خاص الهديل:
قصة سليمان فرنجية مع رئاسة الجمهورية لا تختلف كثيراً في المضمون أو الشكل، عن قصة أبناء العائلات السياسية ووجهاء السياسة الموارنة الذين تضعهم أمهاتهم من أول ساعة في عمرهم على خط انطلاق السباق المرير نحو نيل لقب فخامة الرئيس. والمشترك بين جميع هذه الشخصيات المارونية هو أن طموحها لبلوغ رئاسة الجمهورية، يشبه الطموح الغريزي ويشبه فطرة الجوع والشبع التي تولد مع الإنسان، ولا علاقة له بوجود هدف أو مشروع سياسي لديهم يسعون لتنفيذه من خلال وصولهم لمنصب رئيس الجمهورية. وبمثلما أن هناك في عالم الإبداع مذهب الفن للفن، فإنه في دنيا الموارنة هناك مذهب الرئاسة للرئاسة، حيث أنه في لبنان يكفي أن تكون مارونياً حتى تكون مرشحاً طبيعياً بحسب العرف، لرئاسة الجمهورية، ومن بعد ذلك يأتي السؤال في السياسة عن أسباب الترشح؛ ولذلك درج القول أن كل ماروني في لبنان هو مرشح لرئاسة الجمهورية حتى يعلن عدم ترشحه.
..ولدرجة بعيدة كان محقاً كمال جنبلاط بأسئلته لريمون اده كان نقلها عنهما ميشال أبو جودة، حيث كان يسأله في كل مناسبة: لو كان كمال جنبلاط واسع الأفق والذي يشهد له صديقه وخصمه بغزارة معرفته، في بلد لا يضع كلبنان شرط ان يكون الرئيس مارونياً، فهل يعتقد عاقل أن لا يكون جنبلاط رئيساً للجمهورية(!!).
وكان ريمون اده يرد على جنبلاط بالقول أن رئاسة الجمهورية في لبنان، هي لأصحاب الحظوظ وليس لأصحاب العقول.
..وبكل حال، ورغم تشابهه مع مرشحي الموارنة التقليدين لرئاسة الجمهورية، إلا أن قصة سليمان فرنجية مع سعيه لنيل لقب فخامة الرئيس، يظل فيها بصمته الخاصة، وهي تقوم على ثلاث مناخات جرى مع الوقت اعتمادها، وصاغ أحدها المخصص لمخاطبة باريس، اعلامي فرنسي صديق لفرنجية:
المناخ الأول الذي يحيط بصورة سليمان فرنجية كمرشح لرئاسة الجمهورية، والذي صنع في باريس ومن أجل مخاطبة باريس ومنها مخاطبة الغرب، يقوم – أي هذا المناخ – على نظرية إنتاج “بعد انساني لشخصيته الرئاسية”..
وللإضاءة على هذا الحانب غير المرئي في قصة سليمان فرنجية مع الرئاسة، يجدر ذكر واقعة حدثت خلال بدايات احتدام السباق الانتخابي الرئاسي عام ٢٠١٥، وكان حينها سليمان فرنجية لا يزال لديه حظوظاً متقدمة، كون حظوظ عون لم تكن وقتها قد تقدمت للصدارة بعد.. آنذاك تواجد في لبنان صحفي فرنسي لديه علاقة صداقة وثيقة بـ آل فرنجية وبسليمان فرنجية. وتحدث هذا الصحفي لأصدقاء لبنانيين له حينها، عن شكل الصورة الإعلامية والإنسانية التي يتم تقديم سليمان فرنجية بها للنخب السياسية والإعلامية الفرنسية، حتى تتقبل ترشيحه وتتعاطف معه.
وقال الصحفي الفرنسي عينه ان الخطاب المتبع مع أروقة باريس النخبوية عن سليمان فرنجية، يركز على البعد الإنساني في حياة فرنجية السياسبة والخاصة؛ وهذا البعد يتم عرضه من خلال ثلاثة عبارات مفتاحية:
الأولى سليمان فرنجية الطفل اليتيم؛ والثانية سليمان فرنجية ابن الشهيد الشاب طوني فرنجية؛ والثالثة سليمان فرنجية الناجي الوحيد من المجزرة التي ارتكبت بحق عائلته..
وبرأي الصحفي الفرنسي أن هذا البعد الإنساني الذي يتم تقديم صورة فرنجية به، خلق في فرنسا مناخاً متعاطفاً مع فكرة وصوله لرئاسة الجمهورية، انطلاقاً من أن ذلك يشكل تعويضاً انسانياً له عن حياة صعبة عاناها بفعل مجتمع سياسي متوحش..
ويتضح بالعمق أن هذه الصورة الوجدانية بأبعادها الثلاثة المفرطة بنزيفها الإنساني، تريد بشكل خاص تكريس انطباع لدى النخب الفرنسية السياسية يقول أن سليمان طوني فرنجية هو ضحية عنف الميليشيات الطائفية التي تحكم بلبنان، وليس بأي حل هو جزء منها.
