الهديل

العقليات المُتحجرة والمُزهرة

بقلم: شيخة غانم الكبيسي

جميعنا نتباهى بعقولنا، ونظن بأننا على حق وأفكارنا قريبة من الصواب، هذا إذا لم نكن على يقين تام بأن أفكارنا لا تحيد عن الصراط ومشاعرنا على الدوام لا تقبل الفشل. ولكن هذا المنظور قد يجرنا لقاع مظلم وأفكار جامدة لا تقبل التغيير، بل قد نبلغ مرحلة معارضة غير المألوف ومحاربة كل جديد لحماية مخزون الذكاء الفكري والفطري الذي وهب لنا لحظة الولادة.

 

وإثباتاً من البعض -على ارتفاع ذكائهم واعتدادهم بثقتهم الذاتية- للآخرين وضعوا سقفاً زجاجياً لعقولهم، معتقدين أن ذكاءهم ومواهبهم وقدراتهم الإبداعية جامدة، ولا يمكن تطويرها، فمالوا الى تجنب ارتكاب الأخطاء أو المخاطرة أو حتى بذل الجهد، وعادة ما يستسلم هؤلاء بسهولة عند مواجهة التحديات متجاهلين الملاحظات النقدية المفيدة، شاعرين بالخوف من نجاحات الآخرين وهكذا فقدوا روح المبادرة واستسلموا للواقع الذي تم بنيانه في عقولهم ليصبحوا ذوي عقول ثابتة متحجرة.

بالتأكيد واجهنا هذه العقليات وعانى المجتمع منها، لأن غاية العقليات الثابتة أن تكون منتصرة دائما وتظهر بمظهر الواثق، لأن هذه الغاية ترضخها في أحيان كثيرة لمفهوم الغاية تبرر الوسيلة وما يترتب عليها ويصاحبها من أنانية ونرجسية بسبب الاستسلام الذي يجعلهم يفسرون العثرات التي تقابلهم على أنها فشل لا يمكن التغلب عليه، بسبب عدم امتلاكهم للمهارات اللازمة، فينسبون التقاعس لغيرهم أو للظروف حتى لا يرون أنفسهم فاشلين. لذا فهم يميلون للغيرة ولجرح الناجح لأنه يهدد مكانتهم.

وقد يعود ذلك للاعتقاد السائد لدى العلماء منذ فترة طويلة من الزمن، بأن الدماغ يتوقف عن التطور بعد فترة الطفولة، بل إنهم اعتقدوا أن شبكة أدمغتنا تصبح ثابتة بعد بلوغنا سن الرشد. لكن، في العقد الماضي، أظهر الباحثون أن الدماغ لا يتوقف أبدًا عن التطوّر والتكيّف، كما وأن بإمكانه أن ينمو ويتغير مع التعلم والخبرة. وهذا ما نسميه بمرونة الدماغ، وتنبع أهمية هذا الأمر، من الأبحاث التي وجدت رباطًا وثيقًا بين العقلية والإنجازات، ووجدت أيضًا، أنه عندما يؤمن الناس بأن أدمغتهم قابلة للنموّ والتطوّر، يتصرفون بشكل مختلف، لأن هذه العقلية تجعلنا ننظر لسماتنا وقدراتنا الطبيعية ببساطة على أنها نقطة البداية وأنه من خلال التجربة والجهد والتعلم سنمضي تجاه ما نريد فعله أو ما نريد ان نكون، مسلحين بالثقة من القدرة على تحقيقه.

 

فهذه العقلية النامية كالشجرة المزهرة تعني بالحرية والانطلاق لحاملها. إنها الإيمان بأن الناس يمكن أن ينمّوا ويطوروا ذكاءهم ومواهبهم وجهودهم الإبداعية. مركزين جهودهم على التعلم بدلاً من الأداء، لأنهم يفهمون جيدًا، أن بإمكانهم أن يتحسنوا ويتطوروا، من خلال التعلم والعمل الجاد والخبرة المكتسبة. هؤلاء يدركون أن عليهم مواجهة التحديات من أجل تحقيق النجاح، كما أن عليهم أن يتعاملوا مع النقد الموجه إليهم مدركين أن الفشل هو جزء من مسيرتهم للنجاح، كما ويرى ذوو هذه العقلية العقبات على أنها إخفاق مؤقت ويرحبون بأي نقد لتحسين أدائهم، ويرون الناجحين كملهمين ويرغبون بالتعاون معهم.

ولكن ما نراه ونعايشه واقعيا يوحي بوجود عقلية بالمنتصف حيث تكون هذه العقلية بين ذاك وذاك، فهي تؤمن بالذكاء والقدرات وتحرص على تعزيز الثقة بالذات وحمايتها ومن ثم تنطلق لترسيخها كقاعدة للتعلم والتطوير وهنا يمكن القول انه قد يطغى جانب على الآخر أي قد يطول الثبات ويؤجل النمو بصورة أو بأخرى، حيث ان عقلية الإنسان وصورته عن قدراته يمكن أن تتغير، فأصحاب العقلية الثابتة يمكنهم تغيير حالهم، كأن تأتيهم همة استثنائية تلهمهم التغيير في أمر محدد أو لوقت معين. وكذلك من الممكن لأصحاب العقلية النامية أن تضربهم الصعاب بشدة وتفقدهم شعلة نشاطهم للحظات أو لفترة، وجميعنا يمر بالحالتين.

 

وبما ان رؤيتك لذاتك قد تكون مصدر سعادة أو مصدر شقاء، فإنه عليك دائماً ان تغير طريقة تفكيرك للأفضل وذلك من خلال التعلم والعمل والتطور، بدعم عقلك بالمواد التحفيزية الملهمة، مع الحرص على تقوية مخزون ذاكرتك بالأفكار الإيجابية واختيار صداقات جديدة ذوي عقليات نامية، ولا تنس ان تتوقف عن النقد الذاتي السلبي، مع محاولة النظر للأمور بزوايا مختلفة، بالابتعاد عن المبررات والحجج والتركيز على إيجاد الحلول، واحرص دائماً على ان تفتح سقف امنياتك وترقى بأهدافك، فإذا حلمت بالقليل فإن القليل هو ما تستحقه وإذا حلمت بالكثير ستحصل عليه بلا شك.

 

Exit mobile version