الهديل

خاص الهديل: النازحون السوريون في لبنان: “انقلاب التعريفات الدولية” يحرض على “الصدام الاجتماعي”!!

خاص الهديل:

 

 

هناك أرقام متفاوتة حول عدد النازحين السوريين في لبنان، ولكن هذا الأمر، لم يعد هو جوهر المشكلة، كون النزوح السوري في لبنان تجاوز قضية الأرقام، ليصبح قضية خلل ديموغرافي ببعد أمني واقتصادي واجتماعي. 

 

..ومن وجهة نظر ديموغرافية، فإن أي مجتمع يصبح أكثر من ربعه هم نازحون من جنسية أخرى، فإن هذا المجتمع يدخل حيز خطر تعرضه لواقع الثنائية القومية أو ثنائية الجنسية، خاصة إذا كان هذا المجتمع منقاداً من دولة فاشلة وعاجزة عن هندسة اجتماعه اقتصادياً وأمنياً ووطنياً، كما هو الحال في لبنان. 

..بهذا المعنى فإن لبنان بلغ مرحلة عدم أهمية الحصول على رقم محدد لعدد النازحين السوريين فوق أرضه، كون المؤشر الحالي لهذا الوجود تجاوز ربع عدد اللبنانيين منذ فترة غير قصيرة وعندما يصل منسو النازحين لمستوى ربع سكان أية دولة؛ فإن سلطاتها “توقف العد” – بحسب المصطلح اللبناني – وتذهب إلى وضع خطط طارئة لمعالجة تصحيح الخلل الديموغرافي الناتج عن التعاظم غير المسيطر عليه ديموغرافياً لهذا النزوح. وبكلام عملي، فإن الدولة في هذه الحالة تذهب لدراسة نسب النزوح في بنى البلد الاجتماعية وداخل قطاعاته المنتجة، وليس فقط أعداد النازحين الرقمية..

والواقع أن مشكلة لبنان حالياً مع النزوح السوري تقع في ثلاث إشكالات خطرة:  

الإشكال الأول هو أن النزوح السوري في لبنان تجاوز نسبة ربع السكان اللبنانيين، بينما المعايير في أقوى الدول، تحاذر ان تتجاوز نسبة النزوح فيها الواحد بالمئة من سكانها. 

الإشكالية الثانية وهو استكمال للإشكالية الأولى وناتجة عنها، ومفادها أن النزوح السوري في لبنان بات يتعاظم كخطر بنيوياً، وليس عددياً؛ بمعنى أنه بات نزوحاً يحمل معه سمات وتأثيرات اقتصادية واجتماعية وسياسية. ولهذا فإنه بات يمكن ملاحظة أن ملف النزوح السوري في لبنان لم يعد لديه سياسياً تعريف أنه “مشكلة سورية موجودة في لبنان”، بل بات تعريفه العملي هو أنه “مشكلة سورية تتفاعل نتائحها وتأثيراتها في لبنان”، وأيضاً لم يعد النزوح السوري في لبنان “ملف ومشكلة دولية يتم معالجتها في لبنان”، بل بات “مشكلة للبنان”، ولكن المجتمع الدولي لا يعترف بشقها اللبناني، بل يعالج ظاهرها السوري التقني وليس السياسي. 

والإشكالية الثالثة تتمثل بأن الانقلاب الذي حصل في التعريفات العملية للنزوح السوري في لبنان، نتج عنها انقلاباً عملياً في طريقة تعامل المجتمع الدولي مع النازح السوري في لبنان من جهة ومع الدولة اللبنانية بخصوص هذا الملف من جهة ثانية. ورصد هذا الأمر يظهر المفارقات الخطرة التالية: 

