الهديل

خاص الهديل: من كواليس قصة زيارة وفد حزب الله لبكركي ..

خاص الهديل:

 

الزيارة التي قام بها أمس وفد حزب الله الى بكركي، جاءت – بحسب معلومات – ضمن سياق سياسي، وليس فقط باعتبارها تلبية لواجب تهنئة الكاردينال بشارة الراعي بالأعياد المجيدة.

والواقع أن بعض المصادر المطلعة تطلق على هذه الزيارة تسمية “زيارة استعادة مبادرة الحوار” بين حارة حريك وبكركي، وذلك بعد فترة من القطيعة بين الطرفين.

ولقد سلكت الزيارة طوال الأشهر الثلاثة الماضية، مساراً من المقدمات ومن اختبارات النوايا بين الطرفين، وكان الكاردينال الراعي أقدم خلالها على رسم خارطة طريق للخطوات التي تحبذ بكركي أن يسير بها حزب الله إذا كان معنياً بإعادة تطبيع العلاقة معها.. والواقع أن زيارة وفد الحزب أمس لبكركي، كانت بمثابة الخطوة الأخيرة المطلوب من الحزب القيام بها تطبيقاً لتسلسل بنود “خارطة الطريق” التي وضعتها بكركي قبل نحو شهرين “لبدء صفحة جديدة بين بكركي وحارة حريك”.. 

ماذا حدث طوال الشهرين الماضيين في كواليس مسار إعادة تطبيع العلاقة بين بكركي والحزب؟؟ 

قبل نحو ثلاثة أشهر تقريباً، تداول الإعلام تسريبات أفادت بأن هناك “حواراً متقدماً غير معلن بين بكركي وحارة حريك” لإنهاء حالة الإحتقان السائدة بين الطرفين على خلفية غضب حزب الله من مواقف الكاردينال الراعي التي دعا فيها إلى مبادرة “حياد لبنان” والمطالبة بمؤتمر دولي لحل القضية اللبنانية، الخ..

ولكن سرعان ما نفت بكركي عبر مصادر قريبة منها، قصة “الحوار المتقدم” التي تتحدث عنها وسائل اعلامية، وقالت مصادر بكركي أن ما يحدث هو مجرد “شائعات متقدمة” وليس “حواراً متقدماً”… 

وكشفت المصادر عينها أن كل القصة تقع في أن هناك شخصيات مسيحية قريبة من الحزب ومن بكركي تبرعت من تلقاء ذاتها، ومن دون تكليف من الراعي، بالاتصال بحارة حريك بغرض انشاء وساطة بين الطرفين. ولكن الكاردينال الراعي لا علم له بهذه الوساطات.. وبكركي ليست على اطلاع بوجود أي حوار لا متقدم ولا متأخر مع الحزب.

وشددت هذه المصادر حينها عن لسان بكركي، على موضوع أساس وهو أن الراعي “لم يكلف شخصيات بالتواصل مع حزب الله”؛ وعلى أن الشخصيات التي تقوم بأدوار التواصل، إنما تعبر عن نفسها وليس عن مواقف بكركي ولا عن تفكيرها.

ولوحظ حينها داخل أوساط حزب الله، أنه لأول مرة تغسل بكركي يدها من أصدقائها المشتركين بينها وبين حزب الله، علماً أن هؤلاء الأصدقاء طالما وسطتهم بكركي لمعالجة أمور بينها وبين الحزب.

وأعطى هذا التحول في موقف بكركي حينها من “الأصدقاء المشتركين” انطباعاً في حارة حريك بوجود واحد من احتمالين اثنين: إما أن الكاردينال الراعي يبعث برسالة لحزب الله ولغير حزب الله من المعنيين، تقول أنه لم يعد يريد الحوار مع حزب الله في هذه المرحلة.. وإن صح هذا الاستنتاج، فهذا يعني أن الراعي اختار التصعيد بصورة غير مسبوقة مع الحزب؛ وإما أن يكون موقف بكركي بغسل يديها من الأصدقاء المشتركين الذين طالما اعتمدتهم لإيصال رسائل للحزب، لا يعدو كونه رسالة يريد منها الراعي إفهام الحزب بأنه يريد حواراً مباشراً وبشكل ثنائي مع حزب الله، ولا يرغب في هذه المرحلة التي يوجد فيها الاستحقاق الرئاسي، بالحوار عبر قنوات الصلات المشتركة التي غالباً ما تؤدي إلى إذاعة أسرار اللقاءات.

واعتبر الحزب حينها أنه حتى يتبين له أياً من هذين الاحتمالين هو الصحيح؛ فإنه سيتعامل مع بكركي وكأن هذين الاستنتاجين اللذين وضعهما لتفسير خلفيات موقف الراعي من الأصدقاء المشتركين؛ واردان بنفس الوقت؛ أي أن الحزب من جهة سوف يرد على احتمال أن يكون الراعي قرر التصعيد ضد الحزب، بتصعيد مواز عبر موقع المجلس الشيعي الأعلى الذي بالفعل اطلق حينها حملة تصريحات أسبوعية منددة ضد مبادرة الراعي؛ ومن جهة ثانية، وبغية إعطاء فرصة لفرضية أن موقف الراعي ليس تصعيدياً ولا يريد قطع الحوار، بل يريد نقله من خانة الوسطاء إلى خانة الحوار المباشر؛ فإن الحزب بدأ يتساقط كل الإشارات المشجعة الواردة من بكركي حول رغبتها باستئناف الحوار المباشر معه.

