برعاية وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال القاضي محمد وسام المرتضى، وبدعوة من رئيسة المعهد الوطني العالي للموسيقى د. هبة القواس، نظم الكونسرفتوار ريسيتالاً موسيقياً لمناسبة عيد الميلاد المجيد في كنيسة مار يوسف، مونو، جمع حشداً من الرسميين والدبلوماسيين والسفراء والمثقفين والموسيقيين ومحبي الموسيقى.
في أجواء ميلادية عابقة بمعاني العيد وما تحمله من أمل وفرح وسلام، قدمت الأوركسترا اللبنانية الفيلهارمونية بقيادة المايسترو ميشال خيرالله أمسية موسيقية ميلادية استثنائية، حفلت بأبعاد الميلاد وما يجسده من رسالة للإنسانية تحملها الموسيقى على أجنحة من الأمل، وخصوصاً بالترانيم الميلادية الخاصة بالعيد أدتها الأوركسترا بقيادتها وعازفيها بمهارة عالية، فتحولت الأجواء الموسيقية، ولاسيما مع الترانيم العربية ومقطوعة Ave Maria، إلى ما يشبه الصلاة حلقت بالحضور إلى صفاء اللحظة والعودة إلى الذات النقية، كأنها ابتهالات بميلاد السيد المسيح. بالإضافة إلى أغاني العيد وال Christmas Carols المحملة بالفرح والابتهاج بولادة المخلص. شاركت في الأمسية كورال Les Solistes de Beyrouth بقيادة Fernando Afara التي تساهم القواس في دعمها للوصول إلى الأبعد، فبذل Afara مجهوداً استثنائياً في وقت قياسي لتدريب الكورال بمهارة لتظهر الأمسية بأبهى حلة.
تميز الريسيتال ببرنامجه الكلاسيكي الميلادي باللغات الأجنبية، كما بالترانيم الميلادية باللغة العربية من تأليف الأب خليل رحمة، التي يتميز بها لبنان ويتفرّد بتأليفها باللغة العربية في دول المنطقة. فتضمن البرنامج: Air on the G String – J.S. Bach, Ave Maria – G. Caccini, Panis Angelicus –C. Franck, Gesus Bambino –P. You, O Holy night –A. Adam, Hark the Herald – F. Mendelssolm, O Christmas tree –E. Anschutz, Waltz No 2 – D. Shostakovich.
Ahadu bicharatil Aadra, Alleluia, Hala Haddinyi – P. Khalil Rahme.
God reste your Merry Christmas – Traditional.
A tribute of Carols: Adeste fideles, O Little town of Beithlehem, Deck the Halls, Silent night, Joy to yhe world.
وفي هذا المناخ الساحر الذي أعاد الحاضرين إلى لبنان ما قبل أزماته، وشعروا بسطوة الموسيقى التي حافظ الكونسرفتوار الوطني على تقديمها في حفلاته وأمسياته، رغم ظروف لبنان الصعبة، للتأكيد على الرسالة السامية التي تحملها الموسيقى ولاسيما في عيد الميلاد وما يجسده هذا العيد بمعانيه العظيمة. وهذا ما أشارت إليه القواس في كلمتها الافتتاحية إذ قالت: “ لأنه ميلادُ سيدِنا يسوع المسيح، لا يسوغُ لنا الاحتفالُ والوصلُ الا بالموسيقى. نبتهلُ اليوم بترانيمِ الحبِّ، لعلّ معنى المحبةِ الكبير يتجلى فينا، نحن التائقين إلى الخلاص
بحاجةٍ لمخلصٍ يسكنُ في كلِ قلبٍ من قلوبِنا لنصلَ إلى خلاصِ لبنان”. وأضافت: ” إنَّ كلَّ معاني الميلاد، تتجسدُ اليوم في العطاءِ غيرِ ِ المحدود من أساتذةِ المعهد الوطني العالي للموسيقى وموسيقييه، الذين لم يتوقفوا عن العطاءِ، ايماناً منهم برسالةٍ تجسدُها الموسيقى بأعلى درجاتها، لتَسْموَ بوطنِنا في أصعبِ الأوقات، ففي قلبِ كل واحدٍ منهم مخلّص. انّ كلَّ معاني الميلاد تتجسدُ اليوم في اصرارِنا على الفرح، واحتفالِنا برمز ِالخلاصِ ورمز ِالإيمان المطلق الذي يصنعُ المعجزة. ولإيماني بكلِّ ما يجسدُه ميلادُ سيدِنا المسيح، وضعتُ منذ لحظةِ تكليفي برئاسة الكونسرفتوار، حبةَ الخردلِ بين عينَي، وأنا أركضُ محملةً بملفاتِ هذه المؤسسة العريقة الشائكة، محصنةً بوزير ثقافةٍ داعمٍ، ورئيسِ مجلسِ وزراء مؤمنٍ برسالة الموسيقى، ما جعلنا نبدأُ بتحقيقِ خطواتٍ مهمة من أحلامٍ كبيرة، تُكمل فرحةَ العيدِ في داخلِ كلِّ موسيقي في الكونسرفتوار، وتعيدُ الأملَ إلى قلوبنا”.
