لم تكن مأساة المحامي صلاح حموري، المقدسي الأصل، الفرنسي الجنسية، هي الأولى أو الأخيرة في سجل حرمان سكان مدينة القدس الشريف من الإقامة فيها، وإبعادهم عنها إلى أبد قسري، فالاحتلال الإسرائيلي، وفي إطار سياسته المتعمدة لتهجير الفلسطينيين، سحب هوية نحو 15 ألفاً و200 فلسطيني، وأبعدهم كلياً عن مدينتهم المقدسة منذ النكسة الفلسطينية في عام 1967 حتى اليوم، وفقاً لمعطيات مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية.
وإلى جانب انتزاع هوية المقدسيين، بحجة أن مركز حياتهم لم يعد في القدس، سنت إسرائيل القوانين والأنظمة العنصرية لحرمان الفلسطينيين المقدسيين من حقوقهم المشروعة، بما في ذلك حقهم في البقاء في مدينتهم، فأجبرتهم على الرحيل إلى الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، أو دفعتهم للهجرة القسرية خارج حدود الوطن إلى دول عربية وأجنبية.
حادثة غير مسبوقة
صحيفة «هآرتس» العبرية قالت، معلِّقة على سياسة سحب هويات المقدسيين، إن «ترحيل المحامي صلاح حموري، المقدسي الأصل، إلى فرنسا، بمثابة رسالة تحذير عملية من إسرائيل للفلسطينيين المقيمين في المدينة، من أنهم إن لم يخضعوا ويصمتوا ويطيعوا سلطاتها، فإنه سيتم حرمانهم من الإقامة الدائمة».
وأضافت الصحيفة، أن حموري يحمل الجنسية الفرنسية، لذلك أمكن طرده وترحيله خارج الحدود، لكن المقدسيين الآخرين الذين سيجردون من مكانتهم، فإنهم سيتمكنون فقط من الترحيل عن منازلهم وعائلاتهم إلى الضفة، وربما إلى غزة، أو سيبقون في القدس محرومين من حقوق الهوية الأساسية، كالعلاج الطبي والتعليم بشكل أساسي، ما سيكون له بالتأكيد تأثير سلبي على عائلاتهم أيضاً.
هذا الرأي يتوافق معه مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، زياد حموري، حيث يرى أن جميع من سحبت منهم الهوية، ويواجهون خطر نقل إقامتهم من مدينتهم الأم، يتعرضون لمآس حقيقية في ما يتعلق بطردهم من بيوتهم ومنطقة سكناهم، ومواجهة التشرد خلال التنقل بين مناطق عدة.
ويقول حموري لـ«الإمارات اليوم»، في حوار خاص، إن «الاحتلال سن خلال السنوات الأخيرة ما يسمى (قانون الولاء لدولة إسرائيل)، الذي طُبّق ضد صلاح حموري، وأعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني، ووزير شؤون القدس السابق، فسحبت هويتهم المقدسية، وحرموا من حقهم في الإقامة داخل القدس، لعدم التزامهم بهذا القانون، كما تزعم إسرائيل».
ويضيف مدير مركز القدس أن «هذه الحادثة غير مسبوقة، فالتاريخ لم يذكر أن المواطنين أبدوا ولاءً لمن يحتل أرضهم، ولكن إسرائيل تصر على الاستمرار في ذلك، ضمن ما يسمى بالمعركة الديموغرافية داخل مدينة القدس الشريف، لإبقاء أقل عدد ممكن من المقدسيين، وجلب المستوطنين بأعداد كبيرة».
حرمان بدرجة سحب الإقامة
سحب الهوية من المقدسيين يتخذ أشكالاً عدة، تبدأ من سحب التأمين الصحي منهم، وحرمانهم من حقوقهم في العلاج والتعليم والخدمات الأساسية، التي تقدم كحق مواطنة جراء حصولهم على هوية القدس، ليكون ذلك مقدمة لسحب إقامة هؤلاء، واستثنائهم في نهاية المطاف من أعداد سكان القدس.
