الهديل

خاص الهديل: استنتاجات على الجيش استخلاصها من تجربته مع تداعيات الانهيار المعيشي عليه

خاص الهديل:

 

انتهى عام ٢٠٢٢ على فراغ رئاسي وإحباط وطني ومراوحة خطرة داخل نفق الانهيارات المعيشية والاقتصادية والسياسية..

 

…وإذا كان هناك من نقاط مشجعة في العام الذي أصبح هذا اليوم من الماضي؛ فإن إحداها هو نجاح الجيش اللبناني في الحفاظ على تماسكه بمواجهة تداعيات أزمة الإنهيار المعيشي على جنوده وضباطه.

..ويمكن القول في هذا المجال أن صمود الجيش بمواجهة الأزمة الإقتصادية والمالية والمعيشية الخانقة التي تعرض لها، هو بمثابة إنجاز يجب التركيز عليه، ليس فقط من زاوية أنه يجب تحصينه، بل أيضاً من زاوية أن هذه الأزمة التي مر بها الجيش يتوجب استخلاص العبرة الإستراتيجية منها، وذلك باتجاه وضع إستراتيجية حول كيفية حماية تماسك الجيش في المستقبل في حال تكررت أزمات الانهيارات الإقتصادية والمالية والمعيشية في البلد، خاصة أن أمراً ليس مستبعداً في بلد مثل لبنان يعاني من فساد سياسي مزمن وبنيوي.. 

لا شك أن الجيش واجه خلال العامين الأخيرين أعتى عاصفة إقتصادية ومالية ومعيشية مرت على قيادته وضباطه وأفراده في كل تاريخ لبنان الحديث.. ويمكن في هذا المجال القول بكثير من الثقة أن الجيش خاض “حرب صمود” بوجه تداعيات الأزمة الإقتصادية والمالية عليه.. كما يمكن لأي مراقب متابع لهذا الملف، أن يخرج من خلال التفكر بالوضع الذي دخله الجيش خلال عاميّ الانهيار الاقتصادي في لبنان، باستنتاج أساسي وهو أنه على المستويين السياسي والعسكري المعنيين بالمؤسسة العسكرية في لبنان، التوصية بضرورة دراسة ثلاث نقاط: الأولى تقويم تجربة الجيش على هذا الصعيد والتوصل للاستنتاجات السلبية والإيجابية؛ والنقطة الثانية: ما هي العوامل الاستراتيجية التي ساعدت ومكنت الجيش من الصمود والحفاظ على تماسكه، رغم واقع أن الأزمة أدت إلى فقدان عناصر الجيش للحد الأدنى من الضمانات المعيشية، حيث أن رواتب عناصره لم تعد تكفي ثمن انتقالهم من منازلهم لثكناتهم ومواقعهم؛ والنقطة الثالثة: ما العمل حتى لا يتكرر ما حدث مع الجيش اليوم في الغد في حال تكررت الأزمة المعيشية والمالية والإقتصادية، وهو احتمال غير مستبعد في بلد لديه ظروف لبنان؟؟ وهذا السؤال هنا يمكن طرحه بصيغة أكثر حرفية، بحيث يصبح التالي: كيف نحافظ على بقاء الجيش قادراً على حماية بقاء الدولة والبلد في ظل تعرض لبنان لانهيار اقتصادي شامل؟؟ وبالتالي كيف نمنع تعرض الجيش “للسكتة المعيشية” القاتلة، وذلك من وحي التجربة الراهنة؟؟

طبعاً الإجابة عن النقاط الثلاث السابقة بشكل منهجي، بالإضافة للإجابة عن السؤال الأخير، تحتاج لدراسات منهجية وعلمية ووضع المعطيات الكاملة بين يدي المكلفين بإعدادها، ولكن في هذه العجالة يمكن التوقف عند أهم الاستنتاجات حول العوامل الاستراتيجية التي ساعدت الجيش على الصمود بوجه الأزمة المعيشية الحادة، ويمكن إطلاق ما يمكن اعتباره أهم توصية بينتها هذه الأزمة، ويتوجب على الجيش اتباعها في المستقبل لتحاشي تكرار الأزمة التي مر بها..  

