء هام من القرار المسيحي من مرجعية بكركي إلى مرجعية حارة حريك ثالثاً.  

 

والواقع أنه إذا كان هناك من يفتقد دور بكركي كناخب كبير في رئاسة الجمهورية، وكمسؤولة عن تجميع موقف ماروني عملي ينهي الشغور الرئاسي الأول، فإنه أيضاً بالمقابل يجب الاعتراف بأن بكركي ٢٠٢٢ ليست هي عينها من حيث حضورها على الساحة المسيحية السياسية، بكركي خلال فترة البطريرك صفير؛ والسبب أن صفير عايش فترة سمحت له “إظهار شجاعته” وأن يقود حراكاً مسيحياً وطنياً ضد الوجود السوري في لبنان، ما أكسبه شرعية في الشارع المسيحي، وذلك فوق شرعيته الوطنية. أضف الى ذلك ان صفير كان خلال أول انتخابات نيابية يشارك عون فيها بعد عودته من المنفى، له دور أساس في حدوث ما سمي حينها بالتسونامي العوني المسيحي رداً على الحلف الثلاثي الإسلامي؛ وعليه فإن البطريرك صفير عايش ظروفاً جعلت منه “بطريركاً حركياً” وجعلت لدوره منزلة “المظلة السياسية والوطنية” التي يحتاج لظلها كل المسيحيين بينما الكاردينال الراعي لا تصادف ولايته نفس هذه الظروف، فهو “كاردينال ظروف الأزمة الكبرى” وليس “بطريرك الحراك المسيحي الكبير” كما كان الوضع أيام البطريرك صفير، سيما وأن الطرف العوني يؤمن مع الراعي، بأن الكنيسة يجب أن تتبع السياسي النافذ وليس العكس. وعليه فإن ما تطرحه العونية السياسية المسيحية على الكاردينال الراعي هو تأييدها بوصفها المرجعية الوحيدة التي تملك حق تشخيص مصلحة المسيحيين. 

 

وكان الكاردينال الراعي ظهر خلال فترة من أحداث انتفاضة ١٧ تشرين، على أنه يتجه كي يكمل دور البطريرك صفير السياسي والقيادي والتغييري، وذلك عندما إستقبل في بكركي تظاهرة شعبية مؤيدة لمباردته بخصوص حياد لبنان. ولكن الكاردينال الراعي لم يكمل مشواره مع تلك اللحظة التي أوحت بأن بكركي تقول للأزمة بمستواها الوطني والمسيحي: الأمر لي..

 

والسؤال لماذا انكفأ الكاردينال الراعي؛ هل خشي من حدوث رد فعل عوني ضده كما كان حصل رد فعل عوني ضد البطريرك صفير؟؟.. أم هل خشي الراعي أن يؤدي تحركه الجماهيري الى دفع العونيين لأن يطرحوا معادلة “شارع بوجه شارع”؟؟.. أم هل أن الفاتيكان لم يغط بكركي في توجهها هذا؟؟..

مما لاشك فيه أن توازنات الساحة المسيحية المنقسمة عامودياً، وظروف توازنات البلد غير المواتية، تجعل الكاردينال الراعي محقاً في أخذ جانب الحيطة والحذر بخصوص كيفية مقاربة الساحة السياسية المسيحية والوطنية في ظروفها الراهنة، خاصة وأن هناك أطرافاً عديدة مسيحية وإسلامية لا تحبذ وجود دور لبكركي، وهي تردد في سريرتها نفس سؤال ستالين الشهير: كم دبابة لدى البابا أو لدى الكاردينال الراعي وبكركي؟؟..

Exit mobile version