المواطن المقدسي، رامي الفاخوري، بدأت مأساته منتصف عام 2021، انطلاقاً من سحب مؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلية التأمين الصحي منه، وحرمانه من الحصول على الخدمات الطبية، وقطع المخصصات الاجتماعية الأخرى عن ذويه، كبدل الشيخوخة والاحتياجات الخاصة، وذلك بحجة عدم ثبوتية السكن في القدس، رغم أنه يعيش في البلدة القديمة بالمدينة المقدسة منذ ولادته داخل منزل والده، الذي ورثه عن الآباء والأجداد، وبالتالي يواجه خطر نقل إقامته من القدس في كل وقت وحين.
ويؤكد الفاخوري أن من حق كل فلسطيني يعيش داخل حدود مدينة القدس الشريف، ويحمل هويتها – زرقاء اللون – الحصول على الخدمات الأساسية، وعلى رأسها المخصصات الاجتماعية، والتأمين الصحي لتلقي العلاج، والاستفادة من الخدمات الطبية.
ويقول، إن «هذا يؤكد ثبوتية وجودنا في القدس، وليس كما يدعي الاحتلال، الذي يسعى بكل مؤسساته وأذرعه إلى سحب إقامتنا من القدس، وطردنا منهارويداً رويداً، من خلال قطع المخصصات الاجتماعية، وإلغاء بطاقات التأمين الصحي، وحرماننا من حقوق المواطنة الأساسية».
ويسترسل الفاخوري «إن الاحتلال لا يمن علينا بالخدمات التي نحصل عليها، فالقانون الإسرائيلي يجبر المقدسيين على دفع مبالغ شهرية تصل إلى 250 شيكلاً للفرد الواحد، مقابل الحصول على تأمين صحي شامل مجاني، إلى جانب المخصصات الاجتماعية».
خارج حدود القدس
في عام 2011 سحب الاحتلال الهوية المقدسية، وحق الإقامة في المدينة المقدسة، من ثلاثة نواب أعضاء في المجلس التشريعي الفلسطيني، وهم: محمد أبوطير، وأحمد عطون، ومحمد طوطح، وفي عام 2014 واجه وزير شؤون القدس السابق، خالد أبوعرفة، المصير ذاته.
ويسرد النائب الفلسطيني محمد عطون (55 عاماً) محطات إبعاده قسراً من بلدة «صور باهر» المقدسية، إلى مدينة رام الله بالضفة الغربية، «إن وزير داخلية الاحتلال، أصدر قراراً ينص على سحب حق الإقامة المقدسية من ثلاثة نواب مقدسيين، ووزير القدس السابق، في تاريخ 29 مايو 2006، وبعد شهر من ذلك، اعتقلتني قوات الاحتلال، لتفرج عني في عام 2010، لأتسلم فوراً قراراً إسرائيلياً بإبعادي عن القدس في غضون شهر واحد».
ويضيف «في تاريخ 26 سبتمبر من عام 2011، اقتحمت قوات الاحتلال مقر البعثة الدولية للصليب الأحمر، خلال وجودي احتجاجاً على قرار نقل إقامتي من القدس، لتقتحم قوة خاصة من الجيش الإسرائيلي المقر الدولي، لتختطفني، ثم تنقلني إلى مركز تحقيق (المسكوبية) في القدس».
ويبيّن النائب الفلسطيني أن الاحتلال مارس ضده ضغطاً شديداً لإجباره على التوقيع على أمر الإبعاد، أو البقاء في السجن، فرفض التوقيع مطلقاً، لتقتاده القوات الإسرائيلية في السادس من شهر ديسمبر لعام 2011، فتبعده قسراً إلى الضفة الغربية.
سحب الهوية من المقدسيين يتخذ أشكالاً عدة، تبدأ من سحب التأمين الصحي منهم، وحرمانهم من حقوقهم في العلاج والتعليم والخدمات الأساسية، التي تقدم كحق مواطنة جراء حصولهم على هوية القدس، ليكون ذلك مقدمة لسحب إقامة هؤلاء، واستثنائهم في نهاية المطاف من أعداد سكان القدس.
لانتزاع هوية المقدسيين، بحجة أن مركز حياتهم لم يعد في القدس، سنّت إسرائيل القوانين والأنظمة العنصرية لحرمان الفلسطينيين المقدسيين من حقوقهم المشروعة، بما في ذلك حقهم في البقاء في مدينتهم، فأجبرتهم على الرحيل إلى الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، أو دفعتهم للهجرة القسرية خارج حدود الوطن إلى دول عربية وأجنبية.