خاص الهديل:
كان هناك ولا زال جدلاً حول ما إذا كان يجب على رئيس الجمهورية أن يطلب حصة وزارية له في الحكومة، أم عليه أن يترفع عن ذلك، كون فخامة الرئيس له مكانة الحكم في الحكومة، وليس طرفاً.. وأصحاب هذا المنطق كانوا ولا زالوا يقولون: إذا طالب فخامة الرئيس بوزارتين أو ثلاث وزارات (الخ..)، فإن حجمه السياسي في البلد وفي الحكومة، سيصبح وزيرين أو ثلاث؛ بينما لو تمنع عن طلب حصة وزارية لنفسه، فسيصبح حجمه في الحكومة عابر لمساحة مكعبات المحاصصات بداخلها، وسيصبح بحجم أنه “رئيس كل البلاد”، بما فيها “حكومة كل البلاد”..
وفي كل مرة يثار فيها موضوع “فخامة الرئيس والمحاصصة الحكومية”؛ يرفع أصحاب منطق “تعفف الرئيس من أجل مكانة الرئيس”، شعاراً يقول أن “الرئيس القوي هو الذي لا يريد شيئاً لنفسه”؛ حيث حينها يصبح “حكماً حاكماً”، ويصبح له صلاحيات المحاسبة بإسم أنه الوحيد الذي أقسم على الدستور، وليس بفعل ما له من صلاحيات في الدستور، وبفعل أنه خارج لعبة المحاصصة، ما يجعله يمثل حصة البلد الحكومة، بمقابل أن الآخرين يمثلون أحزابهم ومصالحهم داخل مصلحة البلد..
إن الجهة التي أقنعت الرئيس ميشال عون بأنه “الرئيس القوي”، لأنه يستطيع أن يطالب بحصة وزارية داخل الحكومة، بحجم كتلة التيار العوني النيابية زائد حجمه السياسي، هي جهة إما أنها أخطأت على نحو كارثي في التقدير، أو أنها أرادت دفع الرئيس ميشال عون على نحو كارثي إلى الهاوية.. فالرئيس القوي في عصر جمهورية الطائف هو الذي يترفع عن المحاصصة حتى يحكم بصفته أنه رئيس فوق الشبهات، وبوصفه يستطيع أن يتهم ولا يستطيع أحد أن يتهمه.
لقد حاول بعض أعوان الرئيس عون استدراك خطيئة مفهوم “الرئيس القوي”، وذلك عبر استبداله بمفهوم “بيي الكل”، ولكن ما حصل مع الرئيس ميشال عون هو أنه عندما أخذ يحاول تغيير لقبه، وجد نفسه أنه لم يعد يستطع العودة إلى تطبيقات لقب الرئيس القوي، وبنفس الوقت لم ينجح في التحول إلى معنى لقب “بيي الكل”!! ..
لقد سبق للصحافي اللامع ميشال أبو جودة أن خاطب عبر عاموده الشهير في جريدة النهار في شهر آب ١٩٧٠ الرئيس سليمان فرنجية بعد أيام من انتخابه رئيساً، فنصحه بأن يختار بين أن يكون “رئيساً للبنان” وإما “طربوشاً للإدارة”؛ فقال التالي تحت عنوان: ماذا سيفعل الرئيس سليمان فرنجية(؟؟)؛ بل ماذا يستطيع أن يفعل(؟؟)
قال أبو جودة في مقالته التي خاطبت الرئيس سليمان فرنجية ناصحاً: أن الخطيئة المميتة التي وقع فيها جميع الرؤساء السابقين هي أن رئيس الجمهورية يصبح “رئيس الإدارة” أو “رئيس الموظفين”، عوض أن يكون “رئيس لبنان”؛ و”رئيس اللبنانيين”، أي “رئيس دولة لبنان”.
