الهديل

خاص الهديل: أحزاب لبنان يتبنون إستراتيجية “الانتظار”.. وفرصة “إعادة النازحين” ضاعت خلال “التفاوض البحري”..

خاص الهديل:

أحزاب لبنان يتبنون إستراتيجية “الانتظار”.. وفرصة “إعادة النازحين” ضاعت خلال “التفاوض البحري”..

خلال الأعوام الثلاثة الماضية، تم دولياً اعتماد ثلاث نظريات لتحليل إمكانية الحل في لبنان؛ النظرية الأولى كانت فرنسية وهي استنتجت بعد التجربة ان “الثورة في لبنان ليست طريقة للتغيير”؛ كون لبنان بلد طوائف، وكون نمط التفكير العام فيه، يقوم على التصادم الطائفي أو التسويات الطائفية.. وهذه الخاصية للبنان تمنع التغيير بواسطة الثورة التي سرعان ما تتحول إلى صدام طائفي وحرب أهلية.

وبالتزامن مع البحث عن التغيير من خارج الأُطر الديموقراطية، كان ساد تفكير قديم – جديد يرى أن “الجيش هو الحل”. ولكن أصحاب هذه النظرية سلموا سريعاً، بأنه مثلما أن الثورة (الشارع) ليست طريقة للتغيير في لبنان، فإن الانقلاب العسكري في لبنان ليس طريقة للإنقاذ أيضاً، والسبب مرة أخرى هو خاصية الوضع اللبناني المتشكل من طوائف محكومة بسلوك واحد وطريقين: إما الذهاب للتصادم أو الذهاب للتسويات.

قديماً كتب الإمام الغزالي يقول “ليس بالإمكان أبدع مما كان”؛ وبعد مرور مئة عام على نشوء الكيان اللبناني، لا يزال الواقع السياسي اللبناني يعيش تطبيقات نظرية “ليس بالإمكان أبدع مما كان”؛ بمعنى أن لبنان بلد محكوم بالبقاء في المربع الطائفي حسب نشأته الأولى قبل مئة عام، وعدم الخروج منه إلى مربع المواطنة والدولة.

والواقع أنه بعد استبعاد “نظرية التغيير عن طريق الثورة” وحتى “الانقلاب العسكري”، سادت في الخارج وداخل لبنان نظرية تراهن على الانتخابات بوصفها أداة ديموقراطية قد تساعد على إحداث “تغيير ما” في لبنان. 

…وقالت أصحاب هذه النظرية أنه يكفي أن ينتخب الشعب اللبناني عدداً معيناً من النواب التغيريين حتى يفرض هؤلاء “إرادة التغيير”، أو حتى “مناخ التغيير” داخل مجلس النواب..

…ورغم أن نتائج الإنتخابات الأخيرة أدت إلى دخول ما بين ١٢ إلى ١٥ نائباً تغييرياً إلى مجلس النواب، إلا أن الأحزاب المتهمة بأنها المسؤولة عن الانهيار، حافظت على تصدرها حصد أغلبية المقاعد في المجلس النيابي الجديد.. وعليه فإن نتائج الإنتخابات ومن ثم تعثر النواب التغييريين قليلي العدد، في اثبات حضور مقنع داخل البرلمان، أدى إلى استبعاد نظرية الرهان على الانتخابات من بعد أن كان تم أيضاً استبعاد الرهان على الثورة والانقلاب العسكري.

وحالياً يوجد رهان ثالث في ترتيبه؛ وهو نظرية “الانتظار”؛ وهذه نظرية موجودة لدى قسم من الخارج غير المستعجل على الحل في لبنان، ولدى أحزاب الطوائف اللبنانية بشكل خاص .. فحزب الله يراهن على تغير ظروف الإقليم حتى يمكن أن تنجلي صورة المشهد اللبناني أمام عيونه التي باتت ترى ببعد إقليمي أكثر مما هو محلي .. وبمقابله فإن القوات اللبنانية ترى أيضاً أن موازين القوى الداخلية مختلة لصالح حزب الله، وأنه من دون حصول انكفاء إقليمي للمحور المساند لحزب الله، فإن الأخير لن يبادر لتقديم تنازلات في الداخل؛ وعليه فإن الأزمة مستمرة بانتظار تطور خارجي يؤشر لحزب الله بأن عليه التنازل في الداخل اللبناني.