ولقد جاءت أوضح إشارة حينها على هذا الصعيد، في أوائل شهر ١١ العام الماضي، وذلك عندما أدلى مستشار الراعي الوزير السابق سجعان قزي بمطالعة للصحفيين، اعتبرها الحزب أنها تمثل خارطة طريق تريد بكركي من حارة حريك ان تتبعها حتى تتم إعادة تطبيع العلاقات بينهما.

قال قزي حينها التالي:

أولاً: الذين تبرعوا بالواسطة مع الحزب لا يمثلون بكركي. والكاردينال لا علم له بما يقوله هؤلاء للحزب..

وأضاف قزي ثانياً: ان بكركي لم تمانع بالحوار مع حزب الله في كل المرات، لأنها تعتبره من مكونات البلد، ولكن الحوار لديه بروتوكول معتمد في بكركي؛ وأخلاقيات، ومنها وقف الحملات على بكركي.

ولقد قدم هذان المقطعان من كلام قزي، تأكيداً قوياً لحزب الله على أن بكركي تريد أمرين إثنين: 

أولاً- تريد حواراً مباشراً مع حارة حريك، وليس عبر الوسطاء. 

وثانياً- تريد أن يسبق هذا الحوار إجراءات وقف حملات الشيخ قبلان القاسية على مواقف الراعي، خاصة وأن بكركي تعتبر أن تصريحات قبلان يقف وراءها حزب الله.

وتضمن كلام قزي حينها مقطعا ثالثاً جاء فيه: حتى يحصل الحوار مع حزب الله، يجب أن يسبقه إعلان رغبة جدية من قبل الحزب بذلك، ويجب أن يتم افتتاحه “بتشكيل وفد رفيع المستوى من الحزب”، يقوم “بزيارة الراعي والإعلان عن فتح صفحة جديدة”، و”ليس مثل الوفود السابقة التي لم تكن على مستوى بكركي”.

…وتوقف الحزب حينها ملياً عند هذه الفقرة الأخيرة من خارطة الطريق التي تكفل قزي بإعلانها في عملية “سين وجيم” منسقة مسبقاً مع أحد الصحفيين.. واعتبر الحزب أن ما جاء في هذه الفقرة يمثل أقوى توضيحاً لطبيعة الإخراج الذي تريده بكركي لبدء الحوار مع حزب الله، وهو إخراج يتضمن أولاً “إرسال وفد رفيع المستوى من الحزب لزيارة الراعي” وثانياً “إعلان الوفد من بكركي عن فتح صفحة جديدة مع الراعي” ما يعني اعتراف الحزب ضمناً بأن العلاقة الماضية لم تكن ايجابية!!.

ولا شك ان حزب الله من خلال شكل ومضمون الزيارة التي قام بها للراعي أمس، يكون قد نفذ حرفياً كل بنود خارطة الطريق التي وضعتها بكركي لإعادة تطبيع علاقتها بحارة حريك: فالحزب كان أوقف حملات الشيخ قبلان على بكركي؛ كما أعلن فعلياً مؤخراً عبر تصريحات مدروسة ومسربة، عن أن الحوار مع بكركي مهم بخصوص الاستحقاق الرئاسي، وهذه نقطة يريدها الراعي بحماسة.. كما أن الحزب انتهز مناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة، وشكّل – كما طلبت خارطة الطريق المسربة عن بكركي على لسان قزي – وفداً رفيع المستوى أرسله لبكركي وتقدمه رئيس المجلس السياسي في حزب الله السيد ابراهيم أمين السيد، ومعه مسؤولون كبار من الحزب.

…لكن ما يجب التوقف عنده هو أن رئيس المجلس السياسي في حزب الله حرص خلال كلامه من باب بكركي على الإشارة إلى أمرين اثنين يحملان للراعي مواقف ورسائل مبطنة من الحزب:

الأمر الأول قوله “لا توجد صفحة جديدة ولا صفحة قديمة بين بكركي والحزب بل علاقة دائمة”.. وهذه العبارة هي رد بمفعول رجعي من قبل الحزب على ما جاء في خارطة طريق بكركي المعلنة حينها قبل نحو شهرين بلسان قزي، وذلك عن أنه حتى يحصل حوار مع الحزب فعلى الأخير الإعلان “عن بدء صفحة جديدة مع بكركي”. ويبدو واضحاً من عبارة السيد ابراهيم أمين السيد أن حارة حريك تريد القول بلطف للراعي “انها لا تقبل حواراً بشروط مسبقة، ولو كانت الشروط شكلية”…

الأمر الثاني هو قول السيد ابراهيم أمين السيد ان مجلس النواب دعا لحوار من أجل الاستحقاق الرئاسي.. وفي هذه العبارة يوجد أيضاً رسالة للراعي بأن حزب الله يعتبر أن مكان الحوار الرسمي حول استحقاق انتخاب فخامة الرئيس، هو عند بري والبرلمان، وليس عند الراعي وبكركي..

من غير المعروف كيف سيقرأ الراعي رسالة إعطاء الحزب أولوية للحوار الذي دعا إليه بري من أجل التفاهم على الاستحقاق الرئاسي، خاصة وأن سبب حرص الراعي على تفعيل علاقة مباشرة وثنانية مع الحزب في هذه المرحلة، هو تقوية دور بكركي كطباخ أساسي ومتقدم للحوار الوطني من أجل تمرير الاستحقاق الرئاسي!!..

Exit mobile version