الاستنتاج الأول يتعلق بالتوصية التي بينتها الأزمة الراهنة، ومفادها أنه بات من الضروري التفكير بأن يكون للجيش احتياط استراتيجي مالي واقتصادي مستقل، وذلك على شكل استثمارات داخل البلد وخارجها.. وعلى أن تكون هذه الاستثمارات عائدة لقيادة الجيش مع خلق آليات قوننتها كأن يمثل مستوى الإستثمارات لدى الجيش مفوض عنه لدى رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة أو وزارة الدفاع، أو أي شكل آخر. 

سيبدو هذا الاقتراح لأول وهلة لكثيرين من الدستوريين أو حتى من المراقبين والسياسيين، أنه اقتراح متسرع وغير منطقي، ولا يستند لأساس دستوري صلب، وذلك انطلاقاً من أنه يتجاوز أصول أن الجيش يتبع للقيادة السياسية؛ وتمويله حصراً يجب أن يكون من وزارة المالية، الخ…

والواقع أن كل هذه الملاحظات قد تكون مفهومة وصحيحة، لولا أن تجربة الجيش خلال فترة الإنهيار الإقتصادية الراهنة لا تفرض ضرورة أن يتم تخطيط قوانين وآليات ابتداعية لمنع تكرار حصولها مرة أخرى في المستقبل.. 

وكل هذه الملاحظات كانت ستكون وجيهة لو أن الجيش لم يترك لوحده ليواجه منفرداً أزمة تداعيات الإنهيار الاقتصادي عليه، وذلك تحت ضغط انهيار مؤسسات الدولة وخزانة الدولة والاستمرار بمهامه في الحفاظ على أمن البلد وبقاء الدولة!!.

إن هذا الواقع الموجود فيه الجيش حالياً، يجب أن يتم أخذ العبر منه للمستقبل، وذلك عبر “تخطيط مستقبل آمن للجيش معيشياً” حتى لا يسقط بالضربة المعيشية القاضية في حال انهارت الدولة اقتصادياً ومالياً في المستقبل، كما يحدث اليوم. 

الاستنتاج الثاني وهو على صلة بالاستنتاج الأول ويتعلق بالعبرة الأهم التي يمكن استخلاصها من المواجهة التي يخوضها الجيش اليوم لتقليل تداعيات الانهيار الاقتصادي عليه؟؟

والاجابة الواضحة على هذا السؤال هو: ان احد العوامل المادية الإستراتيجية الذي ساهم في دعم تماسك الجيش بمواجهة أزمته المعيشية هو دور قطاع الطبابة في الجيش (المستشفى العسكري وغيره من مؤسسات ذات طابع طبي). لقد سد هذا القطاع للجيش ليس فقط حاجة طبية لعناصره ولبيئة الجيش الإجتماعية، بل وفر له في زمن الأزمة الخانقة، ما يعتبر سلاحاً استراتيجياً دعم صموده وتماسكه.  

وهذه العبرة تدلل على أن بناء المؤسسات الخدماتية والإقتصادية التابعة للجيش، تشكل ليس فقط حاجة خدماتية دائمة للبيئة الإجتماعية للجيش، بل تشكل نوعاً من الاحتياط الاستراتيجي الذي يكون له دور في الدفاع عن تماسك الجيش، وذلك في حالات تعرض البلد – لأسباب سياسية لا علاقة للجيش بها – لانهيارات إقتصادية تسبب انهيارات على المستوى المعيشي للقطاع العسكري كما القطاعات الأخرى.

إن الملاحظة الأساسية في هذا المجال تفيد بأن لبنان سيظل بلداً معرضاً للانهيارات الإقتصادية التي ينتج عنها انهيارات معيشية، وعليه فإنه من الضروري أن يكون للجيش خطط حول كيفية مواجهة فقدان الجندي اللبناني في فترات الإنهيار الاقتصادي، للقيمة الشرائية الخاصة براتبه، فيما يكون عليه بنفس الوقت القيام لمهمة الدفاع عن بقاء الدولة والبلد؟؟

وهذا الأمر يجب أن يتم أخذ ناصية معالجته من خلال قوننة إيجاد إحتياط استراتيجي اقتصادي ومالي وخدماتي تابعة للجيش، بحيث يؤدي هذا الاحتياط الاستراتيجي دور حماية صمود الجيش وتماسكه وضمان استمرار قيامه بمهامه في فترات الإنهيار الاقتصادي والمعيشي في البلد.

Exit mobile version