الهديل

هل تأثرنا أم أثرنا

بقلم: شيخة غانم الكبيسي

التأثر والتأثير علاقة طردية محورية يقل أو يزيد أحدهما عن الآخر حسب المعطيات والقابلية عند الأفراد أو المجموعات، فقد تكون ظاهرة للعيان ومجردة، وقد تكون باطنة ما يُفسر صعوبة قياسها. كما أن التمييز والفرز عند الاقتباس من الآخرين أمر مهم وضروري، وهو مبدأ تشترك فيه كل الأمم الناهضة والباحثة عن استقلالها الفكري والمادي حفاظاً على الهوية من أن تذوب وتضيع في حدود الآخرين.

 

لذلك فرَّق الأستاذ جلال كشك – رحمه الله- بين التغريب والتحديث، ورأى أن الأول يهدف إلى تقليد المفاهيم والثقافة والأفكار الغربية، التي تتعارض في كثير من أصولها وأسسها مع أفكارنا وقيمنا الإسلامية. أما التحديث فيعني التعامل مع منجزات العصر وعلومه المتطورة، التي فيها مجال فسيح للمشترك الإنساني العام، الذي يجوز فيه النقل والاقتباس. ولكن الشائع استخدام مصطلح الحداثة للدلالة على التحديث والتغريب معاً.

وبما أن قطر جمعت البشر من شتى البلدان والدول والحضارات، حتى بلغوا الملايين من مختلف الجنسيات والأعراق والديانات، لدعم وتشجيع المنتخبات التي يؤازرونها في بقعة محددة من الأرض ليتشاركوا مع شعبها الوئام والتسامح والمحبة والسلام في بلد يسعى للتحديث والتميز رغم صغر مساحته، إلا أنه كبير الأثر والتأثير.

 

كان هذا التأثير جلياً على الجمهور الغفير الذي اقتبس من طقوسنا وثقافتنا وتداول العبارات والجمل العربية وتجاوز ذلك بالتعرف على قيمنا وعاداتنا الإسلامية، لنتمكن خلال فترة قصيرة لا تتجاوز الشهر الواحد من تغيير الصورة النمطية السائدة عند الغرب للدول العربية والإسلامية بشكل عام ولدولة قطر تحديداً، ليتجاوز الأثر الحدود الجغرافية.

 

والسؤال الأهم هنا: هل نحن تأثرنا؟

حيث إن مجال الانتقاء هنا قائم، بل مجال الأخذ والاستيعاب وارد، ولا يجادل في ذلك أحد، فالمواجهة ليست مع التحديث والتطور والانفتاح المقنن، وإنما مع رياح الغرب، أفكاراً، وأيديولوجيات، وعلاقات اجتماعية واقتصادية، وقيماً، ومعايير، وأنماط حياة.

 

ومن جوانب التأثر التي أضفت طابع العصرية والإبداع الفني، تعاون دولة قطر مع منظمة الصحة العالمية والاتحاد الدولي لكرة القدم في مشروع مشترك يسعى إلى تقديم كأس عالم صحية، تحافظ على صحة اللاعبين والمشجعين والمنظمين، وتسهم في نشر ثقافة الرياضة الصحية في مختلف أرجاء العالم. من خلال جعل مونديال قطر 2022 نموذجاً مؤثراً ومستداماً يستند على ركائز أساسية وهي دعم الناس على ممارسة أنماط الحياة الصحية من خلال اتباع نظام غذائي صحي، والإقلاع عن التدخين ومكافحته، وتعزيز الأمن الصحي، مع التركيز على ضمان سلامة التجمعات والمناسبات، من خلال التعهد بإجراء بطولة كأس عالم خالية تماماً من انبعاثات الكربون، حيث تم تنفيذ مجموعة شاملة من المبادرات للتخفيف من الانبعاثات المرتبطة بالبطولة، بما في ذلك الملاعب الموفرة للطاقة، وشهادة المباني الخضراء في التصميم والبناء والعمليات والنقل منخفض الانبعاثات، وممارسات إدارة النفايات المستدامة.كما قامت الدولة بالعديد من الإجراءات مثل بذر البذور لبناء أكبر مزرعة للأعشاب في العالم، وإنشاء فنادق وملاعب صديقة للبيئة، وغرس الأشجار وتخضير الطرقات واستخدام الطاقة الشمسية في تشغيل ملاعب البطولة، واستخدام نظام المترو الكهربائي لأنظمة فرامل متجددة تسهم في تقليل الانبعاثات الكربونية، في بادرة هي الأولى من نوعها في العالم.

 

هذا وعززت قطر قوتها الناعمة، وإعادة تحديد تأثيرها ومكانتها ووضعها ومرافقها وأهداف سياستها الخارجية، لتستفيد البلاد اقتصادياً وتصبح مركزاً تجارياً وسياحياً في المنطقة.

 

أما على المستوى الاجتماعي، ولأننا جميعنا نؤمن بقوة الرياضة في إحداث تغييرات إيجابية في المجتمع، فيمكننا تحديد بعض الآثار الظاهرية وهي خروج جميع فئات المجتمع، خصوصاً الجنس الأنثوي للمشاركة في الحدث وبتفاعل ملحوظ من خلال حضور جميع المباريات والفعاليات المقامة على هامش المونديال دون أن نغفل الروح التي أظهرها الجميع من مواطنين ومقيمين في التناغم مع الجنسيات الـمختلفة وذلك لم نكن نألفه من قبل، ما كان له أثر كبير في كسر طابع الجمود.

وبالرغم من مخاوف الكثيرين قبل المونديال من التغييرات التي قد تؤثر سلباً على المجتمع ويتداول جزء منهم هذه التأثيرات في صياغة الاستفسارات والتساؤلات، إلا أن الشعب القطري أثبت صلابة ثقافته وهويته أمام جموح الثقافات المختلفة، مؤكداً عمقها وأصالتها عبر التاريخ، حاملة بين طياتها مشعل التسامح والرحمة والمحبة للعالم.

 

 

Exit mobile version