إنه «رجل المهمات الصعبة» الذي لم تقتصر أدواره على المستوى الداخلي فقط، بل طالت المستويات العربية والإقليمية والدولية، حيث بصمته واضحة وراسخة في عدة ملفات، ملتزم إلى أبعد الحدود بسقف القانون، أنجز حيث واجه الاستعصاء قضايا كبرى، بعدما راكم خبرات على مدى خدمته في مراكز أساسية في الجيش اللبناني وصولا إلى الأمن العام، دائما يضع المصلحة اللبنانية العليا في أولوية الأولويات، يكاد يكون وزير الدولة لشؤون الأمن القومي من دون مرسوم تعيين، وجواز عبوره لبناني عربي ودولي، مارس الديبلوماسية الأمنية باحتراف، ويستمر في حيويته، حيث يتحضّر مطلع العام المقبل لقيادة كاسحة الغام رئاسية من منطلق قدرته على التواصل والحوار مع الجميع، إنه المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم. وفيما يلي حواره مع «الأنباء» الذي تناول فيه كل المستجدات:
بداية، كيف تصفون العلاقة مع الكويت لاسيما على صعيد التعاون الأمني؟
٭ العلاقة مع الكويت الشقيقة على الصعد كافة من أميَز العلاقات بين دولتين شقيقتين، ولم تبخل الكويت يوما في مد يد العون والمساعدة للبنان في كل المجالات، ومنها المجال العسكري والأمني، وهي موّلت معدات وأجهزة حديثة ومتطورة وضعت على المعابر الحدودية البرية، إضافة الى مساعدات عينية، والأهم هو التعاون الأمني لما فيه مصلحة أمن واستقرار البلدين.
هذا التعاون قائم على أعلى المستويات، ولأجل ذلك قمت بأكثر من زيارة إلى الكويت والتقيت القيادات الأمنية الكويتية، وتم الاتفاق على تعزيز التعاون الأمني بين البلدين. ودائما الأجواء إيجابية لا بل ممتازة ونناقش كل المواضيع ذات الاهتمام المشترك.
ما تقييمكم للوضع العام في لبنان في ظل خلو سدة الرئاسة؟
٭ نحن في وضع استثنائي، ومع الأسف هذا الأمر يتكرر منذ إقرار دستور الطائف للمرة الثالثة، مما يؤشر إلى عطب في مكان ما، إما متصل بطريقة تطبيق الدستور وإما متصل بتضارب الآراء حول تطبيق هذا الدستور أو بالأمرين معا. والخطر الداهم الذي نمر به هو ان خلو سدة الرئاسة هذه المرة يأتي في ظل وضع اقتصادي ومالي ومعيشي واجتماعي غير مسبوق، مع تعطل العمل الطبيعي في الكثير من إدارات الدولة، باستثناء المؤسسات العسكرية والأمنية التي تكابد من أجل الحفاظ على الحد المقبول والمعقول من المقومات التي تبقيها على جاهزيتها لتأدية مهامها في صون الاستقرار والسلم الأهلي ومنع الانزلاق الى الفوضى، لذلك، لا يمكن الاستمرار في ظل هذا الوضع الذي يتناقض والمسار الطبيعي للدول التي تنتظم تحت سقف الدستور والقانون.
هل ترون إمكانية قريبة لانتخاب رئيس جمهورية، وهل العائق داخلي أم خارجي أم الاثنان معا؟
٭ الإمكانية قائمة في كل حين، شرط توافر الإرادة الوطنية الجامعة، والتي من خلالها يثبت اللبنانيون أنهم قادرون على مسك أمورهم بأيديهم من دون اي حاجة لتدخل خارجي، سواء بالاستدعاء الإرادي لهذا التدخل او من خلال العجز عن القيام بالواجب الطبيعي لتأمين انتظام الحياة العامة من خلال عدم إحداث أي شغور في أي موقع دستوري.
