الهديل

خاص الهديل : حسين الحسيني الكياني” و”الفكرة الشيعية الأخرى”!!

خاص الهديل:

 

أغلق حسين الحسيني وراءه باباً لا يمكن لسياسي غيره أن يفتحه، أو أن يعالج مزلاجه بنفس الكفاءة؛ والمقصود هنا هو باب وثائق اتفاق الطائف الموجودة في خزنة حسين الحسيني ليس فقط الحديدية، بل أيضاً في خزانة عقله الرصين.  

يمكن للبنانيين أن يفتحوا خزنة محفوظات حسين الحسيني الحديدية بعد وفاته؛ وأن يعثروا على وثائق الطائف التي رتبها الحسيني فوق رفوفها، وقرر لسبب ما أن هناك حكمة تدعوه لعدم نشرها.. ولكن ما لا يستطيع أحد فعله، هو أن يترجم ويقرأ بالتحليل اتفاق الطائف واسراره وتفاصيله، كما هي موجودة في خزنة عقل حسين الحسيني الدستوري والسياسي والعارف بلبنان الصيغة والميثاق، كما لا يشاركه أحد المعرفة به.

إن حسين الحسيني هو آخر لبناني ميثاقي بمعنى حضارة الطوائف الـ١٦، وليس بمعنى محاصصة زعماء الطوائف الستة؛ هو “لبناني ماروني” حينما يكون الموضوع دور لبنان الحضاري داخل مسيحيي الشرق؛ وهو “لبناني أرثوذكسي” حينما يكون الموضوع علاقة المسلمين وأولاد عمهم الارثوذكس داخل مشروع العروبة، وهو “مسلم سني” حينما تكون القضية ذات صلة بإسلام المنطقة المتسامح وبالاعتدال الاسلامي داخل معنى العروبة، وهو شيعي حينما يكون حسين الحسيني هو حسين الحسيني كما عاش قصة الإيمان بالشراكة الوطنية مع الإمام موسى الصدر.

إن ميزة حسين الحسيني هي ذاتها مأسآته بالسياسة حتى لا نقول معاناته؛ والقصة هنا تتصل بأنه لم يكن شخصية شيعية تتواجد فوق مساحة من مساحات مسرح الشيعية السياسية المرسوم إقليمياً والمحمي داخلياً، بل كان مسرحاً شيعياً قائماً بذاته، له فكرته وله فصوله وله مزاياه، وذلك بمقابل المسرح الشيعي السياسي القائم والمعترف به داخل لعبة الأمر الواقع الخاص بالطوائف في لبنان. 

الأكيد أن حسين الحسيني لا يشبه أحداً من الشخصيات الشيعية التي ملأت المسرح السياسي الشيعي منذ بداية عهد جمهورية الطائف؛ فهو لا يشبه الرئيس نبيه بري، ولا حتى السيد حسن نصر الله ولا حتى “عامليو آل بيضون” البيارتة أو محسن دلول القادم مثله من البقاع؛ إن حالته في السياسة داخل التجربة الشيعية، تشبه حالة السيد محمد شمس الدين في الدين داخل تجربة المرجعيات الدينية والسياسية الشيعية.. فالحسيني كان يقرأ في كتاب الكيانية اللبنانية، بينما زعماء الشيعة الآخرون رغم لبنانيتهم، إلا أن ظروفهم أو عقائدهم، قادتهم لأن يقرأوا في الكتاب الإقليمي وفي بيانات مترجمة.. والشيخ شمس الدين قرأ في كتاب الاندماج الشيعي داخل الإسلام العربي المعتدل، وذلك في الوقت الذي تقرأ فيه مرجعيات الشيعة في كتاب ولي الفقيه الثوري أو كراريس الثورة داخل الاسلام. 

لقد تم إبعاد حسين الحسيني عن المسرح الشيعي طوال فترة عقدين أو أكثر من الزمن، لم يعد له أدوار داخل سيناريو الأداء السياسي الشيعي، ولكنه ظل حاضراً داخل الفكرة الشيعية الأخرى التي تستقي كل قوتها على البقاء حية من عامل واحد، وهي سلميتها من جهة وعدم ميلها من جهة ثانية لمقايضة منصب بفكرة. 

حسين الحسيني ليس مفكراً سياسياً، ولكن ليس شخصية سياسية من دون فكرة وفكر ورؤية. إنه يمارس السياسة بوصفها ثقافة ووجهة نظر عميقة ميزتها أنها تخدم أجيال مقبلة لها مصلحة بالتعايش وليس بالتحارب.. 

كان لبنانياً منذ أكثر من ٣ آلاف سنة، ولم يكن فقط “من لبنان”.. وكان يؤمن أنه ولد على أيدي قابلة الـ١٦ طائفة، رغم أن سريره كان شيعياً أباً عن جد.. وطالما ردد الحسيني أمام زواره نظريته عن أن لبنان “طوائف وأدوار” أو “طوائف بأدوار”؛ معتبراً “أن الانفتاح على الغرب وثقافاته، هي سمة يشترك بها كل اللبنانيين ولكن المورانة هم نكهة الانفتاح اللبناني على الغرب؛ والاعتدال والعروبة هما سمتان يشترك بهما كل اللبنانيين. ولكن السنة هم نكهة الاعتدال والعروبة؛ والأصالة هي سمة يشترك بها كل اللبنانيبن، ولكن الدروز هم نكهة الأصالة؛ والاجتماع هو حيوية يشترك بها كل اللبنانيين، ولكن الشيعة هم نكهة حيوية الاجتماع في لبنان”؛ وكان يرى الحسيني “أن لبنان يحتاج لدور كل واحدة من هذه الطوائف؛ وفي حال فقدت إحدى الطوائف دورها التي هي سمتها، يختل أداء كل الطوائف الأخرى”؛ ويخلص الحسيني للقول أن لبنان هو بلد الطوائف وأدوارها التي مجتمعة تكمل المعنى الحصاري لبلد الأرز المميز داخل كل محيطه. 

يبقى القول أن غياب حسين الحسيني يفتح الباب على مشهد الواقع اللبناني الحالي، الذي هو عملياً عبارة عن مدرستين سياسيتين اثنتين:

المدرسة الأولى تحفظ من لبنان ذاكرة الـ٤٣، حيث الميثاقية الوطنية هي روح الاستقلال.. والمدرسة الثانية تحفظ من لبنان ذاكرة الطائف الذي هو اتفاق هدنة بإصلاحات دستورية.. أما حسين الحسيني فهو مدرسة ثالثة تتشكل من مزيج عميق من الذاكرتين: “الميثاقية” كما تجسدت في صيغة الـ٤٣؛ و”اتفاق الهدنة الإصلاحية” كما تجسد في اتفاق الطائف الذي لديه أرشيف تفاصيله..

Exit mobile version