أما التيار الوطني الحر، فهو ينتظر أيضاً “ربيع باسيل” الذي قد يحمل رفع العقوبات الأميركية عن الصهر المدلل.. وقبل حلول فصل الربيع، سيحاول باسيل جعل الخريف السياسي هو الفصل السائد والغالب على الوضع الداخلي اللبناني.

الوضع السني بدوره، موجود أيضاً في ثلاجة انتظار ما لا ينتظر.. حيث تسود الساحة السنية حالة من الضباب الكثيف، وليس معروفاً كيف سيكون المشهد السني بعد تمرير قطوع انتخاب فخامة الرئيس المسيحي الأول.. ويحاول باسيل تغذية مناخ الضباب لدى السنة، وذلك عبر تركيزه ومعه آخرون لديهم مصالح مختلفة، على إحباط المسار الذي يعتمده رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الهادفة لجعل دور موقع الرئاسة الثالث السني الوطني يؤدي دور صمام أمان لمنع حدوث أمرين اثنين أساسيين: الأول منع حصول انهيار كامل للدولة على مستوى علاقتها ومسؤوليتها تجاه حاجات المواطنين، والثاني الحفاظ على نظام الطائف عبر إبقائه حاضراً من خلال مجلس الوزراء مجتمعاً ومن خلال إعلان التمسك به والدفاع سياسياً عنه.

والواقع أن اخطر ما في نظرية الانتظار المعتمدة حالياً داخل لبنان، ومن قوى خارجية تجاه لبنان، هي أنها تعرض على البلد اتباع سياسة انتظار تساوي الشلل، بدليل محاولات شل حكومة تصريف الأعمال ولو بالحد الضيق لعملها، وبدليل أيضاً أن الاتفاق البحري غير المباشر مع إسرائيل، يتضح الآن أنه مؤلف من قسمين: الأول هو احتفال التوقيع عليه الذي هو توقيع على فوز بايدن بنيل الهدف الذي يريده؛ والشق الثاني هو انتظار لبنان لنتائج التوقيع التي يبدو أنها غير مضمونة من جهة وتحتاج لوقت حتى تؤتي ثمارها من جهة ثانية، في حين أن أهم سمات الوضع الراهن اللبناني أنه لا يستطيع الانتظار..

والواقع أن أكبر خطأ ارتكبه “لبنان الرسمي” و”الخلفي” خلال مفاوضاته لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، هو أنه منح توقيعه عليه قبل أن يطالب بأمرين استراتيجيبن يحتاج إليهما الوضع اللبناني على نحو كبير:

الأول كان على لبنان أن لا يقبل بوضع يسفر للاتفاق فيه عن نتيجة اسمها الانتظار، حتى لو كان هذا الانتظار يتمثل برزنامة بدء التنقيب في الحقول اللبنانية من قبل توتال وغيرها؛ ذلك أن هذا الانتظار ليس انتظاراً تقنياً وفنياً فحسب، بل هو انتظار مقامرة ويشوبه عنصر “عدم اليقين”، لأنه ليس هناك ما يضمن امتلاك لبنان ثروة كبيرة أو حتى قليلة من الغاز تحت البحر؟؟ ولأنه ليس معروفاً ومضموناً ما إذا كانت واشنطن تريد فعلاً ان يدخل لبنان نادي الغاز في المتوسط؟؟

والأمر الثاني الأخطر يتمثل بأن الخطأ الأكبر الذي ارتكبه لبنان عام ٢٠٢٢، وهو أنه لم يحسن التفاوض مع الأميركيين بخصوص ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل؛ بمعنى آخر كان لبنان يدرك ان إدارة بايدن تريد لهذا الاتفاق أن يوقع بأي ثمن كان، ولذلك كان يستطيع لبنان أن يطلب من إدارة بايدن كثمن لتوقيعه ليس فقط كل حقه في ثروته البجرية (الخط ٢٩) بل أيضاً ان يضيف عليها ثمناً استراتيجياً عاجلاً وليس مؤجل الدفع، وهو موافقة واشنطن على إعادة النازحين السوريين في لبنان الى بلدهم الآن وفوراً..

لقد فوت لبنان هذه الفرصة الثمينة؛ علماً أن الإدارة الأميركية كانت ستأخذ طلب لبنان هذا بعين الاعتبار كونه ثمن يظل مقبولاً قياساً بأهمية ثمن حصول بايدن على اتفاق الترسيم البحري الذي تصفه أعلى الأوساط الأميركية بأنه يشكل درة تاج عهد بايدن الوحيدة حتى الآن..

Exit mobile version