خاص الهديل:
سأل الرئيس تقي الدين الصلح ممثل لأميركا في لبنان: قولوا لنا أنتم الأميركيون هل أنتم هنا من أجل الاهتمام بلبنان أم بقضية أخرى. وابتسم الأميركي حينها وقال هذا سؤال ذكي..
تقول المذكرات والتصريحات السياسية لغير شخصية لبنانية أنه عام ١٩٥٨ عندما جاء الأسطول السادس الأميركي إلى شواطى بيروت؛ لم يكن السبب كما ظن اللبنانيون الاهتمام بقضايا لبنان بل لمتابعة الوضع في العراق.
وعندما جاءت قوات المارينز إلى لبنان في عهد الرئيس أمين الجميل كان الهدف الأميركي هو الاهتمام بحرب الخليج، التي أرسلت إليها لاحقاً هذه القوات، وليس الاهتمام بما يجري في لبنان.
اليوم لا أحد يعلم لماذا أصر الأميركي بايدن على توقيع الاتفاق البحري بين لبنان وإسرائيل؟؟.. ولو كان تقي الدين الصلح لا يزال حياً، كان سيسأل اموس هوكشتاين خلال تواجده في بيروت: حضرة الوسيط أنت هنا في الناقورة من أجل أية قضية؟!
يقال أن الرئيس بايدن أراد أن يهدي اتفاق ترسيم الحدود البحري والغاز بين لبنان وإسرائيل إلى اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية عشية الانتخابات النصفية حتى يكسب أصواتهم لصالح الحزب الجمهوري؛ وأراد أيضاً أن يهدي نتائجه إلى أوروبا المرعوبة من برد الشتاء الذي كان على الأبواب، والتي تتطلع بفزع للحصول على أي قطرة من الغاز من أي مكان من العالم. والمهم أنه مشكوك فيه أن يكون اتفاق الترسيم البحري اللبناني الإسرائيلي هو من أجل لبنان، بل من أجل “قضية أخرى” سعت إليها واشنطن.
وفي غمرة أنه يجب دائماً سؤال الأميركي عن القضية الأخرى التي يفكر بها ويسعى إليها، خلال وجوده في لبنان، فإنه يتوجب أيضاً ملاحظة أن اللبنانيين يتجاهلون دائماً أن يسألوا أنفسهم لماذا ينتظرون الأميركي ليحل مشاكلهم وخاصة مشكلة انتخاب فخامة الرئيس..
وبمناسبة استحقاق انتخاب فخامة الرئيس في هذه الأيام، ينقسم اللبنانيون إلى رأيين أثنين أو الى موقفين لا ثالث لهما: الأول يقول به حزب الله من دون كل اللبنانيين، ومفاده أن الحل داخلي، وأن الخارج لن يقدم حلاً لأزمة انتخاب فخامة الرئيس.. أما الرأي الثاني فيقول به كل اللبنانيين الآخرين، ومفاده أنه لا اليوم ولا بالأمس ولا غداً كان انتخاب فخامة الرئيس اللبناني هو استحقاق يتم حسمه داخل لبنان، بل تاريخياً كان يتم حسمه في الخارج، ومن ثم يتم إسقاط الحل الخارجي على الداخل.
وخلال خطابه الأخير، قال نصر الله أن هناك دولاً اتصلت فعلاً، وأخرى بصدد الاتصال بطهران، من أجل البحث معها حول موضوع انتخاب فخامة الرئيس، ولكن إيران تقول لمن يقصدها من الإقليميين أو الدوليين بشأن ملف الرئاسة في لبنان: اذهبوا وناقشوا هذا الأمر مع اللبنانيين.. والرسالة الفعلية التي يريد نصر الله إيصالها من كلامه هذا، ليس أن طهران غير معنية بانتخاب الرئيس اللبناني، بل أن طهران جيرت موقفها الإقليمي بخصوص هذا الملف لحزب الله، وهي توافق على ما توافق عليه حارة حريك، عكس الخصوم اللبنانيين للحزب الذين ينتظرون موقف دول الخارج حتى يوافقوا على ما تطلبه هذه الدول…
ويريد نصر الله القول أنه هو القوة الداخلية الأقوى بشهادة كل اللبنانيين، وبنفس الوقت هو القوة الخارجية التي معها حق الفيتو الإقليمي في لبنان، وذلك بفعل أن إيران الإقليمية جيرت موقفها لحزب الله في المواضيع اللبنانية؛ وعليه فإن نصر الله يقول أن من يريد حلاً داخلياً لاستحقاق الرئاسة فعليه أن يطرق باب حارة حريك؛ ومن ينتظر حلاً خارجياً، فعليه أن يفتش عليه عند السيد حسن نصر الله المحلي والإقليمي.
كل الفكرة التي يريد حزب الله إيصالها مواربة للقوى اللبنانية هي تذكيرهم بالواقعة المشهورة عندما دخل سعد الحريري للقاء الرئيس الأميركي وهو رئيس للحكومة، وخرج من عنده وقد أصبح رئيساً مقالاً من الحكومة. وبنظر حزب الله فإنه منذ تلك اللحظة لم يعد العم سام ولا الخارج يستطيع دون رأي حزب الله، أن يقرر من هو رئيس الحكومة، أو من هو رئيس الجمهورية في لبنان..
وأكثر من ذلك يريد الحزب القول أنه منذ تلك اللحظة، أصبحت ٩٠ بالمئة من عملية انتقاء إسم فخامة الرئيس تتم في حارة حريك، وأصبح المطلوب من العالم أن يتكيف مع عملية الموافقة على الإسم الذي ينتقيه الحزب.. ورغم أن عملية التكيف هذه قد تستغرق بعض الوقت، ولكن بالنهاية ستتم عملية تكيف الخارج مع ما يريده حزب الله، كما حصل المرة الماضية بموضوع ترشيح ميشال عون، وكما سيحدث اليوم بموضوع ترشيح فرنجية ..
…إنها قصة وقت حتى يقبل العالم بمرشح حزب الله، ذلك لأن موازين القوى تغيرت داخل لبنان، وخارجياً نحو لبنان!!