ومسألة إنهاء حالة التخبط في الملف الرئاسي هي بيد القوى السياسية الممثلة في المجلس النيابي، من هنا أرى ان العائق أولا وبنسبة كبيرة جدا هو داخلي، أما تأثير الخارج فهو نتيجة إرباك الداخل لجهة أي خيار رئاسي يذهبون إليه، كون هذا الخيار هو المفتاح لعودة الأمور الى طبيعتها مع الدول الشقيقة والصديقة والتي يحتاج لبنان الى انفتاحها عليه لمساعدته في تأمين الحاضنة للخروج من ازمته الخطيرة وبدء مرحلة التعافي والنهوض.
هل الحوار يؤدي إلى انفراج في ملف الرئاسة؟
٭ أيا كان هدف الحوار فهو واجب وحاجة وضرورة، فالحوار يكسر الجليد بين القوى المتنافسة ويقرب المسافات، ودعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري الى الحوار هي في وقتها ومكانها، وانطلاقا من تجربة الرئيس بري الطويلة في الحياة الوطنية اللبنانية، أرى انه قادر على تدوير الزوايا والخروج بنتيجة مرجوة تتوج بانتخاب رئيس للجمهورية في أقرب فرصة ممكنة.
هل تخشون من تداعيات تؤثر على الاستقرار الأمني والسلم الأهلي إذا طال أمد خلو سدة الرئاسة؟
٭ أرى أنه لا استقرار على المستوى الأمني إلا بشرطين متكاملين: الاستقرار السياسي والاستقرار الاقتصادي. عدم الاستقرار السياسي مرده إلى الخلافات المستشرية في الداخل اللبناني، والنكايات المتبادلة بين الفرقاء السياسيين، ولا بد هنا من اكتمال عقد المؤسسات الدستورية، لأن جسدا بلا رأس آيل إلى الموت.
وإذا لم يكن هناك رئيس للجمهورية، فإن الأمور ستتجه نحو الأسوأ، والقطاع الأمني هو الأكثر تأثرا، وان تفاقم الأوضاع سيؤدي آجلا أو عاجلا الى انفجار اجتماعي، ولا بد هنا من تدارك الأمر بعمل مكثف وجاد في كل الاتجاهات.
لعبتم أدوارا حاسمة في ملفات حساسة، هل تنشطون على خط إتمام الاستحقاق الرئاسي؟
٭ في كل مسيرتي اعتمدت على الحديث المروي عن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود». وبالتجربة فان كل مهمة او ملف أو مسعى أحيطه بالكتمان كان مآله النجاح، لذلك ان كنت أقوم بدور ما أو لا أقوم، فإنني معذور بعدم البوح أو التصريح عن حقيقة ما أسعى من أجل إنجازه.
ماذا عن التطورات الجديدة في ملف النزوح السوري؟
٭ بداية أكرر نفي كل المزاعم والشائعات والأكاذيب التي تتحدث عن تعرض أي من النازحين السوريين العائدين إلى بلادهم إلى السجن أو لمضايقات، وأن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، (UNHCR)، تحققت من الأمر من خلال اللقاء ببعض العائدين في سورية. ومع الأسف، فإن منصات ومواقع إلكترونية دأبت على نشر معلومات مغلوطة بغرض تخويف السوريين من العودة لغايات متنوعة
اما شخصية، كون كثيرين مستفيدين ماديا من مأساة النزوح، أو سياسيا، فالأمر مرتبط بالصراع الإقليمي والدولي على كيفية مقاربة الحل السياسي في سورية، والأخطر هو من يريد ان يبقى الوضع السوري على ما هو عليه من النزف وعدم الاستقرار لإضعاف سورية ومحاولة منعها من لعب دورها الطبيعي من ضمن الإطار العربي الجامع. إلا انني لاحظت تغييرا إيجابيا في مواقف بعض دول المتوسط الأوروبية من ملف النازحين السوريين وضرورة إعادتهم الى بلدهم. ولبنان يعمل على إيجاد حل فيما يتعلق بولادات النازحين السوريين خشية أن يتحولوا الى «مكتومي القيد» وحصولهم مستقبلا على الجنسية اللبنانية، وان وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار يتولى معالجة هذا الملف مع السفارة السورية في لبنان.
