الهديل

خاص الهديل: لعبة “الهر والفأر” الإستخباراتية بين تل أبيب وحارة حريك: أين غاب نصر الله؟!

خاص الهديل:

 

 

تميز خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ليلة أمس، من حيث الشكل بأمر مستجد وهو أن خطابه جاء بعد سيل من التكهنات سادت في الإعلام حول السبب الذي دفع نصر الله الى تأجيل خطابه من ليلة الجمعة الماضية إلى ليلة أمس الثلاثاء.

ورغم أن حزب الله أصدر بياناً حدد فيه سبب تأجيل خطاب أمينه العام، وهو إصابة نصر الله بوعكة صحية.. ورغم أن بيان الحزب حدد نوعية هذه الوعكة (الانفلونزا)، إلا أن الإعلام، وبجزء منه الإعلام الإسرائيلي، ذهب ليشكك بأن هناك سبباً أكبر من الوعكة الصحية أجبرت نصر الله على تأجيل موعد الخطاب.. كما قال بعض الإعلام الإسرائيلي أنه حتى لو كان سبب التأجيل هو فعلاً “وعكة صحية” كما قال بيان الحزب، إلا أن حقيقة ما يحدث مع نصر الله هو بالتأكيد أزمة صحية أكبر من الانفلونزا !!

واضح لماذا يمتلئ الإعلام الإسرائيلي بالتعليقات والأخبار عندما يتعلق الأمر بالحديث عن مرض أصاب نصر الله، أو عن غياب لنصر الله عن مناسبة كان مقرراً أن تكون له إطلالة فيها.

ويعود السبب إلى طبيعة الحرب الإستخباراتية والنفسية الخفية واليومية الجارية بين إسرائيل والحزب. وفي هذه الحرب تحاول الإستخبارات الإسرائيلية في كل لحظة أن تسدد – إن استطاعت – ضربة نفسية للحزب، أو أن تلتقط – فيما لو تيسر لها ذلك – معلومة أمنية عن الحزب وعن نصر الله وعن جديد نشاطه.

وحينما تقول الصحف الإسرائيلية أن نصر الله “مصاب بأزمة صحية أكبر من وعكة الانفلونزا”، فإن من يقول ذلك في الحقيقة ليست الصحف الإسرائيلية، بل المخابرات الإسرائيلية؛ والهدف من نشر هذا النوع من الأخبار ليس إعلام الرأي العام بالحقيقة، بل محاولة “جس نبض” البيئة الإعلامية الخاصة بحزب الله، واستدراجها للرد على تسريبات المخابرات الإسرائيلية الصادرة في الصحف الإسرائيلية، أو حتى في صحف غير إسرائيلية، لأنه بهذه الطريقة تجمع الموساد أو الشاباك مادة خبرية ومعلوماتية من “بيئة عدوهم” (بيئة حزب الله). وحتى لو كانت هذه المادة الإخبارية مضللة وغير صحيحة، إلا أنها تظل عند مستوى معين ولأسباب معينة، بمثابة مادة قابلة لتحليلها وتقييمها والبناء عليها من قبل المخابرات الإسرائيلية التي تريد من مثل هذه المناسبات فهم أنماط سلوكيات تفكير نصر الله ومن حوله بخصوص أمور تتعلق به شخصياً، وأيضاً فهم معايير الموقف الجماعي لـ”بيئة عدوهم” تجاه وضع كمرض نصر الله!!..

إن لعبة المطاردة الإستخباراتية بين إسرائيل وحزب الله تبدو مشوقة للمراقب لها عن بعد.. وتبدو مغرية لمتابعة رأس الجليد الذي يظهر للعلن منها في بعض الأحيان؛ فهي مطاردة تشبه “لعبة الهر والفأر”، مع فارق أن الأدوار بينهما تتغير؛ فتارة الحزب يكون الفأر وتارة يصبح الهر، والعكس صحيح بالنسبة لإسرائيل.

