الهديل

عرّاب الطائف ذهب والطائف باقٍ … الرئيس حسين الحسيني في ذمة الله

 

كتب عوني الكعكي:

غيّب الموت علماً من أعلام لبنان، وقامة وطنية نادرة، رجل الحوار ورجل المواقف الوطنية ورجل المحبّة ورجل التعايش.

“أبو الطائف وأمّه وأهله” عمل على مدى أكثر من شهر ليلاً ونهاراً من أجل الوصول الى اتفاق يجمع حوله اللبنانيين بعد اقتتال أخوي دام منذ عام 1973 الى عام 1998…

لم ييأس ولم يكلّ، بل بقي مصرّاً على التوافق مدة طويلة، لم تسمح اللقاءات له بالنوم فكان يصل النهار بالليل.

كنت مع مجموعة من الزملاء من الذين تمّت دعوتهم الى الطائف يومذاك، حيث انتقلنا من بيروت الى الطائف مع الرئيس الراحل، وكان رحمه الله طوال الطريق من بيروت الى المملكة جالساً الى جانب الرئيس الشهيد رينيه معوّض.

وهنا لا بد لي من أن أفشي سرّاً احتفظت به حتى اليوم، وأظن ان الوقت حان كي أبوح به، قبل ذهابنا الى الطائف كنت في دمشق.. ومن خلال معارفي وصداقاتي المميّزة مع القصر الجمهوري في دمشق علمت بشكل عفوي أنّ هناك اتجاهاً بتأييد الرئيس الراحل رينيه معوّض رئيساً مقبلاً للجمهورية، وعندما عدت الى بيروت، كان يوم جمعة، اتصلت بالراحل الرئيس رينيه معوّض وقلت له: “إنّ هناك حاجة لاجتماع بيني وبينك وعندي بعض المعلومات المهمّة، يجب أن أطلعك عليها…” فكان جوابه: “أنا اليوم ذاهب الى إهدن وسأعود يوم الاثنين، وإن شاء الله أزورك في مكتبك ظهراً عند الساعة الثانية عشرة”.. وهكذا حصل.

أعلمت الشهيد ان عندي معلومات أكيدة ان الرئيس حافظ الأسد اتخذ قراراً بأن تكون حضرتك فخامة الرئيس المقبل. شكرني على المعلومات، وقال لي: “أتمنى عليك أن لا تقول لأحد، وأن تبقي هذه المعلومات بيني وبينك”. وهذا ما حصل.

بالعودة الى المطار، عندما شاهدت الرئيسين مع بعض قلت لهما: “الحمد لله سيصبح عندنا رئيس جمهورية ورئيس مجلس.. ولكن لا نزال نحتاج الى رئيس حكومة، وزدت: المهم أن نتخلّص من “البوم” الجالس في قصر بعبدا مغتصباً، والذي استولى على الحكم بتدبير من الرئيس أمين الجميّل الذي عيّنه رئيساً لحكومة عسكرية نكاية بالسوريين. والغريب العجيب ان تلك الحكومة التي كلّف بتشكيلها كانت مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وكانت مؤلفة على الشكل التالي: المسيحيون: ميشال عون، العقيد عصام أبو جمرا والعميد ادغار معلوف. المسلمون: العميد محمد نبيل قريطم، العقيد لطفي جابر واللواء محمود طي ابو ضرغم… والأنكى ان الوزراء المسلمين الذين عيّنهم الجنرال المكلف استقالوا ورفضوا أن يشاركوا معه.

وبالرغم من ذلك لم يكترث للاستقالات المقدّمة، ولم يتذكر الميثاقية والدستورية، فمن الممكن انه في ذلك الوقت لم يكن محتاجاً الى اللازمتين: الميثاقية والدستورية اللتين استعملهما عندما انتخب رئيساً عام 2016.

والمصيبة انه عطّل الدولة وعطّل البلد بحجة هذين الشعارين.. لكن الحقيقة ان الرئيس الحقيقي الذي هو صهره، هو الذي كان يحكم، ولم يكن عون إلاّ صورة معلقة على الحائط بدون أي روح.

بالعودة الى الرئيس الراحل حسين الحسيني، فقد كان يدرك، كما قال لي في أحد اجتماعاتنا معه، ان الجنرال ميشال عون لا يفهم إلاّ بلغة القوّة… وأنه لا يمكن التفاهم معه، لأنه كما كان يقول الرئيس الحسيني عرض عليه الكثير الكثير من الحلول، من وزير الى عدد كبير من الحلول الأخرى لكنه في كل مرة كان يتهرّب لأنه كان يُقال إنّ الرئيس لا يقبل ولن يتنازل عن الرئاسة.

من هنا لا بدّ أن نتذكر الرئيس الرحل الياس الهراوي الذي كان له الفضل في اتخاذ القرار التاريخي بإزالة حال التمرّد التي كان يمثلها الجنرال عون في بقائه في قصر بعبدا… وكما نعلم فإنّ البطل الذي هدّد بكسر رأس حافظ الأسد، وإنّه سيكون آخر جندي في أرض المعركة، تبيّـن أنه عندما شاهد طائرة السوخوي فوق قصر بعبدا هرب في أوّل سيارة الى السفارة الفرنسية في مار تقلا (الحازمية).

أخيراً لا بد من كلمة أقولها: إنّ اللبنانيين جميع اللبنانيين حزانى اليوم لخسارة زعيم وطني كبير، له فضل على “اتفاق الطائف” الذي أنهى حال الحرب الأهلية اللبنانية… نتقدّم من أولاد الرئيس الراحل: علي وحسين وابنته ندى بأحر التعازي، ونطلب من العلي القدير أن يتغمّد الفقيد الكبير بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته.

وإلى جنة الخلد يا أبا علي الحبيب.

Exit mobile version