وفي كلمته شدد الوزير المرتضى على عمق الرسالة الميلادية وعلى أهمية هذا اليوم المجيد فقال: “
يا أخوتي اللبنانيين مسلمين ومسيحيين، السلام على المسيح يوم وُلِدَ ويوم يُبعَثُ – أقولها على الطريقة القرآنية – وميلاده هو البُشرى. فلنتأمل فيه وفي ميلاده، ولتكن فاتحةَ “عهد جديد” بين اللبنانيين، يعي معها المسيحيون مفترَضات انتمائهم إلى منهج المعلِّم، ليساعدوا المسلمين على أن يُحيوا في نفوسهم روح المسيح التي يختزنها الإسلامُ بدوره. فالمسيحية والإسلام، وإن كانا على اختلافٍ حول تفاصيلٍ تتعلقُ بذات المسيح وحيثيات مغادرتِه عالمنا الأرضي، إلا أنهما يتفقان، إلى حدٍّ بعيد، على المسيحِ الرسالة، والمسيحِ المنهج، والمسيحِ المشيئة، والمسيحِ الرؤيا. وما ينفعُنا، نحن البشر، هو الذي تتفّقُ المسيحيةُ والإسلامُ عليه. أما سائر ما يختلفان فيه فلا يؤول علينا جدلنا بشأنه بأيِّ نفعٍ على صعيدِ حياتِنا فوقَ هذه الأرض.”فالمسيحية والإسلام إيمانٌ واحدٌ تجسَّد في دينين مختلفين.” لا يرضى إيمانُهما الواحد هذا أن يتصارعا، ولا يقبل إلا أن يتحاورا ويتعاونا ويتكاملا، على هَدْي ما وَرَدَ في هذه الآيات: “يا أيها الناس، إنَّا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتَعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم” (سورة الحجرات، الآية 13)؛ و”لكلٍّ وِجهةٌ هو مولِّيها، فاستبقوا الخيرات” (سورة البقرة، الآية 148)؛ “وتعاونوا على البِرِّ والتقوى، ولا تَعاونوا على الإثم والعدوان” (سورة المائدة، الآية 2). والى أخوتي المسلمين أخاطب نفسي وأخاطبهم بأن علينا، لا سيما في لبنان، أن نحيا “إسلاماً مُتَمَسحناً” يحيا قيم المسيح كلِّها وفق ما هو مختزنٌ في حقيقته وجوهر تعاليمه. فيكون تلاقي المؤمنين من هنا ومن هناك على عيش الفضائل الدينية، وأولها المحبة و الرحمة، إنبعاثًا لهذه القيم، وإيقاظًا لها من سباتها العميق الذي أراد لها الشرُّ المزروعُ في هذه المنطقة أن تغطَّ فيه لكي يسهل عليه خلق الفتن واستيلاد الحروب والمحن من اجل أن تخلو له الساحة فيفرض إستمرار وجوده فرضًا وسلاحه وديدنه أن يبثّ في الأرض فساداً وفي العلاقة بين المسلمين والمسيحيين متاريساً ونزاعات. وفي الختام دعوةٌ لنا جميعاً مسلمين ومسيحيين أن نكون كما أرادنا المسيح. أن نكون، إلى آخر الحدود، رُسُلَ المحبة هذه “… التي تصفح عن كلِّ شيء وتصبرُ وتخدمُ ولا تحسدُ ولا تتباهى ولا تنتفخُ في الكبرياء… ولا تسعى إلى منفعتها… وتتحمل كلَّ شيء” .
|