وبحسب التسريبات الآتية الى الصحافة الإسرائيلية من داخل المستوى الإستخبارتي الإسرائيلي، فإن هناك أمراً لافتاً يجري داخل الغرفة السوداء المظلمة التي يجلس فيها جماعة الموساد المفترض أنهم معنيون بمتابعة شخصية السيد حسن نصر الله لحظة بلحظة بغية فهم أنماط تفكيره وطموحاته ونقاط ضعفه وقوته، ونوعية الكفاءة البدنية والروحية والنفسية التي يتمتع بها، ودرجة استقرارها، الخ..

 

..وفي غير تسريب نقلته الصحف الإسرائيلية عن “جماعة متابعي نصر الله في الموساد والشاباك” جاء ما مفاده أن إسرائيل الإستحباراتية ليس لديها حتى الآن صورة واضحة وكافية عن من هو نصر الله نفسياً وإنسانياً، ومن أية مكونات تتشكل عوالمه الداخلية!!

..وأكثر من ذلك فإنه جاء في أحد التقارير الصحفية الإسرائيلية المتابعة لهذا الموضوع، أن نصر الله بالنسبة للمستوى الإستخباراتي الإسرائيلي لا يزال غير واضح، وأحياناً لا يزال شبحاً مبهماً. ويضيف التقرير بما معناه: أن المخابرات الإسرائيلية في ستينات القرن الماضي كان لديها البصمة النفسية الكاملة لجمال عبد الناصر.. كانت تعرف متى ينام، ومتى يستيقظ، ومتى يحتاج للترفيه عن نفسه، ولماذا؟؟.. تقريباً كانت تعرف كل شيء عن عبد الناصر الذي كان ينام حراسه إلى جانبه على سريره لحفظ أمنه وسره، ولكن رغم كل هذا الحرص المصري الأمني، فإن الموساد عرفت كيف تصل إلى بصمة عبد الناصر النفسية وتفك شيفرتها..

وفي حال لم يكن وراء هذا الكلام الإسرائيلي خدعة وتضليل استخباراتي مقصود، فإن اعتراف إسرائيل بأن مخابراتها التي تصرف عليها مليارات الدولارات سنوياً، فشلت في العثور على البصمة النفسية والخاصة بنصر الله، يعد فشلاً استراتيجياً للأمن الاسرائيلي، ذلك أن تل أبيب تصف نصر الله بأنه خطر استراتيجي عليها، وفي حال فشلت “اسرائيل الاستخباراتية” بالوصول إلى معرفة كيف يفكر نصر الله، وما هي العوامل المؤثرة على طرق تفكيره، فإن هذا يعني ان إسرائيل فشلت بتوقع ماذا سيفعل نصر الله “ضد أمنها” ومتى؟ وكيف؟ وضمن أية ظروف تحيط به.

والواقع أن استمرار “إسرائيل الإستخباراتية” طوال الأيام الماضية، باتباع أسلوب التسريبات الصحفية للسؤال عن سبب غياب نصر الله، إنما يكشف في العمق عن حقائق مهمة، منها “أن تل أبيب ليس لديها قدرة على معرفة أين يقيم نصر الله”؛ ولا “ماذا يحدث معه وحوله”.. 

عام ٢٠٢٠، حدث وأن أقدم نصر الله على تأجيل خطابه، وكما هذه المرة، فإن بياناً للحزب قال حينها أن سبب التأجيل هو تضامن الحزب مع الحداد العام على شهداء مرفأ بيروت.

وتشي هذه الواقعة بأن نصر الله سبق له وقام بتأجيل خطبه، وذلك لسبب يراه أنه يستأهل قيامه بهذا الأمر..

وعليه فإنه يمكن القول ببساطة أن نصر الله الذي لا يقدس بالعادة مواعيد خطبه، وجد هذه المرة أنه بحاجة للراحة؛ فقرر تأجيل خطابه، وهو أمر يجب عدم استغرابه؛ لأنه سبق لنصر الله وقام به.. وعليه، يستطيع الأمن في حزب الله أن “يمد لسانه” وراء ظهر الموساد ويسأل بتهكم: لماذا الاستغراب.. إنه الغباء..

Exit mobile version