المطلوب من رئيس الجمهورية أن يعرف أن دولة الموظفين – أي دولة الوزراء والنواب والإداريين – تستطيع بدهريتها المشهورة أن تشغله أسابيع وأشهراً في موضوع إسم – مثلاً – مدير عام الزراعة؛ وبعد أسابيع وأشهر يفاجأ الرئيس وتفاجأ البلاد بأن موسم التفاح كاسد، وأن لا أسواق للمحاصيل الزراعية.
المطلوب من رئيس الجمهورية أن يعرف أن دولة الموظفين – وهم الوزراء والنواب والإداريين – تستطيع بدهريتها الشهيرة أن تقيم الدنيا وتقعدها من أجل تعيين أو إبدال مدير عام المالية؛ وبعد أسابيع من هذه القيامة القائمة يتفاجأ الرئيس وتتفاجأ البلاد بسلسلة إفلاسات المصارف (الخ…).
على رئيس الجمهورية أن يختار إما أن يكون “فخامة الموظف الأول”، أو “اللبناني الأول”.. وإذا اختار الخيار الثاني وهو الأصعب، والذي استحال على كل الرؤساء السابقين أخذه؛ فعليه أن يقرر منذ الآن من سيكون له الأهمية والأولوية في اهتمامه: مدير عام الزراعة ام التفاح ومواسم الزراعة؟؟.. مدير المالية أم ازدهارالمصارف؟؟..
أما لو اختار فخامة الرئيس الخيار الأول، فإنه بعد ست سنوات سيسمع اللبنانيون رئيسهم الذي انتهت ولايته يقول أنه لو سمح له بأن يحكم ست سنوات أخرى، لكان سيفعل كذا وكذا، الخ.. (إلى هنا انتهى الاقتباس بشيء من التصرف من مقالة أبو جودة)..
أغلب الظن أن ميشال عون لو قرأ اليوم مقالة أبو جودة التي وجهها لسليمان فرنجية الجد بعد أيام من انتخابه رئيساً، لكان سيظن أن رسالة أبو جودة ونصائحه موجهة إليه، وسيجد عون في بدايات عام ٢٠٢٣ أن نصائح أبو جودة لفرنجية الجد كانت صحيحة أيام رئيس جمهورية ال٤٣ بمثلما هي تبقى صحيحة في أيام جمهورية الطائف، فالقصة ليست حجم صلاحيات فخامة الرئيس بالدستور بل كانت وستبقى في حُسن إجابة فخامة الرئيس أيام جمهورية ال ٤٣ وأيام جمهورية الطائف على سؤال: هل يريد فخامة الرئيس أن يصبح “الموظف الأول” في البلد أم “اللبناني الأول” في الدولة؟؟
لو قرأ ميشال عون يوم انتخابه رئيساً نصائح أو جودة للرئيس الجد فرنجية عام ١٩٧٠، ربما كان أدرك أن اهتمامه بإيصال الكهرباء لبيوت اللبنانيين أهم من مطالبته بوزير للطاقة وبمدير عام للكهرباء لصهره، الخ..
وأيضاً لو قرأ سليمان فرنجية الحفيد اليوم سؤال أبو جودة لجده عندما كان الأخير يستعد لدخول قصر بعبدا عام ١٩٧٠، فهل سيعتقد سليمان الحفيد بأنه سيحسن الإجابة عليه، وهل سيتوقف سليمان فرنجية الحفيد عام ٢٠٢٣ وهو مرشح لرئاسة الجمهورية عند صدى السؤال الذي وُجه لجده بعد فوزه بالرئاسة عام ١٩٧٠، ومفاده: ماذا سيفعل سليمان فرنجية؟ وماذا يستطيع أن يفعل سليمان فرنجية؟؟.. وهل يريد أن يصبح “الموظف الأول” في البلد أم “اللبناني الأول” في الدولة؟؟.. وهل سيقبل بأن يكون طربوش المحاصصة لدى الطوائف وأحزابها؟؟!.