..وثمة جانب آخر داخل هذه الصورة هو الأكثر حذاقة، ويركز من خلاله مصممو صورة فرنجية – الرئيس داخل فرنسا على “مشهد الطفل” داخل حياته، الذي كان شاهداً على المجزرة الأليمة التي ارتكبت بحق والده وعائلته.
..ويريد مصممو هذا المشهد لفرنجية الطفل – الشاهد، أخذ شخصيته إلى فكرة تنتمي برمزية أحاسيسها الى ظلال فكرة المقارنة البصرية بين “طفل المغارة” و”طفل الرئاسة اللبنانية”!!.
..وفي كل مرة يكون فيها فرنجية موجوداً في موسم استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية، يعاود مريدوه في باريس رسم البعد الإنساني الخاص بحياته، وذلك على نحو يظهر بشكل خاص الفكرة الأساسية وهي أن “أبو طوني” هو ضحية العنف السياسي في لبنان، وليس جزءا منه.. وأن ترشحه هو تمثيل لهذه الفكرة، بوجه مرشحين صنع العنف السياسي والفساد السياسي، مكانتهم السياسية.
المناخ الثاني لصورة فرنجية كمرشح لرئاسة الجمهورية، يتم رسمها بعيداً عن أجواء الخطاب الإنساني الموجه لباريس، وهو يركز على إبراز مجموعة معطيات تخص مكانة فرنجية كقطب مسيحي له تقاليده السياسية، بأكثر مما له أفكاره السياسية، وأبرزها تقليد عائلته المتوارث بالعلاقة الوثيقة مع آل الأسد ونظامهم في سورية، الخ..
كما تطرح هذه المعطيات صورة فرنجية الرئاسية النمطية، وذلك من زاوية أنه بمثلما أنه وفيّ لعلاقات جده، فهو أيضاً وريث سياسي مثابر لعائلة لها تاريخها السياسي في شمال لبنان، وفي رئاسة لبنان وفي التنافس عليها، الخ..؛ ولكن ضمن هذه الصورة المحلية لفرنجية المرشح للرئاسة، يتم حالياً ولأول مرة إضافة عنصر جديد وهام إليها، وهو “فرنجية المختلف في سلوكه وشخصيته كلياً عن جبران باسيل”..
وضمن هذه الجزئية يجري التركيز على الأبعاد التضادية في شخصية فرنجية مع باسيل؛ وأبرزها القول أن “أبو طوني” عكس باسيل، لجهة أنه شخصية منفتحة على الآخر، حتى الذي هناك معه خلاف سياسي، وأنه شخصية لا تحمل كباسيل، أحقاداً، بخاصة على الآخرين في البيئة المسيحية السياسية المارونية، رغم أن عائلته تلقت الويل من داخل هذه البيئة..
كما تركز دعاية فرنجية على نقطة الصراحة التي يتمتع بها لجهة أنه لا يخفي تحالفاته وصداقته أو مواقفه ولا يلدها وفق سوق الربح والخسارة السياسيي.. والواقع انه مع الوقت نجح فرنجية في حعل هذه الميزة فيه محل احترام حتى عند خصومه، وصاروا يعتبرونه شخصية واضحة ويمكن التعامل معها للتوصل الى تسويات، وهنا أيضاً عكس باسيل!!..
أما البعد الثالث في صورة فرنجية المرشح لرئاسة الجمهورية، فهي تتصل بتحالفه الوثيق مع حزب الله.. وهذه الصورة بدأ يتم تسويقها داخل دول وبيئات محور الممانعة، بنفس طريقة التركيز التي تتم داخل فرنسا؛ أي التركيز على إظهار البعد الإنساني لفرنجية الذي لحق به من قبل حزب الله مظلومية ما، وأن تكن المظلومية المقصودة هنا هي مظلومية سياسية أصابته كمرشح لرئاسة الجمهورية، وليست مظلومية دموية كالتي أصابت عائلته خلال طفولته..
وضمن هذه الصورة يتم التركيز على صفتين اثنتين بفرنجية:
أولاً- سليمان فرنجية الماروني الوحيد الذي تخلى عن فرصة رئاسية كانت محققة له، كرمى عيون التزامه بوعد نصر الله الصادق لميشال عون ..
ثانياً- سليمان فرنجية الذي صدق في وعده مع حلفائه، وهو يقف اليوم في محطة ان يفي معه حلفاؤه.
والواقع أنه بين مظلومية “طفل رئاسة الجمهورية” كما تعرض صورة فرنجية الرئاسية في باريس، وبين مظلومية وفاء حلفائه له، كما تعرض صورته في لبنان ودمشق وطهران، فإن لفرنجية جنوداً آخرين يقاتلون تقف في سبيله ليس من خنادق المظلومية بل من جبهات قوة المال كالشاغوري وقوة النفوذ السياسي كالرئيس نبيه بري.. وفي هذا الجزء من صورته الرئاسية، يبدو فرنجية مرشح عملاق شركات الغاز في باريس وأوروبا، ومرشح مصادر الطاقة السياسية المتدفقة في لبنان!!