لفت الإعلان عن حجم الاختراق الإسرائيلي للساحة اللبنانية، الى ماذا تعزون السبب؟
٭ العدو الإسرائيلي يضع لبنان دائما هدفا اولا ومركزيا في استهدافاته. والمؤسسات العسكرية والأمنية اللبنانية تضع في رأس أولوياتها مواجهة خطر الاختراق الإسرائيلي والجماعات الإرهابية، والكشف عن شبكات او أفراد يعملون لصالح «الموساد» ليس بالأمر الجديد، ومع الأسف فإن العدو أكثر من نشاطه التجنيدي مستغلا الوضع الاقتصادي والاجتماعي اللبناني المأزوم وحاجة الشباب لتأمين فرص عمل، وهو يركز اختراقه على هذا الجانب وتحت عناوين تأمين فرص عمل للإيقاع بالشباب اللبناني، ونحن نقوم بجهد استثنائي ونكشف تباعا عن أفراد وشبكات تعمل لصالح العدو، وليس كل ما نكشفه نعلن عنه.
الوضع الاقتصادي والمالي والمعيشي انعكس على كل مؤسسات وإدارات الدولة، كيف تواجهون هذا التحدي على مستوى المديرية العامة للأمن العام؟
٭ إن المديرية العامة للأمن العام تسعى جاهدة لتأمين المساعدات الاجتماعية والصحية للحد من آثار الصعوبات، وتحافظ على التقديمات ودفع ما أمكن من فروقات سعر الأدوية والاستشفاء، ومساعدات استثنائية لتوفير ما يناهز راتبا إضافيا لكل عسكري شهريا مهما كانت رتبته. كما تستمر القيادة في الأمن العام في اعتماد تدابير خدمة استثنائية، بالإضافة إلى ترقية العسكريين المستحقين ضمن المهل المحددة قانونا. وإن المثابرة على بذل الجهد والتضحية من أجل تطبيق القانون، وحدهما تحققان خطوات ثابتة ومتينة لمواجهة الظروف القاسية والصعبة.
والمديرية العامة للأمن العام تعيش المعاناة التي تهدد العيش بعدما هددت الاستقرار الاجتماعي والصحي والتعليمي. ما أصاب اللبنانيين أصابنا وغيرنا من المؤسسات الرسمية، فنحن من هذا الشعب ومن أجله يجب أن نتعاضد ونصمد، والعكس من ذلك القبول بانهيار كل شيء. واذا انعدم الأمن لن يبقى شيء من الدولة ومؤسساتها، لذا قدرنا أن نواجه، وعلى ذلك أقسمنا جميعا.
متى تنفرج أزمة جوازات السفر وهل السبب مالي ام التقنين مقصود للحد من الهجرة؟
٭ ليست هناك أزمة جوازات سفر، بل أزمة ازدياد الطلبات على جوازات السفر، مع تأكيدنا أن كل لبناني له حق الحصول على جواز سفر.
واعتبارا من العام 2023 سنتسلم 100 ألف جواز سفر بيومتري، وصولا إلى تسلم الكمية كاملة، أي مليون جواز خلال 6 أشهر، مع الإشارة إلى أن لدينا في خزائن المديرية نحو 22 ألف جواز سفر لم يتسلمها أصحابها، وهناك 69% من الذين أنجزوا جوازات السفر لم يستخدموها. اللبناني يتهافت لإنجاز جواز سفر مع أنه لا يريد استعماله. ونأمل ان تعود الأمور الى طبيعتها في الأشهر الأولى من السنة المقبلة.
الفراغ يتهدد مواقع حساسة في الدولة اللبنانية ومنها الأمن العام، هل من توجه الى اتخاذ قرار استباقي واستثنائي يمنع الفراغ ويؤمن استمرارية المرفق العام؟
٭ هذا الأمر يعود علاجه وتقدير ظروفه إلى السلطة السياسية، وهو محل متابعة لديها لمنع حصول اي خلل على صعيد المؤسسات العسكرية والأمنية، وبالنسبة للأمن العام فإن ما تقرره السلطة السياسية ممثلة بمجلسي النواب والوزراء نلتزم به.