أ- المجتمع الدولي لم يعد لديه أزمة نازح سوري وبالأخص في لبنان، كونه وجد الحل التقني وليس السياسي أو الاقتصادي لهذه الأزمة، وذلك عبر فتح قناة مالية مباشرة مع النازح السوري حيثما هو موجود في دول النزوح، وبالأخص في لبنان.. وهذه القناة المالية تؤمن للنازح السوري خاصة في لبنان، عدة مكاسب: أولها تؤمن له راتباً شهرياً يضمن له في لبنان مستوى معيشة أفضل من ٦٠ بالمئة من اللبنانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر.. وهذا يعني أن المجتمع الدولي قدم للنازح السوري ضمانات معيشية، رغم ضآلتها، إلا أنها قياساً بمستوى المعيشة في لبنان، تعتبر مهمة. وخطر هذا الإجراء يقع في أنه لم يلتفت بالمقابل إلى خطورة أن يعالج المجتمع الدولي الوضع المعيشي للنازح السوري في لبنان بشكل يساعده على امتلاك الحد الأدنى وأحياناً المعقول من مستوى المعيشة، بينما ٦٠ بالمئة من اللبنانيين المضيفين لهذا النازح يعانون من فقر مدقع، ولا يتلقون مساعدة من المجتمع الدولي، وأكثر من ذلك فإن هؤلاء الفقراء اللبنانيين لديهم قناعة بأن نفس هذا المجتمع الدولي الذي يساعد النازح السوري في لبنان ولا يساعدهم، هو المسؤول عن جزء من أسباب انهيار وضعه المعيشي نتيجة الحصار أو العقوبات الدولية على بلده بغض النظر عن أسبابها السياسية.. 

أقل ما يقال في هذه السياسة الدولية هي أنها لا تملك بعداً اجتماعياً ولا حتى بعداً أمنياً؛ ذلك أنها بدعمها النازح السوري في لبنان لتخطي عتبة الفقر المدقع، من دون أن تلحظ وضع الفقر المدقع في البلد المضيف، إنما هي بذلك تحرض بقصد أو من دون قصد على اثارة نوع من الصراعات الإجتماعية قبل الوطنية بين اجتماع النازح السوري في لبنان وبين الاجتماع اللبناني المضيف له. 

ب- الأمر الثاني الذي سعى المجتمع الدولي لتحقيقه في ملف النازح السوري في لبنان، هو تنفيذ حزمة إجراءات، تجعل هذا النازح يشعر بأمرين استراتيجيين: الأول بأنه لم يعد لديه مشكلة مع الفترة الزمنية أو مع الوقت الذي سيعيشه في بلد النزوح (المقصود هنا لبنان)، كونه بات يحصل على ملجأ يجد فيه الأسباب الأساسية التي تمكنه من الدفاع عن وجوده ضد العوز (غذاؤه وطبابته والتعليم)، وهو أمر لن يتوفر له حالياً في سورية ذات الظروف الإقتصادية الصعبة؛ والأمر الثاني هو تقصد المجتمع الدولي أن يوفر للنازح السوري الدعم الدولي المعنوي والسياسي لاستمرار نزوحه في لبنان. وهو دعم يشعره بحصانة دولية بوجه سياسات الدولة اللبنانية الخاصة بهذا الملف. 

وكل هذه المعطيات تثير مفارقة خطرة بقدر ما هي غير مفهومة، وقوامها أن المجتمع الدولي قرر من جهة عدم دعم البلد المضيف (لبنان) الذي يستقبل النازح السوري، وبدل ذلك قرر دعم النازحين السوريين مباشرة؛ وقرر بنفس الوقت ومن جهة ثانية فرض حصار وعقوبات اقتصادية على لبنان لأسباب سياسية؛ وقرر من جهة ثالثة منع أية مبادرة لبنانية لإعادة النازحين السوريين إلى بلدهم؛ وألزمت لبنان بانتظار التوقيت الدولي لاعادتهم، علماً أنه لا يزال بعيداً. 

إن كل هذه الأبعاد العملية الثلاثة للموقف الدولي من ملف النازحين السوريين في لبنان يوحي بأنه موقف يحول النزوح السوري إلى حصار للواقع اللبناني الرخو ديموغرافياً، ويدفع بهذا الواقع نحو انفجار اجتماعي بين “اجتماعات” تعيش فوق أرضه.

Exit mobile version